يمن ايكو
مقالات

صيحات إنقاذ الرأسمالية في معقلها

محمد أبو الغيط

“الديمقراطية شيء هشّ جداً”، بهذه العبارة يكرّر روبرت رايش، وزير العمل الأميركي في عهد الرئيس بيل كلينتون، تحذيراً يردّده، في السنوات الأخيرة، من يمكن تسميتهم الإصلاحيين الرأسماليين.

في كتابه “إنقاذ الرأسمالية: لأجل الأغلبية لا الأقلية”، الصادر عام 2015، وكذلك في فيلم بالاسم نفسه، أنتجته “نيتفليكس” لاحقاً، يرصد رايش وقائع تلاشي الحلم الأميركي. يقول إن الناس في حاجة لمن يسمعهم، وقد أصبح نظامنا الديمقراطي عاجزاً عن ذلك. يلتقي موظفا براتب محدود يعمل 60 ساعة، ويضطر للعودة إلى الحياة في منزل أسرته، بينما زوجته مديونة بمائة ألف دولار من ديون الدراسة.

يذهب إلى مركز “ميسوري للخدمات الريفية”، حيث يسمع شكاوى مريرة. لقد أنفق أحدهم على مزرعته 300 ألف دولار، بينما حصد مبيعات نهاية العام 320 ألفاً فقط، وهذا جعله عاجزاً عن استقبال ابنه الذي يئس من الوصول إلى حياة كريمة في المدينة، وأراد العودة إلى مزرعة أبيه.

يعرض رايش رسوماً بيانيةً دقيقةً، تؤكد أن ما يرصده ليست انطباعات فردية، مثلاً شهد عام 2014 أعلى أرباح للشركات، وأقل نسبة أجور للعاملين بها خلال 85 عاماً. يناقش شعاراتٍ يتم التعامل معها كمسلّمات شبه دينية، مثل أفضلية السوق الحر وانتقاد دور الدولة بالمطلق. يؤكّد أنه لا سوق حراً كمعطى طبيعي. قوانين الملكية والاحتكار والإفلاس كلها أمورٌ لا غنى عن دور الدولة فيها، والواقع أن أصحاب المال يدفعون بقوانين وتنظيمات لصالحهم.

تتلقى شركة غوغل 600 مليون دولار في صورة إعانات حكومية لصالح تأمين خوادمها داخل الولايات المتحدة، بفعل قانون مخصّص لذلك، كما بلغت الإعفاءات الضريبية لأكبر شركات النفط أربعة مليارات دولار، فضلاً عن حزم الإنقاذ الهائلة التي ضخّتها الحكومة إبّان الأزمة المالية العالمية.

يحكي روبرت رايش تجربته في أثناء عمله في الوزارة، حين حاولت لجنة التجارة الاتحادية منع إعلانات المنتجات عالية محتوى السكر الموجهة إلى الأطفال، فكانت النتيجة أن تمكّن لوبي تلك الشركات من تعليق عمل اللجنة بالكامل، عبر أعضاء الكونغرس الموالين.

تجربة أخرى فشل فيها هي محاولة وضع حد للإعفاءات الضريبية على رواتب المديرين التنفيذيين للشركات، والتي تبلغ الملايين، وكان جزءاً فاعلاً من المقاومة التي واجهها أعضاء آخرون في إدارة كلينتون، قادمون من تلك الشركات أو ذاهبون إليها بعد نهاية خدمتهم في امتداد لسياسة “الباب الدوّار”.

في الأربعينيات، كان 3% فقط من أعضاء الكونغرس ينتقلون إلى مناصب في الشركات فور تقاعدهم، ارتفعت النسبة عام 2017 إلى نحو النصف. نموذج شبيه آخر حدث عام 2003، حين مرّرت شركات الأدوية قانوناً من ألف صفحة، اشتمل على فقرة تمنع الحكومة من الدخول طرفاً في التفاوض حول أسعار الدواء، ليبقى المواطن الأميركي يحصل على أغلى الأدوية وكذلك أسعار خدمات الإنترنت وتذاكر الطيران الداخلي في العالم الأول.

يستعرض “وثيقة لويس باول”، وهو محامي شركات كتب ما يشبه المانفيستو، مؤكّداً أن على الشركات “تعلّم استخدام السلطة باجتهاد، وحين الضرورة بعنف، وبلا حرج أو ممانعة”.

يحذر رايش من هذا الانقسام المجتمعي الحادّ “الغضب يسمّم النسيج المجتمعي”. يستعرض أقوال متظاهري حركة “احتلوا وول ستريت” ذات الهوى اليساري، ومتظاهري حزب الشاي اليمينيين لنفاجأ بأن كليهما يردّد تقريباً الكلمات نفسها.

يذهب إلى الريف وقت الانتخابات قبل الأخيرة، ليجد الغالبية منقسمين بين بيرني ساندرز وترامب. يعلق إنه في وقت الغضب وفشل الديمقراطية في تحقيق الأحلام سيعلو صوت الشعبوية، حتى لو كانت غير ديمقراطية على نموذج الرجل القوي، ترامب.

يعلق رايش آمالاً على قدرة بلاده على إصلاح مسارها كما حدث سابقاً، عبر تحفيز كل المواطنين على تنظيم أنفسهم، كما بتنظيم المزارعين بذرة نقابة تجمعهم، وكذلك كما بانضمام الشباب للجناح التقدّمي من الحزب الديمقراطي.

ولعل من المشروع التساؤل عن موضع بلادنا، بلاد الأطراف التي أثبتت المحاولات الديمقراطية فيها هشاشتها مراراً، من هذا الحراك المتصاعد في المركز الرأسمالي العالمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع “العربي الجديد”

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً