تقرير خاص_يمن ايكو
قبل ثلاثين عاماً، أنجز اليمنيون دستوراً، لا يزال سارياً إلى اليوم، ويُعرف بدستور دولة الوحدة.
إلى حدٍ ما، ربما حفزت انتفاضة 2011 التي مهدت للإطاحة بالنظام السابق، على الاقتراب من طرح الأسئلة العميقة حول نصوص الدستور والقوانين النافذة، والتفكير بشكل جدي نحو تحول دستوري جديد.
وكان مفترضاً الانتهاء من مهمة اعتماد دستور جديد للبلاد، لو لم تحشد السعودية تحالفاً عربياً ودولياً، لتشن حرباً ضروساً في اليمن، لا بوادر لتوقفها إلى اللحظة منذ أكثر من ستة أعوام.
وتجلت الدوافع الاقتصادية في أنماط الفعل والخطاب الثوري، وكأنها لم تكن فقط تحاكم الممارسات والسياسات التي أنتجت الفقر والبؤس المعيشي، وإنما المرجعيات أو الأدبيات الدستورية والقانونية التي تحتمل نكوصاً في بنيتها، أو أنها لا تحدد توجهات اقتصادية واجتماعية صريحة، ولا تؤسس لسياسات اقتصادية واجتماعية تلبي طموحات الرفاه المعيشي والاقتصادي للمواطن اليمني.
لكن مشرعين ومختصين، لا يرون المشكلة في النص الدستوري والقانوني، وفي الوقت نفسه يقرّون في أحاديثهم لـ “يمن إيكو” بضرورة تعديلات قوانين ذات صلة بالنشاطات الاقتصادية المختلفة، ويتفقون أن المشكلة تتحدد في تعطيل العمل بموجب النص.
فمن وجهة نظر علي عبد الله أبو حليقة، وزير الدولة لشئون مجلسي النواب والشورى، تبدو “الأسس الاقتصادية مكتملة إلى حدٍ كبير في الدستور النافذ، إلا أنها تفتقر للتجسيد في الواقع العملي”. كما لا لبس ولا غموض في طبيعة هذه الأسس، عدا أن المشكلة تكمن في الممارسات والسياسات الاقتصادية الخاطئة والمستمرة منذ عقود من الزمن، واستمرار بعض الثغرات القانونية في منظومة الاقتصاد والمال، حسبما قال الأكاديمي في جامعة صنعاء الدكتور مشعل الريفي.
وبخلاف ذلك، يعتقد الدكتور يحيى علي السقاف، رئيس المركز الاستراتيجي اليمني للدراسات والأبحاث، وكيل وزارة المالية بصنعاء، أن الأسس الاقتصادية المشمولة في الدستور النافذ، والمتمثلة بـ 17 مادة، لم تحدد بالقدر الكافي الضوابط لتوجهات الاقتصاد اليمني، ولم تحفز للوصول إلى اقتصاد قوي.
وقال: “إذا اعتبرنا الدستور إطاراً لتنظيم العلاقات التبادلية، فهو أيضاً وثيقة تدل على أن المجتمع قادر على إنتاج الثروة، لذا تبدو حاجة مجتمعنا إلى دستور يتأسس على تنظيم الدولة وفق مبدأ الفاعلية الاقتصادية، بناء على الكفاءة في تحقيق سهولة التبادل للمنافع والخدمات، ويتبنى مفاهيم غير استعمارية في جميع المجالات المالية والاقتصادية والقانونية والسياسية والاجتماعية”.
وتُعدُّ الأسس الاقتصادية في الدستور النافذ، جذر المشكلة، وفق دراسة سابقة حول منظومة التشريعات الاقتصادية في اليمن، للأكاديمي والباحث طه الفسيل. فالنص الدستوري الاقتصادي، لم يشر مطلقاً لأي أهداف اقتصادية تنموية واجتماعية للدولة أو النظام الاقتصادي. “لقد نادى بالحرية الكاملة لكافة الأنشطة الاقتصادية، بدون توجيهها نحو تحقيق أهداف اقتصادية تنموية وطنية محددة، وبدون إيضاح طبيعة الدور الاقتصادي التنموي والاجتماعي، والرقابي الإشرافي للدولة، وبدون تحميل القطاع الخاص مسئوليات ومهام محددة”.
ونتيجة لذلك، يقول خبراء، “برزت مظاهر الغلبة للمصالح الشخصية للأفراد وسيادتها كدافع أساسي لكافة الأنشطة الاقتصادية والتنموية، لا في القطاع الخاص فحسب وإنما أيضاً في كافة أنشطة الدولة وقطاعاتها. لذلك لم يحظَ دافع تحقيق مصلحة المجتمع اليمني بأي أهمية إلا في إطار المصالح الشخصية”.
يرفض أبو حليقة، وهو رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، تحميل النص الدستوري النافذ مسؤولية الاختلالات في الواقع، ويشدد على أن “منظومة التشريعات والقوانين تُعدّ من أفضل التشريعات وبشهادة خبراء دوليين”. “لكن علينا أن نعترف، كانت القوانين الاقتصادية مخذولة أمنياً وقضائياً، ولم تشهد تعديلات ملائمة”.
من شأن تعثر إعادة النظر والمراجعة في طبيعة منظومة التشريعات في المراحل الماضية، أن يوحي في جانب منه بفشل تطوير نظام اقتصادي خاص باليمن، يتناغم وينسجم مع تحولات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وينجح في تحديد الأهداف الاقتصادية التنموية والاجتماعية المنشودة. ذلك أن “النصوص النافذة لا تحدد بوضوح طبيعة أدوار كلٍ من الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في تحريك وتخصيص الموارد الاقتصادية، والتنسيق بين أنشطتها ومشاريعها. كما أنها “لا ترتب الأولويات الاقتصادية والتنموية، أو تقود إلى الاستخدام الكفء والشامل للموارد الاقتصادية والمالية المتاحة، والمساهمة نسبياً في التوزيع العادل للدخل القومي وثمار النمو الاقتصادي”.
ويظل يؤخذ على منظومة التشريعات المتعلقة بالقطاع الاقتصادي، جمود وعدم ملاءمة العديد من القوانين المنظمة للتغيرات والاحتياجات الاقتصادية، واستمرار غياب تطبيق السياسات الاقتصادية المحفزة على النمو. فضلاً عن الارتجالية التي تكتنف التشريعات المالية. حسب الدكتور مشعل الريفي. فهو مع مراجعات لمجموعة من القوانين والسياسات والممارسات المرتبطة بالاقتصاد ومع تطوير النظام التعليمي بوجه خاص وإزالة اختلالاته الخطيرة والجدية التي قال إنها تصيب فرص النمو المستقبلي في مقتل.
يقدّر الدكتور يحيى السقاف، أن مجموعة الاختلالات التي رافقت الأداء الاقتصادي خلال العقود الماضية، تستوجب الوصول إلى “صيغ دستورية أو تعديلات قانونية مواكبة للتطورات الاقتصادية في العالم، ومحفزة على توسيع مجالات الأنشطة الاقتصادية واستقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، ورفع منسوب الإنتاج والتصنيع المحلي إلى درجات قصوى”.
ويقترح، في هذا الصدد، “تبني مشاريع تعديلات تلغي الاحتكار وتشجع على إنشاء المؤسسات الخاصة بدون تقييد لحريتها في ممارسة الصناعة والتجارة مع استمرار حق الدولة في الإشراف والرقابة”.
ويضيف السقاف: “بالضرورة مراجعة نصوص دستورية وقانونية تتعلق بالاستثمار والعديد من النشاطات الاقتصادية وتحديثها أولاً بأول، وفق المجريات الجديدة الحاصلة في الاقتصاد، واحتفاظ الدولة ببعض القطاعات الحيوية فقط التي تعمل عليها بعض الدول الرأسمالية”.
وهناك، مثلاً، تبعاً للسقاف، ما يستدعي إجراء تعديلات في القوانين المتصلة بالأسعار، بما يقود إلى تحديد أسعار حرة للسلع والخدمات تعتمد على قواعد المنافسة وفق مبدأ العرض والطلب. وتبني قوانين تختص بالنقد والقرض وتكريس مبدأ المنافسة في قطاع البنوك، كما تنص على حرية التجارة والصناعة في إطار القانون، وإزالة جميع العوائق والصعوبات التي تحول دون قيام المؤسسات الخاصة بالمشاركة في عملية التنمية وأن لا يكون ذلك حكراً على المؤسسات العامة.