تقرير خاص- يمن إيكو
قال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “إن التدخل الخارجي في اليمن جعل البلاد مجزأة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً”.. مؤكداً أن اليمن عانت على مدى ثماني سنوات من الحرب- وما ترتب عليها من انقسامات داخلية- التي فاقمت تداعياتها قوى خارجية على رأسها السعودية والإمارات.
وتوقع تقرير حديث صدر مؤخراً عن المجلس، أن يتلاشى تدخل الإمارات والسعودية العسكري قريباً، لكنه قد عمق الانقسامات، وخلق تداعيات اقتصادية ومعيشية أوصلت الشعب اليمني إلى عوز أعمق من أي وقتٍ مضى.. لافتاً إلى أن السعودية والإمارات حالياً تتطلعان إلى الخروج من اليمن- التي قضت كل من الرياض وأبو ظبي عقداً من الزمن في تأجيجها لمصالحهما الخاصة.
وحول اختلاف الأجندة والأهداف لكل من السعودية والإمارات ومفارقات شعارات الحرب وواقع مجرياتها، أوضح تقرير المجلس الأوروبي أن حلفاء الحرب والحصار في اليمن لم يتصرفوا بطريقة موحدة، ما فاقم من الصراعات الداخلية، ففي وقت تعارض السعودية الحركات الانفصالية داخل البلاد بحكم شعارها الذي يفيد بأنها “تعمل من أجل دولة موحدة” عمقت سياساته المنطلقة من مصالحها الانقسامات بشكل واضح.. وفيما سعت الإمارات إلى إضعاف بعض القوى الإسلامية داخل اليمن، ركزت دعمها للجماعات المتنافرة التي تساهم بشكل فعال في تفتيت البلاد؛ في إشارة إلى تعدد النخب والفصائل المتصارعة وجميعها تتلقى الدعم المادي من الإمارات.
التقرير الأوروبي الذي أشار إلى أن انتهاء الهدنة شكل خيبة أمل كبيرة لليمنيين والآخرين المعنيين بمآلات الحرب والحصار في اليمن- أكد أيضاً أن نهاية الهدنة أفصحت عن حقيقة أن النظام السعودي يركز الآن على إنهاء دوره القيادي في الصراع، بحثاً عن وسيلة توقف هجمات حكومة صنعاء عبر الحدود على المصالح والأراضي السعودية، بينما يحتفظ الأخير بمطالب طويلة المدى تتمثل في إجراء مفاوضات مباشرة مع الرياض.
شرذمة اليمن
وحول إيغال التحالف في سياسة شرذمة اليمن، عبر استبدال رئاسة هادي ونائبه الأحمر، بمجلس القيادة الرئاسي برئاسة العليمي، في سياق ما أسمي بمشاورات الرياض في الـ7 من إبريل الماضي؛ أوضح التقرير الأوروبي أنه منذ الشهر نفسه تصاعدت المواجهات العسكرية بين الوحدات الخاضعة لسلطة مختلف أعضاء المجلس الرئاسي الثمانية، فطردت القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي (المدعوم إماراتياً) خصومها (الإصلاحيين الموالين للتحالف) من محافظة شبوة، وفي أغسطس حاول الانتقالي استمالة أحد فصائل الحراك (التابعة لهادي المقال في مؤتمر الرياض) الذي يتمتع بتأييد قوي في محافظة حضرموت، لكن هذه المحاولة لم تفشل فحسب، بل أدت إلى سلسلة من التظاهرات الشعبية المتنافسة في بلدات حضرموت والمهرة في سبتمبر وأكتوبر الماضيين.
وحول الساحل الغربي الخاضع لسيطرة لقوات العمالقة بقيادة طارق صالح، ومحافظة مأرب النفطية بقيادة سلطان العرادة، أوضح التقرير أن اقتصاد السهل الساحلي التهامي يعتمد على الزراعة ومصايد الأسماك التي يهيمن عليها كبار ملاك الأراضي ومالكو القوارب، بينما تسيطر مأرب على موارد الغاز اليمنية وجزء كبير من نفطها، مع هيكل اجتماعي قبلي. بشكل عام، تدل هذه الأمثلة على الافتقار إلى الوحدة وإمكانية التنافس داخل ما يُفترض أن يكون جبهة موحدة.. مرجحاً أن يستمر هذا الصراع داخل تلك المناطق، مما سيؤدي إلى تفكك المجلس الرئاسي في أي لحظة.
الاقتصاد اليمني والحرب الاقتصادية
وقال التقرير الأوروبي: إن الاقتصاد اليمني في حالة من السقوط الحر، منذ بدء الحرب، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50%، وبحلول عام 2021 انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من مستوى ما قبل الحرب البالغ 1600 دولار إلى 630 دولاراً”.. مؤكداً أن ذلك يدل على تدهور كبير في مستويات المعيشة للسكان.
وأكد التقرير أن رحى الحرب الاقتصادية بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً (المدعومة من التحالف) وحكومة صنعاء تدور حول محورين اقتصاديين: الأول مالي: حيث يوجد الآن بنكان مركزيان منفصلان ومتنافسان، وهو وضع أدى إلى اختلاف كبير في أسعار الصرف، يؤثر هذا بشكل كبير على حياة المواطنين، خاصة فيما يتعلق بتكلفة السلع الأساسية المستوردة، وهو عامل مهم بشكل خاص في بلد يستورد الغالبية العظمى من المواد الغذائية الأساسية.
والمحور الثاني يتمثل في حصار التحالف بقيادة السعودية لموانئ البحر الأحمر، مما يؤثر على استيراد الغذاء والوقود لأكثر من ثلثي السكان الذين يعيشون تحت حكم (حكومة صنعاء).. معتبراً أن الجهود الأوروبية وغيرها من الجهود الدولية لمعالجة هذه المشاكل لم تصل إلى حد كبير حتى الآن، وأن عملية التنمية السياسية والاقتصادية طويلة المدى تقتضي أن يكون ذلك جزءاً من معالجة هذه القضايا.
نقل عمليات البنك
وفي إشارة إلى قرار الحكومة الموالية للتحالف بشأن نقل وظائف وعمليات البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016م بهدف شل تمويل (حكومة صنعاء)؛ بيّن التقرير أن إجراءات الحكومة المعترف بها دولياً على الصعيد المالي كان لها عواقب سلبية على السكان المقيمين في منطقة سيطرتها.. مضيفاً: “رغم أن قرار نقل البنك جعل المعاملات المالية أكثر صعوبة بالنسبة لحكومة صنعاء، بحكم حقيقة كون البنك المركزي في عدن يتحكم في الوصول إلى نظام SWIFT وعلاقة الدولة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلّا أن الهيكل المالي للبنك في صنعاء لم ينهر، واحتفظ البنك المركزي بالسيطرة على عمليات الشركات والبنوك الرئيسية في البلاد، والتي يقع مقرها الرئيسي في صنعاء”.
طباعة العملة
وأشار التقرير الأوروبي إلى أن طباعة الحكومة (الموالية للتحالف) لمليارات الريالات اليمنية، أفضى إلى تداول عملتين بشكل فعال، لتمكن حقيقة اختلاف العملات الورقية الجديدة عن القديمة (حكومة صنعاء) من جعل استخدامها غير قانوني، وهو الحظر الذي طبق بصرامة منذ ديسمبر 2019م، ما أدى انهيار قيمة الريال وفق فارق تباعد بين مناطق حكومة صنعاء ومناطق سيطرة التحالف، ففيما ظل ثابتاً نسبياً في الأولى عند 600 ريال للدولار الواحد، كان الانهيار سريعاً ودرامياً ومتقلباً في مناطق الحكومة (الموالية للتحالف)، وارتبط مسار الانهيار بتوقعات الدعم المالي من الشركاء في التحالف خصوصاً السعودية، فهبطت قيمة الريال اليمني فيها إلى 1700 ريال للدولار الواحد، ومنذ إنشاء المجلس الرئاسي في ابريل الماضي ظل سعر الدولار يحوم عند 1100-1200 ريال يمني.
وحول تبعات تلك المفارقات والفجوة الكبيرة بين العملتين، أوضح التقرير أن ذلك أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة على غالبية الأشخاص الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى العملة الصعبة من التحويلات أو الأقارب الذين يدفعون بالدولار الأمريكي، الذين يعملون في المنظمات الدولية الموجودة في البلاد.. مؤكداً أن قضية رواتب 1.25 مليون شخص من موظفي الحكومة في اليمن كانت تقف وراء مساعي الحكومة المعترف بها دولياً للسيطرة على البنك المركزي اليمني منذ سبتمبر 2016م.
وأوضح التقرير الأوروبي أن سنوات الحرب والحصار تسببت في أضرار مادية جسيمة بالقطاعين: الطبي، والتعليمي في البلاد، ففي القطاع الطبي تضررت البنية التحتية، والكادر الطبي من الموظفين الذين غالباً ما يتخلون عن العمل في حالة عدم وجود رواتب؛ وتعليمياً تضررت البنى التحتية مخلفة هيكلاً تعليمياً ضعيفاً جداً، إذ لا تقتصر الأضرار على ارتفاع مستوى الأمية في البلاد ، والذي لا يزال على الأرجح حوالي 45% بل تمتد إلى جعل الغالبية العظمى من الوافدين الجدد إلى سوق العمل البالغ عددهم 400 ألف سنوياً يتمتعون بمهارات غير مناسبة ومنخفضة الجودة.
مطالب صرف المرتبات
وحول مطالب حكومة صنعاء إزاء صرف مرتبات كافة موظفي الدولة، عسكريين وأمنيين ومدنيين من عائدات النفط، ورفض الحكومة الموالية للتحالف، وما ترتب على ذلك من عمليات تحذيرية لمنع تصدير النفط اليمني، أكد تقرير المجلس الأوروبي أنه لا يوجد حل في الأفق لضمان دفع رواتب منتظمة لموظفي الحكومة، ولا لإنهاء مشكلة العملات المتنافسة والتأثيرات الأوسع على تكلفة بقاء اليمنيين العاديين.
ونوه التقرير بأن الحصار السعودي لموانئ البحر الأحمر الذي فرضه التحالف مع بدء الحرب، بذريعة منع الحوثيين من تلقي الأسلحة والدعم من إيران، أثبت من الناحية العملية أنه كان ذراعاً للحرب الاقتصادية.. مشيراً إلى أن إجراءات التحالف والحكومة الموالية له بشأن منع إرساء شحنات الوقود والغذاء في ميناء الحديدة، حتى بعد الموافقة عليها من قبل آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة في اليمن (UNVIM)، كان الهدف منها زيادة النقص داخل أراضي (حكومة صنعاء).
وحسب التقرير الأوروبي، تراوح متوسط الشحنات الشهرية من الوقود من 140 ألف طن في عام 2016 وارتفع إلى أعلى مستوى عند 188 ألف طن في عام 2019، قبل أن ينخفض بعد ذلك إلى 45 ألف طن في عام 2021.. مؤكداً أن هذا التباين في الشحنات المسموح بدخولها إلى الحديدة انعكاس واقعي لصعود وهبوط الحرب..
واعتبر الزيادة الكبيرة في عمليات التسليم التي ناقشها المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز جروندبرج في إحاطة أكتوبر 2022 إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ إنجازاً رئيسياً للهدنة التي استمرت ستة أشهر.
وأوضح التقرير أن الغالبية العظمى من اليمنيين شهدت تدهوراً هائلاً في ظروفها المعيشية بعد أن ارتفعت تكلفة سلة الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة بأكثر من 150% منذ عام 2015 عندما بدأت الحرب وفي الوقت نفسه، انخفض الدخل، وخلال عام 2022 ساء الوضع نتيجة انخفاض تمويلات خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية بمقدار 55% من المتطلبات حتى 2 ديسمبر الجاري. حيث تراجعت مساهمة السعودية إلى 10% مما عليها، والإمارات إلى ما يقرب من 1% من المبلغ الإجمالي المفترض تقديمه، ما جعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الممولين الرئيسيين للخطة الأممية.
ووفقاً للتقرير يتلقى معظم اليمنيين دخلهم الضئيل إما من رواتب الحكومة أو الاقتصاد الريفي، حيث يقيم حوالي 70% من سكان البلادـ أو الأنشطة الصناعية والتجارية الصغيرة حتى عام 2014م قبل بدء الحرب حيث كان معدل الفقر يبلغ 49%، لكن الحرب وتغير المناخ وزيادة التكلفة والقيود المفروضة على الإمداد بالمدخلات وعدم كفاية إمدادات المياه والوقود كلها عوامل تسببت- حسب التقرير- في تضاؤل الدخل الذي يحققه الناس من الزراعة، فانخفضت تبعاً لذلك القوة الشرائية المحلية.
وأضاف التقرير، يتطلب السلام المستدام في اليمن تغييرات كبيرة في الظروف المعيشية الأساسية للسكان. على المدى المتوسط والطويل، ولضمان ذلك يجب التركيز المتجدد على دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك المساعدة على إنهاء اقتصاد الحرب، ليكون الأشخاص الذين يستفيدون من مستويات المعيشة المعقولة والوصول إلى الخدمات الأساسية أكثر منهم في زمن الحرب.
حل النزاع في اليمن
ويرى التقرير أن حل النزاع في اليمن أولوية بالنسبة للدول الأوروبية، وذلك بحكم موقع اليمن الاستراتيجي الذي يسيطر على باب المندب، وبالتالي الوصول إلى قناة السويس.. مؤكداً أن الحرب في اليمن تمثل تهديداً أمنياً محتملاً على الطريق البحري العالمي الحاسم، كما يبلغ عدد سكان اليمن أكثر من 30 مليون نسمة.. مؤكداً أن هذا الرقم يعني أن اليمن شريك اقتصادي محتمل مهم للدول الأوروبية.
وأكد التقرير أهمية أن يعمل الأوروبيون على ضمان تنفيذ معظم استثمارات التنمية، وتركيز المساعدات في مجال تجديد البنية التحتية المادية في اليمن عبر العمل مع وكالات التمويل الدولية، مثل البنك الدولي لزيادة هذه المساعدة، تم إجراء إصلاحات فورية قصيرة المدى للطرق والجسور التي تضررت من الحرب أو الفيضانات وينبغي توسيعها، في إشارة إلى ما خلفته سنوات الحرب والحصار على قطاع الطرق والجسور من استهداف مباشر عبر القصف المتكرر.
وخرج التقرير باستنتاج يفيد بإمكانية لعب الاتحاد الأوروبي برئاسة مملكة السويد سيلعب، دوراً رئيسياً في المساعدة على إنهاء الصراع في اليمن، مؤكداً أن عام 2023 يمثل فرصة سانحة لزيادة المشاركة الأوروبية لمعالجة مشاكل البلاد، لكنه شدد على ضرورة أن يقود اليمنيون جميع العمليات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.