يمن ايكو
تقارير

📃 استخدام السعودية للعمالة اليمنية كورقة حرب اقتصادية.. محطات تاريخية وتداعيات معيشية

تقرير خاص-يمن ايكو

في يوليو الماضي أصدر النظام السعودي قراراً بخفض نسبة العمالة اليمنية إلى25% من إجمالي العاملين في أراضيها، في ترجمة علنية لسياسة توسيع الرياض للحرب الاقتصادية على اليمن، لتشمل الضغط على اقتصاد البلد بتسريح الآلاف من الأسر اليمنية، والأيادي العاملة.

وفيما يرى مراقبون أن النظام السعودي عمد إلى تسييس رؤية 2030 التي استهدفت خفض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7% في 2030م تحت شعار توطين الوظائف، عبر تقصُّد تسريح الأيدي اليمنية العاملة من دون العمالة الآسيوية الأخرى، حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من أن قرارات السعودية التي تستهدف العمال اليمنيين في السعودية، تعرضهم لخطر الإعادة القسرية الجماعية، وتعمق الكارثة الإنسانية التي تشهدها البلاد جراء الحرب والحصار.

وتحذر الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة واسعة النطاق، مع دخول الحرب عامها السابع، مؤكدة أن ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية، وخروج عدد كبير من العمال اليمنيين من الخليج والسعودية بالذات يعني مضاعفة الأزمة الإنسانية.

قرار خفض العمالة اليمنية في السعودية، لم يكن الأول، كما لم يكن الأخير، فسياسة استغلال العمال كورقة ضغط سياسية واقتصادية مرت بمسار تاريخي طويل، ومحطات شاهدة على سياسة الرياض في الضغط على قرارات الدولة اليمنية الموصولة بالمشاريع التنموية العملاقة والكبيرة، بالذات التنقيب عن النفط، والدخول في شراكات استثمارية دولية خارج النظم العالمية الرأسمالية.

وتشير الدراسات إلى هجرة اليمنيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكن ذروة التدفق في الهجرة بدأت في عام 1970م، بسبب الطلب المتزايد في السعودية إلى الكثير من الأيدي العاملة بفعل الطفرة الاقتصادية الهائلة لعائدات وفوائض النفط، خصوصاً مع تزايد ارتفاع أسعار النفط، في عقدي السبعينيات والثمانينيات، حيث شكلت الأيدي العاملة رافعة البناء والاقتصاد السعودي، ومع أزمة الخليج بدأ النظام السعودي التفكير في استغلال هذه القوة البشرية التي أصبح معظمهم قاطنين بعائلاتهم في أراضي السعودية.

وفي 22 مايو 1990م أعلنت الوحدة اليمنية، وكانت الرياض معترضة عليها، ولكن لا سبيل إلى افتعال أزمة، وفي أغسطس من العام نفسه تفاقمت أزمة الخليج بغزو العراق للكويت، فافتعلت السعودية أزمة مع اليمن، مستهدفة المغتربين اليمنيين، ورحَّلت مليون مغترب، شكل استقبالهم واستيعابهم معضلة وضغطاً هائلاً على اقتصاد دولة الوحدة، ومع حرب صيف 1994م، رحَّلت عدداً كبيراً من المغتربين لمضاعفة الضغط.

ويتوزع المغتربون اليمنيون على :(الرياض، جدة، مكة المكرمة، المدينة المنورة، الطائف، حائل، الدمام، عسير، نجران، جيزان، الأحساء، تبوك، الخبر، القنفذة) ويعملون في مختلف الأعمال والمهن والأنشطة، ويمثلون في أربعة عشر كياناً وتجمعاً عمالياً وأسرياً تحت مسمى هيئة الجالية اليمنية.

وتشير التقارير إلى أن العمالة اليمنية تزايدت في السعودية رغم السياسات والإجراءات التعسفية التي تقابلها العمالة، حتى اقتربت من نحو 3 ملايين مغترب يمني، يشكلون قوة اقتصادية ريعية للخزينة السعودية، لافتة إلى أنه رغم جدوى هذه القوة على التنمية الوطنية داخل الوطن الأم إلا أنها لا تشكل أكثر من 10% مقارنة بتأثيرهم التمويلي ومستوى الإنفاق بالنسبة للاقتصاد السعودي، حيث تمثل العائدات والرسوم المتعددة التي يفرضها النظام على المغتربين اليمنيين روافد ريعية تضخ سيولتها المباشرة إلى خزينة الدولة.

ويتحمل المغترب اليمني تكاليف مالية باهظة ترفد الخزينة السعودية بأموال مهولة، إذ يتم فرض رسوم إقامة بواقع 400 ريال سعودي شهرياً على المقيم، ومبلغ 100 ريال سعودي على مرافق أو فرد في الأسرة، لتقدر الإحصاءات المبالغ المحصلة بأكثر 8 مليارات ريال سعودي سنوياً، ناهيك عن الرسوم الأخرى التي تفرض على المغترب من تجديد إقامات وغرامات وغيرها، فضلاً عن كون الفيزا تحولت إلى تجارة رابحة تدر على الاقتصاد السعودي قرابة 3 مليارات ريال سعودي.

ومع ذلك ظلت الرياض تستخدم تلك العمالة ورقة ضغط وحرب اقتصادية على الحكومات اليمنية في العقود الثلاثة الأخيرة، لابتزاز النظام ومصادرة حقه السيادي والسياسي وقراراته التنموية والاقتصادية الاستراتيجية، واللافت أن التعسفات التي يتعرض لها المغتربون لا تظهر إلا في زمن الأزمات، فمع أزمة الربيع العربي بنسخته اليمنية لوحت الرياض بورقة العمالة ضغطاً على النظام، أو لفرض نفسها في مسار حلول الأزمات اليمنية، كما حدث في مؤتمر الحوار الوطني، حيث أعلنت في 2013 عن ترحيل عشرات الآلاف من العمال اليمنيين مع أسرهم، وكان لهذا القرار تداعيات اقتصادية، حيث شكل تدفق المرحّلين اليمنيين من المملكة ضغطاً على حكومة الوفاق الوطني، ولم تستطع القيام بمهامها في استيعابهم.

وبالعودة إلى قرار خفض العمالة اليمنية الصادر في يوليو الماضي يقول المراقبون إن القرارات الأخيرة التي قرنت بسنوات الحرب والحصار ضاعفت التداعيات على المستوى الاقتصادي، حيث عانت اليمن من انخفاض التحويلات جراء خروج العمال اليمنيين من السعودية، وجراء الحصار وتشديد الرقابة على من تبقى منهم في الأراضي السعودية، ما أثر على العملة الوطنية المنهارة من الأساس، وعلى الاقتصاد المتدهور منذ بدأت الحرب صبيحة مارس 2015م.

وفيما طال الفقر حتى اللحظة ما بين 71-78% من اليمنيين بعد الانهيار الاقتصادي إثر الحرب والحصار؛ يفاقم تسريح السعودية للعمالة اليمنية الأضرار على الفئات التي تعتمد على حوالات العمال اليمنيين من السعودية بشكل خاص، مع العلم أن 80% من العمال اليمنيين فقدوا أعمالهم، بحسب ما أورده اتحاد العمال اليمنيين.

وعلى تعاقب الأنظمة السياسية اليمنية السابقة، ظلت الجارة السعودية تستخدم العمالة كورقة ضغط سياسي وابتزاز سيادي، وحرب اقتصادية من الدرجة الأولى.. غير أن الأخطر في قضية العمالة عبر العقود الماضية، أن تلك الأنظمة- خصوصاً نظامي صالح وهادي- لم تفكر يوماً ما بما عليها من مسؤوليات وطنية واستقلالية في تحسين بيئة الأعمال في البلد، وإيجاد فرص عمل عبر فتح آفاق واسعة أمام تدفق الاستثمار، رغم أن النظام مر بمرحلة استقرار شهدت طفرة مالية كبيرة كانت كفيلة بعمل مشاريع استثمارية عملاقة في شتى المجالات.

ومع استمرار استغلال الرياض للعمالة كورقة حرب، يؤكد مراقبو الاقتصاد أن ترحيل 10 آلاف عامل، يعني استهداف 10 آلاف أسرة باعتبار أن كل عامل يعول أسرة مكونة من 3-6 أفراد، إن لم نقل أسراً، ليرتفع عدد المتضررين إلى ما بين 30-60 ألف نسمة، وهذا العدد يتطلب خدمات وغذاءً ودواءً وغازاً منزلياً ومسكناً، بالإضافة إلى 10 آلاف فرصة عمل، ما يمثل حرباً اقتصادية من الدرجة الأولى، على بلد يعيش مسلسلاً من الأزمات المتفاقمة، ولم يخرج بعد من حرب وحصار تقودهما السعودية للعام السابع على التوالي.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً