تقرير خاص-يمن ايكو
يكافح غالبية اليمنيين بصعوبة من أجل الحصول على ما يبقيهم على قيد الحياة، وهناك مئات الآلاف من الأسر باتت تفتقر إلى الطعام بشكلٍ كافٍ، ناهيك عن احتياجات أخرى، إلا أن الحصار على الإمدادات والأعمال والمرتبات يظل قائماً وعلى أشده، كجزء من حرب اقتصادية يتواصل فرضها على البلاد، منذ قرابة سبعة أعوام، من طرف تحالف واسع تقوده السعودية والإمارات.
وعلى ثبوت المأساوية المترتبة على استهداف الاقتصاد والمعيشة، لم يثبت أيٌّ من الأطراف الوسيطة، الأممية أو الدولية، إلى الآن، جدية في إلزام التحالف بالتقيد لأحكام القانون الإنساني، الذي يجرم اللجوء إلى ورقة الاقتصاد كوسيلة حرب، باعتبار ذلك يمس بحقوق الملايين من السكان، بما فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، حسب مراقبين.
حتى مبادرات السلام المطروحة بين فترة وأخرى، سواء من قبل التحالف أو الوسطاء الإقليميين والدوليين، ظلت- كما يقول المراقبون- تحمل بذور عدم موضوعيتها، بالنظر إلى إصرارها على تكريس حالة التوظيف السياسي لمعاناة الملايين من المواطنين اليمنيين، ورهن المصائر الكارثية الناجمة عن الحرب، إنسانياً واقتصادياً، بقضايا وأجندات سياسية وعسكرية.
بصيغة أكثر وضوحاً، يحجم الوسطاء عن الإجابة صراحة، عن مدى شرعية أو عدم شرعية الحصار الاقتصادي المفروض من طرف التحالف على مستوى القانون الدولي الإنساني، غير أن ما يظهر في حالات كثيرة، هو تورطهم في تبرير ممارسات وإجراءات الحصار، بالرغم من أحاديثهم التي يجرمون فيها أفعالاً كهذه، ولكن بصيغ انتقائية أو عمومية.
في عام 2016، أعلن النائب الأول للأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون: “إن حماية المدنيين في ظروف النزاعات الحربية لا تتطلب إصدار قرارات دولية جديدة، فثمة ما يكفي من الاتفاقات الدولية اللازمة لكنها غير مطبقة”، وقال “إن الحصار الذي يمنع الناس من الوصول إلى ما يلبي حاجياتهم الحيوية، يعتبر من أفدح خروقات القانون الدولي وإساءة للقيم الإنسانية”.
ترى صنعاء، وهي الطرف الذي ليس كما يبرر التحالف، بأنها المستهدف الوحيد من حربه الاقتصادية، أن الإصرار على استمرار الحصار هو ما يثبت عدم الجدية في الذهاب نحو السلام العادل والمشرف.
وتأخذ على الوسطاء الأمميين والدوليين، في مساعي ومبادرات السلام المطروحة بين وفترة وأخرى طوال السنوات الماضية من الحرب، تجاهلهم للحقوق الإنسانية والاقتصادية المكفولة في القوانين الدولية للشعب اليمني، والإصرار على التعاطي سياسياً مع الحصار المفروض على واردات الغذاء والدواء والوقود، ومئات الأصناف من الاحتياجات الضرورية.
ويتحدد موقف صنعاء، مقابل التحالف وحكومة هادي، في أن الحل الإنساني هو مفتاح الوصول إلى السلام، باعتباره أولوية ملحة للشعب اليمني واستخدامه وسيلة في الصراع هي جريمة إنسانية ودولية وبشرية وقانونية”.
يشرح ذلك، رئيس الوفد التفاوضي، محمد عبد السلام، بقوله: “حين تقع الحروب في أي بلد في العالم يزداد للعمل الإنساني فيه أكثر، وتُفتح منافذ إنسانية إضافية لإخلاء المرضى والنازحين والجرحى، وتُفتح منافذ وجسور جوية إضافية للإمداد الغذائي والطبي، لكن في اليمن ما يحصل فيه هو العكس يحاصر براً وبحراً وجواً”.
ويجزم عبد السلام، أن ربط الملف الاقتصادي والإنساني بالملف العسكري والسياسي مخاطرة بحق الشعب اليمني بأمنه الغذائي والطبي”، لكنه يؤكد القبول “ببعض الإجراءات في الملف الإنساني كتفتيش السفن لخلوها من الادعاءات المتكررة بحمل السلاح، وتحديد وجهات أولية أغلبها لدول التحالف، إضافة إلى مصر والأردن وماليزيا والهند”.
ومعلوم أن القانون الدولي الإنساني الذي يشدد على “حظر استعمال المجاعة كوسيلة حربية ضد الأشخاص المدنيين، وحظر مهاجمة الأعيان التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين، أو تدميرها، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها لهذا الغرض”، ينظر إلى الحصار “كجريمة إبادة جماعية، تفوق في خطورتها جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية والأسلحة الحارقة، لما تتركه من آثار واسعة على سكان مناطق بأسرها، بقصد إلحاق أضرار مادية ومعنوية بهم، وإخضاعهم عمداً لأحوال معيشية يُقصد بها إهلاكهم الفعلي كلياً أو جزئياً”.
ويؤكد القانون نفسه ضرورة الالتزام بقبول أعمال الإغاثة ذات الطابع الإنساني وغير المتحيز المخصصة للسكان المدنيين، وفقاً للشروط المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، عندما توشك المواد الأساسية أن تنفد. ويحث القانون أطراف النزاع على الحفاظ على شروط تسمح للسكان المدنيين بتأمين معاشهم، لاسيما بالامتناع عن اتخاذ أي تدبير يستهدف حرمانهم من موارد تموينهم أو الوصول إلى زراعتهم أو أراضيهم الصالحة للزراعة، أو حرمانهم بصفة عامة من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.
و”يؤدي الحصار سواء كان أو اقتصادياً أو عسكرياً، جزئياً أو كلياً، مؤقتاً أو دائماً، إلى عدد كبير من الانتهاكات الخطيرة لحقوق السكان المدنيين والمناطق المحاصرة، مثل منع دخول الغذاء والدواء والبضائع، وانقطاع للخدمات كالكهرباء والماء والاتصالات”.
وفي اليمن، “سُجّلت حالات وفيات عديدة بسبب نقص التغذية. كما أدّى نقص الدواء، وعدم قدرة الكثير من المرضى على الحصول على أدويتهم، أو الخدمات الطبية التي يحتاجونها، إلى وفاة العديد منهم، وخاصة المصابين بفشل الكلى والسرطان، والأطفال الرضّع ومن هم دون سن الخامسة، ممن لم يتمكّنوا من الحصول على حليب الأطفال والأدوية اللازمة”.
إلى جانب ذلك، “مُنع التداول المالي للبنوك التجارية لتغطية احتياج السوق المحلية من العملة الصعبة وتسهيل التحويلات المالية من الخارج إلى الداخل وبالعكس. وذلك بهدف جعل إمكانية الحياة في المناطق المحاصرة تقل مع مرور الوقت، وتؤدي إلى نزوح أو هجرة عدد كبير من سكانها إلى مناطق أخرى”.