يمن ايكو
تقارير

📃 رفض صنعاء قرار صندوق النقد الدولي يعيد للذاكرة حيل القرصنة الأمريكية على اقتصادات الشعوب

تقرير خاص-يمن ايكو

أثار رفض صنعاء قرار صندوق النقد الدولي فضول المراقبين وخبراء الاقتصاد، ليعيدوا مراجعة أسئلة المهام والأهداف الظاهرة والمضمرة لسياسات الصندوق المدمرة، التي انتهجها في كثير من دول العالم النامي، متطرقين إلى أسباب وخلفيات نشأته وصلته بترويض الدول الضعيفة والقوية للهيمنة الأمريكية، والسطو على موارد الأضعف.

وحذر مراقبون دوليون من استمرار سياسات صندوق النقد الدولي الاقتصادية المعلنة للعالم، بأعمال انتهازية تمس مقدرات الشعوب وسيادتها واستقلالها الاقتصادي، معتبرين تلك الممارسات مخالفة لمضامين الصندوق وأهدافه المرتبطة بالشفافية والمساءلة وسيادة القانون، ومتناقضة مع الوعود والتأكيدات الصادرة عنه على مسار الحيادية والعمل في كل ما من شأنه الحفاظ على حقوق الشعوب في الأزمات والصراعات والحروب وعدم انحيازه لطرف على آخر.

وبالعودة إلى بيان البنك المركزي اليمني– المركز الرئيسي صنعاء- وكذلك تصريحات وزارتي الخارجية والمالية في حكومة صنعاء، فإن أسباب رفض قرار موافقة الصندوق على تخصيص وحدات حقوق سحب بمبلغ (665) مليون دولار كقرض على اليمن، تمثلت، فيما اعتبرته إسهاماً في مضاعفة الأعباء على الخزينة العامة للبلاد من الالتزامات المالية والقانونية، خصوصاً وقرار الصندوق يقتضي منح فرع بنك مركزي عدن الخاضع لسيطرة التحالف صلاحية التصرف بمبلغ وحدات السحب، ما يعني تحميل الشعب اليمني تلك الالتزامات المستقبلية، واستخدام قيمة وحدات حقوق سحب، في مسارات لا تفضي إلى سداد ولو جزء بسيط من قيمة دين البلاد العام المستحق للبنوك العاملة في اليمن، ما يعني أن الهدف الضمني، من وجهة نظر اقتصادية، مراكمة الدين على حساب موارد الأجيال القادمة.

تلك الأسباب وغيرها دفعت بصنعاء إلى إخلاء مسئوليتها من أي أعباء ستترتب على القرار، مؤكدة أن الجمهورية اليمنية والشعب اليمني يحتفظون بحقهم القانوني في مساءلة ومقاضاة أي جهة أو طرف يعمل أو يسهل أو يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في استغلال وإهدار حقوق ومقدرات الشعب اليمني والاستيلاء عليها.

كما أن تلك الاعتبارات أعادت إلى الذاكرة الاقتصادية القصص الواقعية لقراصنة الاقتصاد الأمريكيين الذي يعرفون بأنهم مجموعة من المحترفين تتلخص مهمتهم في إخضاع كافة الدول الضعيفة والنامية التي تزخر بالبترول، والموارد الطبيعية لهيمنة الولايات المتحدة اقتصادياً، عبر إغراق البلدان الضعيفة أو حتى القوية التي تنخدع بالسير في النهج الاقتصادي الأمريكي بالقروض عبر المؤسسات المالية الدولية، التي تبدو في ظاهرها عالمية وهي في الأساس أمريكية، ثم بعد مراكمة الديون وفوائدها الفلكية يجري السعي الحثيث لإشعال الفتن في تلك البلدان كي تتعثر في سداد الديون.

وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي، جون بيركنز، في كتابه “الاغتيال الاقتصادي للأمم”، فاضحاً باعترافاته كقرصان اقتصادي السياسات الاقتصادية الأمريكية للتحكم في الأضعف: يتم ذلك –يعني التحكم- بدون الحاجة إلى حشد الجيوش والأسلحة والهجوم على البلدان بعنف وقتل ودم، كما كان يحدث في أزمنة الاستعمار السابقة؛ فكما تطور العصر تكنولوجياً بشكل يُمثل الطفرة، فقد تطور أيضاً سياسياً، وأصبح التدخل يتم وكأن الولايات المتحدة ومؤسساتها تُقدم يد العون إلى تلك البلدان “المسكينة” التي تحتاج إلى من ينقذها ولا تهدف الولايات المتحدة من هذا إلى أي مطمع، أو مسعى أبعد من ذلك.

ويضيف بيركنز –الذي صدمت اعترافاته العالم: “من أهم الوسائل التي تساعد قراصنة الاقتصاد لإتمام مهامهم- بجانب التقارير المزيفة والرشاوى وكل تلك الأشياء- هي مؤسسات الأمم المتحدة المتمثلة في صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية التي أنشأها الرئيس الأمريكي نيكسون تحت عنوان “نظام بريتون وودز” الذي ألغى الذهب وجعل الدولار هو العملة الأساسية العالمية”.. مؤكداً أن هذا النظام الذي فرضته أمريكا فرضاً على كافة دول العالم بلا استثناء، القوية والضعيفة، تارة بذريعة تقديم القروض والمساعدات لدول العالم الثالث، والقضاء على الفقر والمجاعات، وتارة أخرى بصلف وغرور يرتكز على النظرية الأمريكية القائلة: “عندما تخسر عليك أن تغير من قواعد اللعبة”، والحق أنه لم يستطع أحد ولا بلد إيقاف تلك المنظمات عن المهام التي وضعتها لنفسها.

وحول مآلات ونتائج تلك السياسات قال بيركنز: “أصبحت النتيجة في النهاية هي أن تلك المؤسسات استمرت في طريقها، لكن الغريب أن كل الدول التي زعمت تلك المؤسسات أنها كانت تساعدها وتُقدم لها يد العون يتدهور حالها؛ فالدول الفقيرة تزداد فقراً، وشعوبها الجائعة تزداد جوعاً، ولا تمثل تلك المؤسسات إلا وسيلة تساعد هؤلاء القراصنة في القيام بمهامهم”.

وقال بيركنز في كتابه الذي ترجم لعدد من لغات العالم والذي يطلق عليه البعض اعترافات قاتل اقتصادي: مهمة هؤلاء القراصنة هي جعل تلك الدول النامية والفقيرة تدين بكل شيء للولايات المتحدة، وكلما زادت موارد تلك الدول- خاصة البترول- كلما كان من المهم أن يزداد الدين الذي عليها؛ هُنا يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من هذه الحالة بأكثر من طريقة متاحة في الوقت نفسه”.. مؤكداً أن الطريقة الأولى تتمثل في تقديم قروض لتلك الدول للقيام بمشروعات للبنية الأساسية، والتعليم والتنمية.. إلخ، لكنها ستُجبرها على الاستعانة بشركاتها ليس فقط هذا؛ لكن هناك بالطبع الفوائد ذات الأرقام الفلكية التي سيصبح على الدولة المسكينة أن تسددها، هكذا يتعاظم الدين ويتضاعف من تلقاء ذاته وتضعف أمامه القدرة على السداد بمرور الزمن.

أما الطريقة الثانية فيؤكد بيركنز أنها تتمثل في إجبار تلك الدولة على الخضوع كلياً إما بالتنازل عن موارد محددة، أو قرارات، أو قطعة أرض ترى الولايات المتحدة أنه يمكنها استخدامها بما يفيد اقتصادها ويعود عليها بالربح، وهكذا وبكل بساطة يتم احتلال تلك البلدان سلطوياً، مادياً وبكل شكل ممكن بدون جيوش ومعارك دموية.

المراقبون الدوليون أكدوا في أكثر من مقام للحديث عن الملف اليمني، أن ما يجري في اليمن من حرب وحصار من قبل التحالف، هو في سياق السعي الأمريكي للسيطرة على الموارد النفطية مستدلين بما يجري من صراع بين أدوات التحالف في مناطق سيطرته، على مواقع النفط والغاز في مارب وحضرموت وشبوة والمهرة، وغيرها من المناطق الخاضعة للتحالف. لافتين إلى أن التدخل الأمريكي الحقيقي لم يبدأ بعد، رغم إعلان واشنطن دعمها اللوجستي لحرب التحالف في اليمن.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً