توازت تحركات إقليمية ودولية بخصوص المآلات الاقتصادية والإنسانية الخطيرة الناجمة عن استمرار الحرب التي تقودها في اليمن المملكة السعودية، في إطار تحالف دولي واسع، ووفق مسارين اقتصادي وعسكري على مدى سبع سنوات تقريباً.
وفي الأثناء، تتسع الاحتجاجات الشعبية الغاضبة والمطالبة برحيل دول التحالف والحكومة التي تدعمها، في عدن وبقية المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد، على خلفية استمرار الانهيار الاقتصادي والمعيشي وانعدام الخدمات، إلى جانب ممارسات وصفها المحتجون بأنها استعمارية واحتلالية.
الرباعية الإقليمية والدولية، المكونة من ” أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات” دعت، الخميس، من الرياض، الحكومة المدعومة من التحالف للعودة إلى عدن، وسرعة البدء بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتنفيذ بقية بنود “اتفاق الرياض”. وقالت إنها قلقة بشأن “انخفاض قيمة الريال اليمني وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وما في ذلك من تأثير شديد على الاقتصاد اليمني والوضع الإنساني الراهن”.
وحث مجلس التعاون الخليجي، في ختام دورته (149)، طرفي الحكومة، إلى استكمال تنفيذ بنود “اتفاق الرياض” وتهيئة الأجواء لعودة الحكومة إلى عدن”.
وقال مندوبو الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن الدولي: “الصين، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا وأمريكا” إن اليمن يحتاج إلى السلام، لكن وسائل الإعلام الدولية لم تنقل عن لقائهم المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن، ما يشير إلى ذكر الحصار الاقتصادي الذي يفرضه التحالف، ويتسبب منذ سنوات بأسوأ ظروف إنسانية عالمية، يعيشها الشعب اليمني.
بيان الرباعية الإقليمية والدولية، وهو الأبرز من بين مجمل التفاعلات التي تأتي على وقع الاحتجاجات الشعبية الغاضبة والمتصاعدة في المناطق التي يسيطر عليها التحالف، يعكس الرغبة بالانتقال بالأوضاع إلى سيناريو آخر من سيناريوهات الحرب الاقتصادية التي تقودها الرباعية في اليمن، منذ تأسيسها في يونيو 2016، بالتوازي مع الحرب العسكرية التي بدأها التحالف في 26 مارس 2015، وتشرف أمريكا بشكل مباشر على هذه الحرب، حسب ما قال محافظ البنك المركزي والقائم بأعمال “الاقتصادية العليا” بصنعاء، هاشم إسماعيل، في لقاء مع قناة “العالم” أواخر أغسطس الماضي.
وأنتجت الحرب الاقتصادية في اليمن، انهياراً مريعاً وغير مسبوق على مستويات قيمة العملة المحلية، أو القدرة الشرائية للمواطنين، وطبيعة النشاطات التجارية والاقتصادية، وظروف المعيشة اليومية لملايين اليمنيين، خصوصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف، بالنظر إلى الأوضاع المستقرة نسبياً في مناطق سيطرة السلطات في صنعاء. وقالت جهات دولية من بينها منظمة الأغذية العالمية، “إن مظاهر الاستقرار الطفيف في صنعاء، تعود إلى إجراءات ضبطية مشددة للسوق المصرفية والوضع التجاري والاقتصادي”.
ومن غير المؤكد، أن تمضي دول الرباعية في الوفاء بالتزاماتها بدعم انتعاش الاقتصاد اليمني، بحسب تعبير بيانها الأخير، فهي في كل الأحوال، تتحرك وفق ما هو مخطط له، ولديها ما تستثمره في الواقع، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية والشرقية، حيث تتركز الثروات والموارد النفطية والغازية، داخل مساحة مفتوحة على صراعات وتباينات داخلية هي العامل الأبرز لفرض المزيد من السيطرة والاستحواذ.
وبالنظر إلى التلويح بيافطة “اتفاق الرياض” الموقع عليه بين طرفي الحكومة المدعومة من التحالف في 5 نوفمبر 2019، يبدو أن الممكن هو استخدامه كعصا لمزيد من تأجيج الصراع والفوضى مع الإبقاء على حالة التدهور الاقتصادي.
و”اتفاق الرياض” هو في الواقع، صنيعة دول الرباعية، ولا تزال تستثمره في سياق مخططاتها الاقتصادية والسياسية في الجنوب والشرق اليمني، بعد أن فشلت، كما يبدو، مخططاتها التي كانت رسمتها في الطريق إلى صنعاء.
يجوز التساؤل هنا، عما إذا كانت دول الرباعية قد قدمت خلال السنوات الماضية ما يشير إلى الوفاء بالتزامات أعلنت عنها، عبر لجنة فنية استشارية، في سياق الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، في مناطق سيطرة التحالف على الأقل.
ومنذ 16 نوفمبر 2018 تأسست لجنة استشارية فنية بهدف اتخاذ تدابير إضافية لتحقيق استقرار العملة اليمنية، وتعزيز إدارة تدفقات العملات الأجنبية، ودعم جهود حكومة هادي لتحسين إدارتها الاقتصادية.
مع ذلك، لا شيء تحرك على الأرض، عدا الانهيار والتدهور وتحت نظر وسمع اللجنة الاستشارية المنبثقة عن الرباعية الأمريكية والبريطانية والسعودية والإماراتية الممسكة بالملف اليمني، وتحديداً الملف الاقتصادي.
وقتذاك، التزمت مجموعة الرباعية، كما التزمت في محطات لاحقة، بتدابير إنقاذية للوضع الاقتصادي المتدهور، بما في ذلك دفع أجور المدنيين من موظفي القطاع العام.. وتحسين القدرة الشرائية لجميع المواطنين.. فماذا كان أكثر من وصول قيمة الريال اليمني إلى أدنى المستويات أمام العملات الأجنبية، وتفشي الفقر والجوع وتردي الخدمات الأساسية!
ومؤخراً، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن “الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار بشكل كامل، حيث يعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويقترب خمسة ملايين شخص من المجاعة”. وأشار إلى تداول الريال اليمني الآن بأكثر من 1100 مقابل الدولار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المدعومة من التحالف.