تقرير خاص-يمن ايكو
عند مستويات الانهيار غير المسبوق في تاريخ العملة المحلية، سجل سعر صرف الدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني تبايناً متواصلاً بين مناطق سيطرة التحالف وحكومة هادي، فضلاً عن الفارق الشاسع بين سعر صرف الدولار في مناطق عدن، ومناطق حكومة صنعاء.
ففي عدن سجل سعر الدولار خلال الأربع السنوات الماضية صعوداً مستمراً، متأرجحاً بين حدود متسعة الفجوة حيث 700-1007 ريالات يمنية للدولار الأمريكي، وتأرجحت قيمة الريال السعودي بين أدنى حد 170 ريالاً وأعلى ذروة له بلغت 265 ريالاً يمنياً، وهذه الفوارق الشاسعة لحدود لسعر صرف الدولار والريال السعودي لم تكن موحدة في كل من عدن وحضرموت ومارب وأبين ولحج وغيرها من مناطق حكومة هادي المدعومة من التحالف، بل متباينة وبفوارق تختلف من يوم لآخر.
ومن الملاحظ على الدوام عدم انتظام أسعار الصرف حتى على مستوى يوم واحد، ما يشير إلى وصول أزمة العملة الوطنية في مناطق سيطرة التحالف إلى ذروة تاريخية، فغدت أزمة مركبة بالغة التعقيد، المتمثل في تعدد مظاهرها المفتوحة على الفوضى السعرية، والتدهور المقرون بإغراق السوق بكتلة نقدية بالمليارات، ضاعفت الأزمة إلى وضع يصعب على المختصين قراءته.
مصادر مصرفية حذرت من أن استمرار تباين ممارسات شركات الصرافة في عملياتها اليومية، سواء في عدن أو حضرموت أو أبين، ومارب، وغيرها قد يزيد من انهيار الريال أكثر تحت وطأة اتساع السوق السوداء.. مؤكدة أن شركات الصرافة غير موحدة في السياسات الصادرة عن جمعية الصرافين ومركزي عدن، فمعظمها يرفض أي تعليمات، مستغلاً فرصة الغياب الرقابي في المضاربة مع تجار من العيار الثقيل.
وبيّنت المصادر أن اختلال العلاقة القائمة بين مركزي عدن ومركزي مارب، وخلافهما المتكرر على إيرادات النفط وإيرادات منفذ الوديعة خلال الفترة الماضية خلقت فوضى مصرفية تظهر في اختلاف أسعار الصرف، وتنتهي بالمضاربة التي استنزفت احتياطيات مركزي عدن من العملات الصعبة، بما فيها الودائع السعودية الدولارية وفق تقارير دولية وأممية.
وفيما يرجع خبراء الاقتصاد تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب من العملات، وزيادة الطلب على السلع المستوردة، وضعف الإنتاج المحلي، وذهاب الإيرادات إلى حسابات خارجية، والمضاربة بكتل العملة، أكد مراقبون أن الشلل الإداري والإشرافي في التحكم في السوق بسبب ضعف مركزي عدن، وراء هذه الفوضى التي لا تخدم إلا التحالف وتساعد في تمدد سيطرته على موارد البلاد.
وأوضح المراقبون أن تباين أسعار الصرف في مناطق حكومة هادي المدعومة من التحالف، لا يعكس الاختلالات السعرية في جوهرها كنتيجة حتمية لفوضى التعاملات، تحت ضغط استحكام الصراع على الإيرادات والوظائف الإدارية الموصلة بالمؤسسات الإيرادية، وبين أكثر من طرف مؤيد للتحالف، بقدر ما يعكس غياب مؤسسة الدولة المالية بمفهومها الرقابي والضبطي.
معضلة الغياب التام للحكومة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، لا يرجع -في نظر المحللين- لكون اجتماعاتها وقراراتها وتوجيهاتها ووعودها بشأن الحد من تهاوي قيمة الريال والتركيز على المعالجات العاجلة للمشكلات الاقتصادية والخدمية، تأتي من فنادق الرياض، فحسب، بل لكون تلك القرارات والتوجيهات والوعود كانت وما تزال مشفوعة بترجمة عكسية على الأرض، ففي كل مرة تعد الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية واتخاذ إجراءات تصفها بالصارمة، يتبعها في الواقع انهيار كارثي جديد، خصوصاً منذ عودتها إلى عدن في نهاية ديسمبر 2020م.
ويرى المحللون والمتابعون أن الأسوأ في وعود الحكومة وإجراءاتها وسياساتها الخاطئة، كان في إعلانها الأخير في يونيو عن وصول شحنات محملة بـ60 مليار ريال من الأوراق النقدية، فئة 1000 ريال، طبعت بأثر رجعي وغير قانوني بعد خمسة أعوام من صدورها، إذ سقط الريال بصورة مباشرة أمام الدولار الذي قفز سعره إلى 1007 ريالات.
في مقابل ذلك التداعي الحر لقيمة الريال ومقومات الاقتصاد في مناطق حكومة هادي التي يدعمها التحالف، استقر سعر الدولار كعادته في مناطق حكومة صنعاء خلال تعاملاته اليومية على مدى أربع سنوات 570-610 ريال للدولار، وظل الريال السعودي متأرجحا عند مستويات 150-160ريالاً يمنياً للريال السعودي، والأهم في هذا الاستقرار أن الأسعار ظلت موحدة في كافة مناطق حكومة صنعاء دون فارق يذكر بين محافظة وأخرى أو محافظة والعاصمة صنعاء..
مراقبو السياسة المالية والنقدية أرجعوا هذا الاستقرار إلى اعتماد البنك المركزي صنعاء على سياسة الموازنة في العرض والطلب للعملات الأجنبية في السوق، متخذا إجراءات صارمة ضد أي شركة مصرفية أو تاجر يحاول المضاربة بالعملة، ومؤكدين أن قرار البنك بحظر الأوراق النقدية غير القانونية التي طبعت بعد نقل وظائف البنك الى عدن في نوفمبر 2016م، رغم ما كان يوجه اليه من انتقادات إلا أنه أثبت فاعليته الإيجابية في حماية السوق من الإغراق بالأوراق النقدية غير القانونية، والمختلفة في شكلها عن العملة القانونية.
وكان البنك المركزي اليمني في صنعاء حذر في الـ22 من يونيو الماضي من تبعات إغراق السوق المحلة بكتلة هائلة من فئة الـ1000 الريال المزيفة، على قيمة الريال، وعلى منظومة التعاملات السعرية والحركة التجارية، خصوصاً الواردات من المواد الأساسية، موجهاً بحظر تداول ورقة الألف التي وصفها بالمزيفة إلى مناطق حكومة صنعاء، حيث حظي القرار بالمستوى نفسه من التفاعل والتنفيذ في كل مناطق حكومة صنعاء.