يمن ايكو
مقالات

مصائب قومٍ عند قومٍ.. ملاحم!

بقلم د. صبري صيدم

عمالقة المال والأعمال على موعد مع ملحمةٍ تجارية مقبلة لا محالة، زلزال كان لكورونا وظاهرة الحياة عن بُعد في كامل تفاصيلها، دورٌ فيه. لم يكن لهذا الزلزال أن يكون، لولا حاجة البشر في زمن الوباء للعمل عن بُعد، والتعلم عن بعد والتسوق عن بعد، وحتى التطبب عن بعد! فازدهر النشاط الإلكتروني وارتفع عدد مستخدمي الإنترنت، وتطور عمل المؤسسات والشركات الجاهزة، لتوفير الخدمات في ذلك الفضاء، الصحية والخدمية والتعليمية والتجارية منها.
ولعل أهم الرابحين دولياً، شركة أمازون العالمية، التي وفرت في بداية عملها بيع الكتب إلكترونياً، ثم توسعت نحو إسناد هذا النوع من الخدمة، من خلال بيع القارئات الرقمية من نوع «كِندل» لتنتقل بعدها لتوفير ما يحيط بعالم القراءة من احتياجات مكتبية على اختلافها، لتوسع بعدها مخازنها شيئاً فشيئاً لتصبح بامتياز وفي زمن كورونا تحديداً، الشركة الأولى على العالم في مجال التجارة الإلكترونية، ولتبيع الشركة وببساطة كل شيء، ولتدعم عملها أيضاً بأسعار تنافسية حصرية وخدمات بريدية سريعة وفعّالة.
هذا الانتقال الذي سبق ولادة الوباء اللعين، هيأ الشركة لتكون قادرة وجاهزة للازدهار في زمن كورونا. ومع هذا النمو تحولت شركة بدأت بخمسة موظفين وحفنة من الدولارات إلى عملاق العالم، ولتقترب قيمتها السوقية من جدار التريليوني دولار، بينما اقتربت ثروة مؤسسها جيف بيزوس الشخصية من حيز المليارين. ومع ذلك فإن زلزال المال المقبل وملحمته الخلاقة، ستكون مع تجزيء الشركة إلى شركتين، ليتنحى بيزوس عن موقعه التنفيذي المباشر، وينتقل إلى رئاسة مجلسها الإداري أسوة ببعض من سبقوه في عالم المال، وليفسح المجال أمام اثنين من موظفيه السابقين لتولي مسؤولية الشركتين الوليدتين. هذا التحول المتوقع، الذي انشغلت به بعض دوائر المال الأسبوع الماضي، إنما سيرفع قيمة 3 مليارات دولار. أما الشركتان، فستستمر الأولى في عملها المعتاد، بينما تستفيد الثانية من عالم الحوسبة السحبية في عدة نطاقات، ما زالت مكوناتها في إطار التكتّم والتوقعات. وعليه ستولد من جديد شركة بحجم دول، وربما أمم وقارات، فالتريليونات الثلاثة ستجعل قيمة أمازون أعلى من موازنات الدول المكونة للقارة الأفريقية مثلاً، وليس ثرواتها حتماً.
يجري هذا كله، حسب الكثيرين، بينما يبقى عالمنا العربي مطبلاً لزعماء يصفهم المنافقون بقادة بحجم وطن! بينما يستمر التخلف والتشرذم والتيه، بصورة غير مسبوقة. ورغم كون هذا الحال عاماً وطاماً في العالم بأسره، إلا أن سطوة كبريات الشركات على المال واستفادتها من عصر كورونا عزز من سواد التغوّل الذي يمارسه البعض، في حين تفاقم الفقر والتخلف في أماكن لا تحصى وعلى حساب أخرى.
قادة بحجم وطن في مقابل شركة بحجم قارة، معادلة صعبة عززت من سطوة التكنولوجيا على العالم، باعتبار أن 8 من أصل العشرة الأغنى في العالم، إنما يعملون في مجال التقانة والإعلام، كما أنها عززت من سطوة أمريكا، باعتبار أن 9 من أصل العشرة المذكورين هم من الأمريكيين. الأهم أنها عززت الفرز المالي والعالمي الكبير الذي سيحتاج لعقود طويلة ليصل إلى عدالة التقاسم الفعلي لثروات العالم! إلى ذلك الحين، لنرى كم من المصائب سيخلق عمالقة بحجم أمم؟

أترك تعليقاً