يمن ايكو
تقارير

📃 بدايات وخفايا قصة الأطماع الأمريكية في غاز اليمن الطبيعي.. مفارقات الزمن وتراكم الخسائر

تقرير – يمن إيكو
وسط مؤشرات أزمة عالمية رفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى حدود قياسية، تتعاظم خسارة الشعب اليمني في فرص الاستفادة السيادية من ثروته الغازية، التي كانت عائداتها كفيلة بلعب أدوار محورية في الحد من الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه البلاد، لولا استمرار سيطرة الإمارات، ومن خلفها أمريكا، على منشأة بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال.

خسائر اليمن من مواردها الاقتصادية والمالية المترتبة على الغاز الطبيعي المسال، رغم حجمها المهول حالياً، والتي تتجاوز عشرات المليارات، إن لم نقل المئات، مقارنة بأسعار الغاز الطبيعي العالمية في الوقت الراهن؛ ليست جديدة، بل تعود بداياتها إلى تسعينيات القرن الماضي، أي ما قبل الاتفاقات والعقود الاستثمارية التي أبرمها النظام السابق بشأن الغاز الطبيعي المسال، في مطالع الألفية الثالثة، مفرِّطاً بالحق السيادي عبر اختيار اسم شركة مارب للإيحاء بأنها شركة وطنية. وفق الباحث وليد الحدي، رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي.

ويشير الحدي إلى أن انفراد الشركاء (المُستثمرين) في مشروع الغاز (شركة هنت الأمريكية مشغل القطاع 18 آنذاك) وشركة توتال الفرنسية (مُشغل منشآت بلحاف) بإعداد نُصُوص الاتفاقيّات كُرِّست مُعظمها لتحقيق المنافع القصوى، مع التَّرتيب لنقل ملكيَّة وتشغيل القطاع (18) لهم في مشروع الغاز بعد انتهاء اتفاقية مأرب للمُشاركة في إنتاج النفط.. مؤكداً أن شركة توتال الفرنسية سمحت في عام 1996م لشركة هنت الأمريكية (المُتحكم في كل معلومات حقول ومنشآت القطاع 18) أن تكون شريكاً معها في مشروع الغاز، مُستغلةً نص المواد (3.4) من اتفاقيَّة تطوير الغاز التي مَنحت توتال الحَق الحصري في التَّشهيد على الاحتياطيّات الغازية المُؤَكدة.

وتبعاً لذلك- حسب الحدي- قامت شركة هنت مع شركة توتال بالتَّشهيد على احتياطيات النفط والغاز والمكثِّفات والغاز البترولي المُسال المتبقية في قطاع (18) من خلال شركة دجلر وماكنتون الأمريكية DM وتقديمها للحكومة في نوفمبر 1996م، مفيدة بأن إجمالي احتياطيات الغاز الرَّطب المتوفِّرة في قطاع (18) حوالي 10.2 تريليون قدم مكعب، منها 7.2 تريليون قدم مكعب لمشروع الغاز، و(تريليون قدم مكعب للاستهلاك المحلى)، وكميّة (تريليوني قدم مكعب حصة منشآت المنبع في الوقود والمعالجة).

ويضيف الحدي: ومع انتهاء اتفاقيّة مارب للمُشاركة في إنتاج النفط في نوفمبر 2005م، أكَّد الشُّركاء نضوب احتياطيات النِّفط والمُكثّفات المُؤكَّدة المتبقية في قطاع (18) والمحددة (341 مليون برميل)، في ادعاء أن القطاع تحوَّلَ إلى مُنتج للغاز حسب زعمِهم،  ليرتّب الشُّركاء في مشروع الغاز لإنشاء شركة أُطلِقَ عليها “شركة مارب لخدمة المنبع” MSC “  مكوَّنةً من (شركة هنت واكسون والشركة اليمنية للغاز) كشُركاء في مشروع الغاز، ليتم نقل ملكيّة وتشغيل منشآت القطاع (18) للشركة الجديدة، على أن تكون شركة هنت الأمريكية هي المُشغِّل عند انتهاء امتيازِها وانتهاء اتفاقيّة مارب للمُشاركة في إنتاج النفط في 14 نوفمبر 2005م.

وحسب طرح الباحث الحدي، كانت تلك الخطة أمريكية بامتياز لضمان بقاء الشّركاء- ومنهم أمريكا- في مشروع الغاز والتَّحكُّم بمُنشآت وحُقول المَنبع، ومُصادرة الحق السيادي لليمن في ملكيَّة حُقول وأُصول وتشغيل منشآت القطاع (18).. مؤكداً أن الحُكومة اليمنية دفعت كافَّة تكاليف الأعمال التَّطويرية والمُنشآت لتُصبِح ملكاً خالصاً لليمن حتى لو نَضب النِّفط فعلاً، بحسَب ادعاء الشُّركاء.

واعتبر الحدي هذا الترتيب مخالفاً للاتفاقيات والأعراف المَعمول بها في صناعة النفط! موضحاً أن شرعنة خُطّة الشُّركاء اقتضت إعداد اتفاقية جديدة أُطلِق عليها “اتفاقية منشآت وخدمات المنبع”  UFSA”، أحد أطرافها شركة مارب لخدمة المنبع، ورُتِّبت نصوص المواد (5،6،9) من الاتفاقية لِتَمنح شركة الغاز “شركة توتال” حق تفويض شركة مارب لخدمة المنبع “بملكية وتشغيل منشآت القطاع (18) بعد انتهاء امتياز شركة هنت في نوفمبر 2005م مُقابل رسوم منشآت منبع تدفعها شركة توتال للشركاء في شركة مارب بموجب نص المادة (9)، أي إعطاء من لا يملك، لمن لا يستحق”.

وقال الحدي: “وعلى النّقيض من ذلك صدرت توصيات مجلس النواب عند المصادقة على تعديل اتفاقية تطوير الغاز واتفاقية منشآت المنبع برقم (110) وتاريخ 11مارس 1997م بعدم منح أي زيادة في الاحتياطيات الغازية المخصصة للمشروع (132.5 مليون طن وتتطلَّب إمداد المشروع بكميّة قدرها 7.2 تريليون قدم مكعب من نقطة تسليم الغاز في منشآت المنبع شاملاً 12% لاستخدامات منشآت بلحاف)؛ إلا بعد الرُّجوع لمجلس النواب، مع التأكيد على الحق الحصري للحكومة في ملكية وتشغيل منشآت القطاع (18) بعد انتهاء امتياز هنت في 14 نوفمبر 2005م، وليس للشُّركاء أي علاقة بذلك”.

وأكد الحدي أن ذلك يدُل على عدم إدراك مجلس النُّواب للترتيبات الخبيثة للشركاء في مشروع الغاز، لاستهداف الحقوق السيادية لليمن من خلال اختيار اسم شركة مارب للإيحاء بأنها شركة وطنية.. مشيراً إلى أن الأخطر في اللعبة الخفية لم يتمثل في عدم التزام الشركاء بتصدير الغاز من عام 2001م فحسب، بل في ما مارسوه من سياسة استنزاف مَهول لمقدرات البلد النفطية، من خلال حفر عشرات الآبار الأفُقية، ومع ذلك لم ينضُب النفط بل ظلَّ القطاع يُنتج عند 100 ألف برميل يومياً، بعد إنتاج إجمالي كميات النفط والمُكثفات المحددة للنُّضوب كلياً”.

عدم النضوب الذي كان يتوقعه الشركاء بمن فيهم أمريكا- حسب الباحث الحدي- دَفع بشركة هنت إلى طلب تمديد الامتياز لها إلى نوفمبر 2010م، وتم إرجاء تصدير الغاز إلى يناير 2009م، وزَعْم نُضوب النفط والمكثفات كلياً في 2010م لكي تستمر خطة نقل ملكية القطاع 18 إلى الشركاء، إلا أنَّ مجلس النواب رَفضَ التَّمديد، مُكلفاً وزارة النفط بالتَّرتيب لإنهاء اتفاقية مارب في موعدها، وتسليم القطاع (18) لمُشغل جديد يكون حصرياً للحكومة مُمَثلةً بشركة صافر، وغياب شركة مأرب عن مهام هذه الاتفاقية والمهام المُناطة بها في الاتفاقيات الأخرى التي لم تُعرَض على المجلس.

وأورد الحدي أمثلة على تلك الاتفاقيات، كاتفاقية إمداد الغاز FDA التي قيَّدت نص المادة (5.1) منها حصة الاستهلاك المحلي (تريليون قدم مكعب) بما يتناقض مع المادة 2.1 من اتفاقية تطوير الغاز الخاصة بتخصيص احتياطيات غازية للاستهلاك المحلي (لمشاريع كهرباء مارب) تصل إلى 3 تريليونات قدم مكعب، وفي عام 2008م صدر حُكم المحكمة التجارية الدولية لتأييد قرار مجلس النواب وحق اليمن في ملكية وتشغيل القطاع (18) من 15 نوفمبر 2005م.

ويرى الحدي أن خطة الشركاء في مشروع الغاز لنقل ملكية وتشغيل مُنشآت القطاع (18) إليهم كان الهَدف منها هو الاستيلاء على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المُسال والغاز البترولي المُسال وتوظيف مُنشآت المنبع (وخصوصاً ضواغط الغاز) مجاناً خدمةً لمشروع بلحاف، وعلى حساب تَدهور إنتاج النفط بشكل سريع نظراً لخُطتهم بوقْف حقن الغاز في مكامِن النّفط بنسبة 50% من يناير 2009م وتوقيف حقن الغاز كُلياً في 2010م.. مشيراً إلى ثبوت تعمُّد الشركاء إخفاء كمية (544 مليون برميل من احتياطيات النفط والمكثفات) من تقييم أغسطس 96م، وادعاء نضوب النفط والمكثفات في 2005م كمُبرِّر لاستيلاء الشُّركاء على ملكية وتشغيل القطاع (18) بعد انتهاء امتياز هنت في نوفمبر 2005م.

وأضاف الحدي أن خُطة الشركاء لتصدير الغاز من يناير 2009م استهدفت تصدير9.1 تريليون قدم مكعب، بزياده قدرها تريليونا قدم مكعب عن المُخصَّص للمشروع بالاتفاقيات وخارج الكميَّات المُشهَّد على وفرتها من قبلهم، ولم يسبق الإعلان عن وفرتها للحكومة بقيمة إجمالية قدرها 24 مليار دولار (بسعر 11.6 دولار للمليون وحدة حرارية)، وتعمُّد إخفائها في مكامنها هروباً من استحقاق الاستهلاك المحلّي.. كما استهدف الشركاء كمية 125 مليون برميل من احتياطيات الغاز البترولي المُسال (الغاز المنزلي المملوك حصرياً لليمن ويساوي 10.5 مليون طن – سعر الطن 850 دولاراً) طبقاً لتقرير تشهيد دجلر وماكنتون الصادر في 17 أغسطس 2005م، مع ثُبوت تعمُّد الشُّركاء إخفاء كميَّة (169 مليون برميل) من احتياطيّات الغاز البترولي المُسال من تقييم أغسطس 96م.

وأوضح الحدي أن كمية الغاز الطبيعى المُستخدم مجاناً في بلحاف بلغت 12% من أصل (7.2 تريليون قدم مكعب) ما يساوي 800 تريليون وحدة حرارية، بقيمة 9 مليارات و280 مليون دولار.. مؤكداً تَعمُّد شركة توتال تسليم رسوم منشآت المنبع (قطاع 18) المَملوك والمُشغَّل حصرياً للحكومة من خلال شركة صافر للشركاء في شركة مارب لخدمة المنبع، حيث بلغت في الفترة من 2009 إلى 2013م حوالي 161 مليون دولار، طِبقاً لتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادر في 1 يونيو 2014م، لتصِل إلى 900 مليون دولار عند نهاية العقود، وهي حُقوق حصرية لشركة صافر.. فيما بلغ إجمالي خسائر اليمن خلال عمر العقود من الموارد السيادية للقطاع (18) خارج مخصّصات المشروع حوالي 55 مليار دولار.

والملاحظ في مفارقات الزمن بين يناير 2009م (بدء تصدير الغاز اليمني) واليوم (27 يوليو 2022م) أنه من الصعب حسابات الخسائر اليمنية التراكمية، خصوصاً عند الرجوع لمواد الاتفاق المشار إليه سابقاً التي نصت على بيع الغاز بأقل من 50% من الأسعار العالمية، أي أن السعر كان عند حدود 105 دولارات لكل ألف متر مكعب من الغاز اليمني المصدر إلى كوريا والولايات المتحدة الأمريكية، مقابل 500 دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز الروسي في 2009م، وقفزت الأسعار من يومها إلى 2350 دولاراً لكل ألف متر مكعب أمس الأربعاء 27 يوليو 2022م.

خلاصة القول: إنه مع دخول الحرب والحصار في اليمن العام الثامن، وتصاعد الطلب العالمي على الغاز، بدت الأطماع العالمية أكثر وضوحاً، خصوصاً الأمريكية، في ثروات اليمن النفطية والغازية، وسط أسئلة محورية تفرض نفسها حيال مدى نجاح أمريكا حالياً في إكمال السيطرة على مقدرات اليمن الغازية، ومنشأة بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال في المقام الأول؟ وكم سيدوم حرمان الشعب اليمني من عائدات الغاز الطبيعي المسال…؟ في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية كارثية، مع أسوأ كارثة إنسانية في العالم بشهادة الأمم المتحدة.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً