تقرير خاص-يمن ايكو
فيما ظل الاقتصاد هو الورقة الأكثر استخداماً بين أوراق الحرب في اليمن، كان الحصار ولم يزل هو مبعث المآلات الكارثية والمأساوية والصحية والمعيشية في الحالة الاقتصادية اليمنية، والوسيلة الأكثر إيلاماً لقرابة 30 مليون يمني، كما لم تكن نتائج الحصار خافية، حتى يغيبها نكران التحالف والمسؤولين الأمميين في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة، في مغالطة فضحتها التناقضات في الإنكار الظاهري والإثبات الضمني لوجود الحصار، في سياق العمليات العسكرية التي ينفذها التحالف بقيادة السعودية والإمارات، ومن ورائهما أمريكا وبريطانيا في اليمن.
حقائق الحصار المفروض على اليمن تؤكد بلا شك واقعاً مأساوياً لا مغالاة فيه، فإغلاق الموانئ (الحديدة- رأس عيسى – الصليف) والذي بدأ سريانه صبيحة 26 مارس 2015م، أوقف جبراً صادرات اليمن النفطية من ميناء رأس عيسى، وشل صادرات القطاع الصناعي اليمني- كلياً حتى اللحظة- والمقدرة سنوياً بقرابة 200 ألف طن، وقطع تدفق الواردات الغذائية والسلعية، وفقاً للتقارير المحلية والدولية.
وأضافت التقارير أن تدمير منفذ حرض/ الطوال وإغلاقه نهائياً في 23 مايو 2015م، وما ترتب عليه من تعطيل حركة السفر والتجارة بين اليمن ودول الخليج وبالذات السعودية، وحرمان الخزينة مبالغ تقدر بقرابة 30 مليار ريال، من خلال: توقف 80% من الصادرات الزراعية، والسمكية، وشلل تام لبيئة العمل في حرض وغيرها من المدن والمراكز والأسواق الحدودية، والتي كانت توفر الآلاف من فرص العمل.
وتؤكد التقارير الصحية والحقوقية أن من أهم مظاهر الحصار العلني أمام العالم هو إغلاق مطار صنعاء الدولي، أهم منافذ اليمن الجوية، حيث يخدم 80% من سكان اليمن، ما أدى لوفاة قرابة 95 ألف مريض، كان يمكن تفادي الوفاة بالعلاج في الخارج، وحرمان خزينة الدولة من إيرادات سنوية تقدر 5 مليارات دولار.. كما ضاعفت كلفة السفر على 80% من سكان اليمن عبر إحالتهم إلى مطاري عدن وسيئون.
وفي إشارته الخاطفة إلى تمسك صنعاء بشروط فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وإنهاء حالة الحرب القائمة ورفع الحصار للدخول في عملية سلام؛ يؤكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشئون الشرق الأوسط ومنطقة المحيط الأطلسي خالد خياري، ضمنياً قيام الحصار الاقتصادي.. وهو ما اعتبره مراقبون فصلاً جديداً من فصول المتاجرة بمعاناة اليمنيين، موضحين أن الوضع الإنساني برمته وتراكماته نتاج لحصار سبع سنوات من حرب البند السابع في اليمن، بدون أي مصوغ قانوني في نص القرار 2216 حسب الحقوقيين والمختصين في القانون الدولي.
وأكد المراقبون أن توصيف خياري لهذه الاشتراطات المشروعة بالعراقيل، جريمة جديدة من جرائم تضليل الرأي العام العالمي، بواقع مغلوط يغطي على عجز مجلس الأمن والأمم المتحدة في مسار تحييد الاقتصاد اليمني والحياة المدنية عن ويلات الحرب، وتداعيات الحصار، موضحين أنهما تناسيا تماماً أن الحصار من بدئه إلى نتائجه الكارثية كان خارج قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي أدخل اليمن في البند السابع، إذ لم ينص على حظر الموانئ والمطارات والمنافذ ذات الأنشطة المدنية بالمطلق.
واستغرب المراقبون من التناقضات التي وردت في إحاطة خياري، أمام مجلس الأمن الذي بدا مستمعاً لا أكثر، ففيما قيّم خياري الحالة الاقتصادية اليمنية بالصعبة والمحسوسة في أنحاء البلاد، أغفل إيراد كلمة الحصار كسبب لهذه الحالة، وفي إشارته إلى أن قيمة العملة وصلت إلى ألف ريال مقابل الدولار، والفارق في سعر الصرف بين صنعاء وعدن وصل 400 ريال، تجاهل مسلسل فساد المضاربة وهدر الودائع والمنح من العملة الصعبة عبر مركزي عدن، والتي كشفتها تقارير دولية وأممية مصدقة لدى الأمم المتحدة. كما لم يشر في حديثه إلى أزمة الوقود الحادة والنقص الكبير في مادة الغاز المنزلي في مناطق حكومة صنعاء المحاصرة أصلاً، متناسياً في الوقت نفسه ما تشهده مناطق سيطرة التحالف من سخط شعبي عام ينذر بثورة جياع، جراء أزمة المحروقات وخدمات المياه والكهرباء وتردي الأوضاع وتوقف المرتبات.
وقال اقتصاديون: إن القطاع الخاص اليمني ممثلاً بالاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية وغرفه المنتشرة في عموم محافظات الجمهورية، سواء التابعة لحكومة صنعاء أو التابعة لحكومة هادي، وكافة منظمات المجتمع المدني وشرائح الشعب، رفضوا قرار حكومة هادي القاضي برفع قيمة الدولار الجمركي بنسبة 100% رفضاً مطلقاً، وأن تجيير المسؤول الأممي لهذا الرفض على صنعاء دليل واضح لا لبس فيه على تعمد الأمم المتحدة ومباركتها لمسار تصعيد الحصار على الواردات لمضاعفة معاناة اليمنيين.
وأوضح الاقتصاديون أن أكبر أسباب أزمات الوقود ونقص الغاز المنزلي والإمدادات بالسلع الغذائية والاستهلاكية، يتمثل في قرار آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) الصادرة في أغسطس 2015 وهو القرار الذي عقّد مسار سفن المشتقات والغذاء والدواء، وتسبب في ارتفاع مدة تأخر السفن في الرسو لمناولة البضائع من 24 ساعة قبل الآلية إلى 24 يوماً بعدها، باعتراف البنك الدولي، واعتراف الأمم المتحدة نفسها بفشل هذه الآلية، فإعطاء التصاريح الأممية لعشرات السفن النفطية والمشتقات لم يمنحها فرصة الوصول إلى غاطس ميناء الحديدة في وقتها المطلوب، بل احتجزها التحالف ضارباً بتلك التصاريح عرض البحر، ومضاعفاً الغرامات على السفن المتأخرة، حيث بلغت أطول مدة احتجاز قرابة عام إلى غرامات بمليارات الدولارات خلال سنوات الحصار.