د. خالد رمضان عبد اللطيف
لسنوات طوال، كانت الدول الصناعية الكبرى تبرر قفزات الانبعاثات الكربونية الهائلة لديها بضرورات النمو، التي تطلبت الاستعانة في حقب تاريخية مختلفة بمصادر الطاقة التقليدية، وربما تجبرها الصيحات التحذيرية المتكررة، والخسائر الاقتصادية الفادحة على تصفير الانبعاثات الملوثة للهواء، أي العودة للمستوى الذي كانت عليه الأرض قبل الثورة الصناعية، إذ تتسبب العوادم الكربونية في 3 أضعاف الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق، بينما تتكبد أكبر 3 اقتصادات متسببة في الظاهرة الخطيرة خسائر سنوية بنحو 1.7 تريليون دولار، حيث تفقد الصين 900 مليار دولار، أما الولايات المتحدة فتخسر 600 مليار دولار، فيما تنزف الهند 150 مليار دولار.
يعود عدم التقدير الحقيقي لتأثير التلوث على الاقتصاد العالمي إلى عدم وضوحه المباشر في المؤشرات الاقتصادية، وعلى سبيل المثال، فإن الأمراض الناجمة عن التلوث تكبد العالم 200 مليار دولار سنوياً من أجل تقديم العلاج، ولعل هذه الكوارث الإنسانية والطبيعية المتتالية هو ما أجبر الدول الكبرى على رصد استثمارات للطاقة النظيفة بحوالي 15 تريليون دولار خلال العقود الثلاثة المقبلة، وسيتطلب هذا التحول الحتمي استثمارات عملاقة لن يكون بمقدور الجميع تحملها، لهذا تأمل البلدان الفقيرة توفير100 مليار دولار لمساعدتها في تأمين الانتقال للطاقة النظيفة.
من المستحيل فصل النمو الاقتصادي عن التدهور البيئي، ولهذا، قد يتعين على الدول الكبرى التخلي عن استخدام معيار الناتج المحلي الإجمالي وحده كمقياس للتقدم الاقتصادي، وربما يصبح تخفيض النمو الاستراتيجية الوحيدة المستدامة للبقاء على هذا الكوكب بأمان، وهذا الأمر يتطلب إعادة التفكير في ثقافة الاستهلاك عالية التأثير، فمثلاً قد يتعين على مواطني الدول الغنية قيادة سياراتهم مدداً أقل لتقليل عوادم الانبعاثات، وإعادة التفكير في نظمهم الغذائية، وتقليل السفر، والإقامة في منازل ذات مساحات أصغر.
لكن، فكرة تخفيض النمو لا تخلو من الانتقادات، إذ يقاومها السياسيون بشدة، لأنهم يعتقدون أنها تخصم من رصيدهم الانتخابي وتصنفهم في خانة الزعماء المنفذين للسياسات التقشفية المرفوضة شعبياً، كما أن النقاشات بشأن “النمو الأخضر” و”تخفيض النمو” معرضة للخطر، بسبب الإغراق في الجدل حول مفاهيم تقنية تنفر البعض، ولهذا يتعين على الحكومات تسريع الانتقال نحو الطاقة النظيفة، وتشجيع استعمال السيارات الكهربائية، وتجريم قطع الأشجار، وبناء نظام دفاعي في السواحل المهددة بموجات المد البحري، وتطوير منظومات رصد البراكين والعواصف، وتشكيل قوة دولية للتعاون في مجال إخماد الحرائق الكبرى والأعاصير الشديدة والفيضانات الجارفة.
ولأن حماية الكوكب مسؤولية الجميع، فإنه يمكن للأفراد المشاركة بقوة في خفض استهلاك الكربون، وعلى سبيل المثال، يتعين على الأفراد توطين أنفسهم ما أمكن على السفر بالقطار بدلاً من السيارة، واستخدام السيارة الكهربائية للحد من الأضرار البيئية للسيارات التقليدية، وقضاء الإجازة في مكان قريب بدلاً من الذهاب للأماكن البعيدة، والاستمرار، بحسب الطاقة، في العمل عن بعد بدلاً من التنقل للمكاتب، وإطالة العمر الافتراضي للأجهزة المنزلية من خلال إصلاح الأجهزة المعطلة بدلاً من شراء أجهزة جديدة بهدف تفادي الانبعاثات التصنيعية، مع تقليل استخدام البلاستيك،
واستخدام أوراق تنظيف مصنوعة من مواد صديقة للبيئة حماية للغابات المستباحة، بالإضافة إلى أنه يمكن للأشخاص المساهمة في خفض الكربون بطريقة عملية من خلال الاقتصاد في استهلاك الماء، والاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة.