تقرير خاص – يمن إيكو
مع تفاقم أزمة سيولة عائدات النفط اليمني- في حساب الأهلي السعودي- والمخصصة لتمويل فصائل التحالف ونخبه في شبوة وحضرموت وعدن وغيرها من مناطق سيطرته في الخارطة اليمنية؛ تؤكد المؤشرات بوادر صراع جديد على إيرادات منفذ الوديعة، ومبيعات المشتقات النفطية المنتجة محلياً والغاز المنزلي ومختلف الإيرادات الضريبية والجمركية وغيرها في محافظة مأرب.
لا يختلف طرفا هذا الصراع عن السيناريوهات التي كرسها مشروع التحالف في مناطق سيطرته على أن يكون الصراع والتنافس بينها في خدمته والتواطؤ لتمكينه من الموارد والعائدات، إذ يتمثل طرفه الأول في حزب الإصلاح (الإخوان) في مارب- الموصوف بالحليف القديم الأكثر إخلاصاً في تمكين التحالف من موارد البلاد خلال سنوات الحرب الماضية، ويتمثل الطرف الثاني في نخب وفصائل المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، كطرفٍ توافق التحالف السعودي الإماراتي على إحلاله بديلاً عن الإصلاح في السيطرة والتحكم بمنابع النفط، كإحدى النتائج المسكوت عنها في مفاوضات الرياض في السابع من إبريل الماضي، وما تمخضت عنه من معارك أقصت الإصلاح من آخر معاقله في محافظة شبوة في أغسطس الماضي لصالح الانتقالي.
وعلى صلة بالمسار التصاعدي لمؤشرات الصراع الجديد الذي سيبدو هذه المرة أكثر حدة، نقلت جريدة الأيام (الصادرة في عدن والمؤيدة للتحالف) عن تقارير دولية وأخرى محلية، الأحد، تأكيدها استمرار رفض سلطات محافظة مأرب تحويل الإيرادات إلى البنك المركزي بعدن، في إصرار على تعطيل مهمة المجلس الرئاسي الذي شكلته الرياض وأسندت إليه مهام إدارة السلطة الموالية لها، واشترطت عليه عدداً من الإجراءات المتعلقة بالموارد، كمقدمة لأي دعم يمكن تقديمه لهذه السلطة.
وفيما يعمل المجلس الرئاسي حالياً تحت شعارات فضفاضة من صنع التحالف، يواجه اليوم تحديات اقتصادية كبيرة لا تتوقف عند تمنع القوى المسيطرة على بعض مناطق سيطرة التحالف تحويل الإيرادات إلى البنك المركزي بعدن، بل تتجاوز ذلك إلى انكشافات مبكرة لفضائح فساد مسؤوليه وسباقاتهم الاستحواذية على المال العام والاستفراد بمخصصات الخدمات الاجتماعية والتعليمية على حساب أبناء الشعب اليمني، والتي كان آخرها فضيحة تركيز مخصصات الابتعاث والمنح الدراسية بأيدي أبناء المسؤولين في تشكيلة المجلس.
وتشير التقارير إلى أن سلطات محافظة مارب، التي تسيطر عليها جماعة الإصلاح المؤيدة للتحالف، تتصرف كحكومة محلية وصاحبة حكم ذاتي، إلى الحد الذي صارت فيه تمتنع صراحة عن تحويل إيرادات المحافظة المتنوعة، والتي تتصدرها مبيعات المشتقات النفطية والغاز الهائلة وعائدات منفذ الوديعة، وتصرفها بعيداً عن ميزانية الدولة وخارج خطط الحكومة.
وحسب تقرير التطورات الاقتصادية والنقدية، خلال النصف الأول من العام 2022م، الصادر عن البنك المركزي بعدن، فإن الإيرادات غير الضريبية التي تشمل مبيعات الغاز محلياً، بلغت خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 2.9 مليار ريال يمني فقط، في حين تؤكد مصادر اقتصادية أن مبيعات مارب من الغاز المنزلي تتجاوز في السنة 200 مليار ريال.
ويشير تقرير البنك ضمنياً إلى ما تشكله أزمات الصراع على الإيرادات في مناطق سيطرة التحالف من تحدٍ كبير، في إشارة إلى امتناع بعض تلك المناطق عن تحويل الإيرادات غير النفطية إلى البنك المركزي بعدن، ما يجعل هذه الإيرادات عرضة للفساد والاستحواذ من قبل سلطات المناطق الممانعة، والتي أهمها وأكبرها مارب، التي تنفق تلك المبالغ خارج الحكومة، مثقلة كاهل الموازنة، حيث تذهب في التعيينات العبثية في المناصب التي تدفع رواتب شاغريها بالعملة الصعبة من إيرادات النفط، إلى جانب الكشوفات الوهمية في قطاعي الجيش والأمن.
كل ذلك يعني أن توقف تدفق عائدات النفط إلى البنك الأهلي السعودي، يجعل الإيرادات غير النفطية محطة لجولات الصراع الجديد، الذي سيفشل المجلس الرئاسي إلى جانب فشله الواضح في فضائح الفساد الجديدة، وهو ما يريده مشروع التحالف التفكيكي للقوى المؤيدة له، خصوصاً بعد أن فقد مصادر تمويلها من عائدات النفط الخام اليمني.
لكن الأغرب في بوادر الصراع الجديد، قد لا يكمن في ادعاءات سلطات الانتقالي، المدعوم إماراتياً، باستمرار امتناع سلطات مارب الإخوانية عن تحويل الإيرادات إلى البنك المركزي بعدن، في مسار التناقض بين خطاب فصائل التحالف المتصارعة في الواقع، أنها لا تتصارع على الحكم، بل على من سيخدم التحالف أكثر، وهو ما كشفته اعترافات محافظ مأرب “سلطان العرادة”- المحسوب على الإخوان في حكومة معين عبد الملك- التي أدلى بها لقناة “بي بي سي” البريطانية.. مؤكداً أن عائدات الثروات النفطية والغازية- بما فيها ثروات مأرب- تورد إلى البنك الأهلي السعودي، الأمر الذي يقف خلف معاناة اليمنيين بعدم حصولهم على أهم حقوقهم المتمثلة في المرتبات والأجور.