تقرير خاص – يمن إيكو
تكثف حكومة صنعاء ممثلة في الجهات المعنية بالقطاع الزراعي، أنشطتها البحثية والإرشادية والزراعية في محافظة الجوف، مركزة على تنفيذ سلسلة من أنشطة الأيام الحقلية التي تعنى بدراسة التجارب وتطوير البذور المحلية للأصناف المزروعة والموصى بها من هيئة البحوث والإرشاد الزراعي، وبما يحقق نظام الدورة الزراعية للحصول على منتج عالي الجودة والإنتاجية، وبأقل التكاليف.
اللجنة الزراعية والسمكية العليا التابعة لحكومة صنعاء، وبمعية المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب وبالتنسيق مع السلطة المحلية بمحافظة الجوف، دشنت مؤخراً موسم حصاد القمح للعام 2023م، في المحافظة، مؤكدة حرص حكومتها على التوسع في زراعة وإنتاج القمح، والبذور بالدرجة الأولى، وتوفير الكثير من مدخلات الإنتاج الزراعي والتدخلات الأخرى في هذا الجانب، أبرزها توفير أدوات الحراثة للمزارعين وتوزيع الأسمدة والقروض في مجال منظومات الطاقة الشمسية.
وتؤكد الحكومة أن ثمة فرصاً لزيادة إنتاج القمح في المناطق الواعدة بمعدل 120% عن المستوى الحالي، حيث وصلت المساحة المزروعة من القمح في محافظة الجوف (تقع شمال شرقي صنعاء على بعد 143 كيلو متراً) إلى 6 آلاف هكتار لأول مرة في تاريخها الزراعي، بواقع إنتاج يصل إلى 5-6 أطنان من محصول القمح لكل هكتار.
غير أن المقومات الزراعية الأهم لمحافظة الجوف (التي تبلغ مساحتها حوالي 39.4 ألف كيلو متر مربع أي 7.2% من إجمالي مساحة اليمن) تتمثل في امتدادها على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة الغنية بمواردها الطبيعية، ومياهها الجوفية التي تلبي احتياج زراعة الحبوب والقمح خلال مواسمها الرئيسة، الصيفية التي يزدهر فيها محصول الذرة الشامية، والمواسم الشتوية التي يزدهر فيها محصول القمح.
وارتفعت زراعة القمح في محافظة الجوف في ديسمبر 2022م بنسبة 70% عن عام 2021م، وفق تغريدة لمستشار محافظ الجوف علي بن ثيبة، نشرها على حسابه في “تويتر”.. موضحاً أن منظومات”الري المحوري” ساهمت بشكل كبير في توسيع زراعة القمح في المحافظة.
نجاح هذه المقومات والعوامل تشترط– حسب الباحثين– وضع استراتيجية من جانب الدولة تُعنى بدعم القطاع الزراعي، ومساندة المزارعين بالتوجيه الصحيح لتحقيق النجاح الزراعي والتنموي وباستخدام التقنيات الحديثة للري، مع التوجه لاستثمار رؤوس الأموال من جانب القطاع الخاص في هذا المجال، على أن تكون نسبة من العائد للدولة، ونسبة للمستثمر الخاص، الذي عليه شراء المعدات والأدوات اللازمة للزراعة والري.
ومن اللافت والجدير بالإشارة أن تداعيات الحرب والحصار وما شكلته من تحديات كبيرة دفعت بحكومة صنعاء إلى الاتجاه نحو إنتاج البذور وتنويع مصادرها، وإدخال المستثمرين في هذا الجانب من أجل الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من البذور في المرحلة الأولى ثم من الحبوب في المرحلة الثانية، وتبعاً لذلك شهدت الجوف خلال سنوات الحرب والحصار ازدهاراً في المجال الزراعي، حيث توسعت رقعة الأراضي الزراعية على نحوٍ جعلها تتصدر المحافظات اليمنية في إنتاج القمح.
زراعة القمح في محافظة الجوف- قبل هذا الاهتمام- تعد نشاطاً موسميّاً متوارثاً، لكنه في ظل الظروف التي تشهدها البلاد أصبح حاجة ملِحّة، لتغطية الاحتياج المحلي من القمح، عوضاً عن شرائه من الخارج، فضلاً عن جودته المرتفعة، في بدايات اعتبرها مراقبون مشجعة على اتجاه اليمنيين نحو الاكتفاء الذاتي.
مزارع تديرها الحكومة
وتدير حكومة صنعاء عدداً من المزارع عبر المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، إلى جانب الإشراف والرقابة
والعمل الإرشادي لكثير من المزارع الخاصة ونشاط الفلاحين، حيث تعمل المزارع الحكومية بمتوسط إنتاجي للهكتار من محصول الذرة الشامية من (2-2.5) طن، أما بالنسبة للقمح من (3-4) أطنان للهكتار كأصناف محسَّنة، وفق تقرير صادر عن المؤسسة، مع السعي لرفع مستوى الإنتاجية إلى حدود 6 أطنان للهكتار.
وتلعب المؤسسة دوراً هاماً في حث المزارعين على الرفع من مستوى أدائهم الإنتاجي من خلال تدخلاتها المتمثلة في توفير كل ما لديها من إمكانيات وخبرات، ونزولها بشكل مباشر إلى المزارع ومتابعته بشكل مستمر حتى مرحلة الحصاد، حيث يتم الاستعانة بحصادات القطاع الخاص والمواطنين، لكن ذلك لا يكفي، إذ تؤكد المؤسسة أهمية الاستثمار في الميكنة، خصوصاً مع وجود حزمة من التسهيلات الكفيلة باستقطاب المستثمرين في مجال الميكنة وتوفير عدد من الحصادات والكمباينات والبذارات وغيرها.
ويظل التحدي الأهم في طريق مضاعفة إنتاج الحبوب وعلى رأسها القمح، مسألة غياب الاستراتيجية الوطنية لإنتاج الحبوب في اليمن، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود بين كل الجهات المعنية بالقطاع الزراعي، لإخراج هذه الاستراتيجية إلى النور والعمل على وضع برامج تنفيذية لها، حيث تسعى المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب والجهات المعنية بالقطاع الزراعي في حكومة صنعاء إلى إنجاز استراتيجية خاصة بالحبوب والقمح، وبما يؤكد وضع جملة من البرامج التشجيعية لجذب المستثمرين للدخول في هذا المضمار.
وتسعى المؤسسة لإيجاد مخزون كافٍ من البذور لمواجهة الموسم المقبل، سواء على مستوى محافظة الجوف أو غيرها من المناطق المنتجة لمحاصيل الحبوب.. مبيناً أنه سيتم شراء محصول القمح من الحقول المخصصة لإنتاج البذور مباشرة عبر مراكز التجميع التابعة للمؤسسة في مديرية المتون وأيضاً في الحزم.
الأهمية الغذائية والاقتصادية
غذائياً، يعتبر القمح مصدراً غذائياً رئيساً لحوالي 40% من سكان العالم، ويغطي 20% من السعرات الحرارية و55% من إجمالي الكربوهيدرات، كما يغطي ما نسبته 23.4% من الاحتياج العالمي من الغذاء، ويعتبر مادة أولية للعديد من الصناعات الغذائية (خبز، بسكويت)، حسب الدراسات المسحية والبحثية، أما اقتصادياً فيعد القمح محصولاً نقدياً عالمياً بكونه سلعة رئيسية في التجارة الدولية وما يتعلق بها من أنشطة تجارية وفرص عمل تبدأ بالبذار، ومروراً بالحصاد والنقل والتوزيع وغيرها، كما تؤمِّن عائداته موارد مالية ضخمة للدول المصدرة كروسيا والصين وأمريكا وأوكرانيا والهند وأستراليا وغيرها.
وبالنسبة لليمن يمثل القمح أهمية قصوى على مسار الأمن القومي الغذائي لليمنيين، الذين يعانون أسوأ أزمة إنسانية في العالم جعلت البلاد على شفير المجاعة، جراء تداعيات الحرب والحصار، بالإضافة إلى المتغيرات العالمية، وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية التي أثَّرت في إمدادات القمح على المستوى العالمي، بما في ذلك اليمن، كونه يحصل على ثلث احتياجه من القمح من هذين البلدين، وبواقع 31% من إمدادات القمح من روسيا و6.8% من أوكرانيا، كما تؤكد الإحصاءات أن اليمن يستورد 2.3% من مجموع الصادرات العالمية للقمح، كما يستورد ما يقارب 3.8 مليون طن من القمح والحبوب سنوياً، وهذه المؤشرات تستنزف كتلاً نقدية مليارية من العملة الصعبة سنوياً.