يمن ايكو
تقارير

كيف يهدد تراكم الديون مستقبل الاقتصاد الأمريكي وتأثيرها على الدول الفقيرة؟!

تقرير خاص – يمن إيكو

حسب إحصائيات وزارة الخزانة الأمريكية؛ شهد الدين العام المستحق على الولايات المتحدة الأمريكية قفزات غير طبيعية خلال العقود العشرة الأخيرة، فمن 408 مليارات دولار في 1922م قفز حجم الدين العام إلى 31.4 تريليون دولار بنهاية 2022م، بعد أن رفع الحزبان (الجمهوري والديمقراطي) سقف الدين في ديسمبر 2021م بزيادة مقدراها 2.5 تريليون دولار.

ومع هذا الرفع، لم تقف الحكومة الأمريكية عند هذا الحد، بل تجاوزته بزيادة بمقدار 300 مليار دولار حتى منتصف مايو 2023م، لتصل الديون المستحقة على الحكومة الفيدرالية إلى 31.7 تريليون دولار، حسب الخزانة الأمريكية.

وبلغ الدين العام الأمريكي الداخلي 24.2 تريليون دولار، منه 8.5 تريليون دولار حيازات حكومية وصناديق استثمارية وضمان اجتماعي، ونحو 15.7 تريليون دولار ديون مستحقة لشركات ومؤسسات وبنوك وأشخاص. بينما بلغ الدين العام الخارجي 7.5 تريليون دولار، أغلب هذا المبلغ لـ(الصين واليابان وبريطانيا).

تبعات يتحملها المجتمع الأمريكي

وتفصيلاً لتلك التوزيعات، فإن تراكم الدين العام بات كارثة تلقي بظلالها على استقرار المجتمع الأمريكي، خصوصاً إذا أدركنا أن نصيب كل مواطن أمريكي من الدين العام يقترب من 95 ألف دولار، فيما يقترب نصيب كل عائلة أميركية من 247 ألف دولار، كما يعني ذلك التراكم أن الدين العام يبلغ أكثر من 6 أضعاف الإيرادات الفيدرالية السنوية، أي ما نسبته 150% من الناتج الاقتصادي الأميركي السنوي وفق “جي دي بي” GDP))

وتبعاً لهذه المؤشرات ينظر خبراء الاقتصاد إلى الحصيلة التراكمية للدين العام الأمريكي كأهم خطرٍ يهدد مستقبل الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، سواء اتُفِق على رفع سقف الدين، أم لم يُتفق، معتبرين عدم التوافق كارثة آنية، والتوصل إلى اتفاق يقضي برفع سقف الدين، أيضاً كارثة حتمية تم ترحيلها للمستقبل بقرار سياسي من الحزبين.

تمويل الحروب وتراكم الديون

ومن خلال قراءة واعية لمسار التراكم الزمني للدين الأمريكي يدرك أن تمويل الإدارة الأمريكية بحزبيها (الديمقراطي والجمهوري) للحروب سبب رئيس لتصاعد أرقام الدين التراكمية، ففيما ظل حجم الدين الأمريكي خلال عشرين عاماً، بعد الحرب العالمية الأولى، عند حد 1.3 تريليون دولار عام 1942م، قفز خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب العالمية الثانية (1943-1945م) إلى 4.2 تريليون دولار بزيادة مقدارها 2.9 تريليون دولار.

ومع هيمنة الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية على العالم وسيطرته على ثروات الدول الخاسرة في الحرب، تباطأ حجم الدين العام، فسجل خلال أربعين عاماً زيادة لم تتجاوز 800 مليار دولار، ليصل في عام 1985م إلى (5) تريليونات دولار.

ونظراً لإنفاق الإدارة الأمريكية المتصاعد على الإعلام العالمي أيام الحرب الباردة، ومن ثم تمويل حروبها في أفغانستان والعراق، قفز الدين العام الأمريكي خلال 20 عاماً بمقدار 6.8 تريليون دولار ليبلغ في عام 2005 (11.8) تريليون دولار.

وأمام ارتفاع الإنفاق العسكري والأزمات المالية العالمية كأزمة 2008م؛ صعد الدين العام الأمريكي خلال عشر سنوات ليصل إلى 22.6 تريليون دولار في عام 2015م، وقفز خلال خمس سنوات بمقدار 4.5 تريليون دولار بفعل جائحة كورونا، ليصل إلى 30.7 تريليون دولار نهاية عام 2020م، ومن ثم إلى 30.9 تريليون دولار في ديسمبر 2021 عندما تم رفع سقف الدين ليصل في مطلع عام 2023م إلى 31.7 تريليون دولار.

الإنفاق العسكري

استمرار سياسة الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) الإنفاقية المفتوحة أكثر على الجانب العسكري والتخفيضات الضريبية المدمرة للميزانية واتفاقيات الإنفاق المدعومة من الجانبين، والمبالغ الطائلة التي أُنفقت لمواجهة جائحة فيروس كورونا، كلها عوامل أغرقت أمريكا في بحر الديون المتلاطم، لكن القشة التي ستقصم ظهر البعير، بالنظر إلى مسار تراكم الديون، تتمثل في زيادة الإنفاق العسكري وتمويل الحروب المدمرة في مناطق مختلفة من العالم.

وفي سياق هذا العامل الرئيس في تراكم الدين العام الأمريكي، أشارت الـ “واشنطن بوست” إلى أن الولايات المتحدة حققت فائضاً نقدياً في عام 2001، مؤكدة أن أربعة رؤساء، و10 دورات للكونجرس، وحربَيّ (أفغانستان والعراق) كانت عوامل حاسمة ساهمت في زيادة الدين العام، بالإضافة إلى تبعات ارتفاع تكاليف الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وذهاب فوائد التخفيضات الضريبية للشركات الاستثمارية الكبرى التابعة للحزبين. وفق الجريدة.

التخفيضات الضريبية

كل ذلك يعني أن الدَّين العام الأمريكي كان نتاج سياسات الحزبين، ففي عهدي الرئيسين الجمهوريين بوش وترامب، نما بمقدار 12.7 تريليون دولار، وبمقدار 13 تريليون دولار في ظل الإدارات الديمقراطية لأوباما وبايدن.

ومنذ وقع جورج دبليو بوش (2001 – 2009) على أول قانون لتخفيض الضرائب في 7 يونيو 2001، تصاعد الدين العام، لتظهر تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس في عام 2012م أن التخفيضات الضريبية لبوش أدت إلى زيادة الدين العام بما يقرب من 1.5 تريليون دولار.

وتسببت التخفيضات الضريبية وتكاليف الفائدة الإضافية للاقتراض لتمويلها بين 2001 و2018م في زيادة حجم الدين العام إلى ما يصل إلى 5.6 تريليون دولار، أي حوالي ثلث الديون الإضافية التي تحملتها الحكومة في ذلك الوقت.

وشهدت الفترة (2017 – 2021) مشروع قانون ضخم لأكبر خفض ضريبي في تاريخ البلاد، وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب، ونص على خفض معدلات الضرائب التي تدفعها الشركات الأمريكية الكبيرة من 35% إلى 21% لكن اللافت هو أن شركات الجمهوريين كانت المستفيد الأكبر من هذا القانون، وفق المراقبين.

 

تراجع الثقة بالاقتصاد الأمريكي

ومن اللافت أن خلاف الحزبين الموصول بشأن رفع سقف الدين هذه المرة، لم يقتصر على ضرورة رفع جديد لسقف الدين، بل تجاوز ذلك إلى تبادل كلٍ منهما الاتهامات بالتسبب في مراكمة الدين العام، خارج حجم الناتج الاقتصادي الأمريكي السنوي، والرفع المستمر لسقوف الدين من فترة لأخرى، الأمر الذي سيؤدي- حتماً- خلال السنوات العشر المقبلة إلى تراكم الدين بأضعاف الزيادات التي شهدتها السنوات العشر الماضية، بسبب رفع أسعار الفائدة التي بدت آثارها واضحة في مسار الثقة بمتانة الاقتصاد الأمريكي.

ويتمثل اهتزاز الثقة بالاقتصاد الأمريكي في تصاعد تحذيرات وكالات التصنيف الائتماني العالمية من أن أزمة تراكم الدين العام الأمريكي واحتمال عجزها عن سداد الديون قد تفضي إلى تراجع تصنيفها الائتماني.

وأعلنت أكبر وكالة تصنيف صينية CCXI خفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من AAA إلى AA+ مؤكدة أنها وضعت التصنيف على قائمة المراجعة مع إمكانية خفضه.

أثر الديون الأمريكية على العالم

السؤال الأكثر شيوعاً في ملف تراكم الديون الأمريكية، يتمثل في كيف يؤثر هذا التراكم على العالم؟، وفي هذا السياق تظل الإجابة مقرونة بمعادلة هيمنة الدولار الأمريكي على التعاملات الاقتصادية العالمية، خصوصاً في مسائل الاستيراد والتجارة الدولية.

ذلك الارتباط يعني أن ارتفاع الدين الأمريكي يفضي إلى رفع أمريكا سعر الفائدة على اقتراض الدول للدولار الأمريكي وبالقدر اللازم لتغطية فواتير الاستيراد، ولأن الدول تقترض الدولار بسعر فائدة عالٍ فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات التي تضطر الدول، وخصوصا الفقيرة منها، لاستيرادها بالدولار الأمريكي لتغطية احتياجاتها المحلية بالإضافة لتحمل الدول عبء القيمة الاضافية للفوائد المرتفعة التي تدفعها عن القروض وقيمة القروض ذاتها.

 

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً