يمن إيكو|تقرير:
في الثاني من إبريل الماضي أصدر البنك المركزي في عدن قراراً بشأن نقل المقار الرئيسة للبنوك من صنعاء، وهو ما اعتبرته الأخيرة تصعيداً أمريكياً للضغط عليها لوقف عملياتها في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية نصرة لغزة، وهو ما أكدته وكالة بلومبرغ الأمريكية في وقت لاحق، وحملّت صنعاء الرياض مسؤولية تداعيات ذلك القرار على اعتبار أنه ما كان ليصدر إلا بضوء أخضر سعودي، ومع تصاعد التهديدات التي أطلقها قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي ضد السعودية، كثفت الأخيرة مساعيها لإلغاء القرار، ولكن عبر الإعلان الأممي الذي صدر الثلاثاء كمخرج للرياض من التورط أكثر باتجاه التصعيد العسكري.
وبين صدور قرار البنك المركزي بعدن في الثاني من إبريل الماضي، والإعلان الأممي بالإلغاء النهائي لذلك القرار مسار زمني مليء بالتطورات والأحداث التي أعاد موقع “يمن إيكو” قراءتها واستجلاء الدور الأمريكي والسعودي في مآلاتها عبر هذا التقرير:
بدأت أزمة القطاع المصرفي اليمني في الثاني من إبريل 2024م عندما أصدر محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد المعبقي، قراراً يقضي بنقل المقار الرئيسية لستة بنوك ومصارف تجارية وإسلامية هي:(التضامن، اليمن والكويت، اليمن والبحرين الشامل، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك اليمن الدولي)، من صنعاء إلى عدن، معطياً مهلة لتلك البنوك تصل إلى 60 يوماً لتنفيذ القرار.
في الـ23 من إبريل الماضي أعلنت جمعية البنوك اليمنية عن رفضها قرار البنك المركزي في عدن بشأن نقل مقار البنوك الرئيسية من صنعاء، إذ أكد رئيس الجمعية محمود ناجي- في تصريحات صحافية- أن القرار لا يراعي مصلحة القطاع المالي والمصرفي، موضحاً أن البنوك ما هي إلا شركات تقدم خدمات مالية مطلوبة لوحدات النشاط الاقتصادي، وتهدف إلى تحقيق العائد الأفضل للمساهمين فيها.
وفي نهاية إبريل الماضي، وخلال مداخلات عبر الزوم، في اجتماعات الحكومة اليمنية وصندوق النقد الدولي في العاصمة الأردنية عمّان، أفاد رؤساء بنكوك: “التضامن” و”الكريمي” و”التجاري” وغيرها من البنوك اليمنية التي تتخذ من صنعاء مقراً لمراكزها الرئيسية بعدم إمكانية تنفيذ البنوك لقرار نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن، مشيرين إلى موقف حكومة صنعاء (الحوثيين) الذي أبدت فيه إمكانية نقل مقرات البنوك إلى عدن مشترطةً تسليم ودائع عملائها في مناطق سلطات صنعاء.
وأوضح كل من شوقي هائل وبازرعة ويوسف الكريمي أن سلطات صنعاء (الحوثيين) لا تمانع من نقل البنوك مقراتها الرئيسية إلى عدن بشرط تسليمها كافة الودائع لديها الخاصة بالعملاء في مناطقها الشمالية والبالغة قرابة تريليوني ريال”. مطالبين الحكومة اليمنية وبنكها المركزي بتوفير المبلغ للإيفاء أولاً بإعادة ودائع عملائها للراغبين بسحبها في مناطق الحوثيين قبل اتخاذ أي قرار نقل لمراكزها الرئيسة إلى عدن.
وفي الـ19 من مايو الماضي، نقل موقع “يمن إيكو” عن مصادر مطلعة من أن السعودية تعمل على إلغاء القرار الذي اتخذه محافظ البنك المركزي بعدن، بنقل المقرات الرئيسية للبنوك التجارية إلى عدن، بعد تلقيها رسائل تحذير مباشرة من قبل حكومة صنعاء تضمنت تحميل السعودية مسؤولية تداعيات القرار، واعتبرت أن القرار لم يكن ليصدر بدون ضوء أخضر سعودي.
وكشفت المصادر لـ “يمن إيكو” أن السعودية استدعت- حينها- رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك ومحافظ البنك المركزي في عدن أحمد غالب المعبقي، ومنصور راجح وكيل قطاع الرقابة بالبنك، للقاء السفير السعودي محمد آل جابر في الرياض، بعد تلقي الأخيرة رسائل تحذير مباشرة من صنعاء تحملها مسؤولية تداعيات قرار نقل مقرات البنوك إلى عدن.
وفي الـ28 من مايو الماضي حذَّر مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني في صنعاء من استمرار التصعيد الذي يستهدف القطاع المصرفي تنفيذاً لأوامر “النظام السعودي” محملاً إياه المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات قد تضر أبناء الشعب اليمني، كونه صاحب القرار وعبر استخدام مؤيديه كأدوات تنفذ هذا التصعيد الذي يستهدف الاقتصاد اليمني واليمنيين في كافة أنحاء الجمهورية اليمنية، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء اليمنية التابعة لحكومة صنعاء ورصده موقع “يمن إيكو”.
وفي الـ30 من مايو الماضي- ومع اقتراب المهلة التي منحها البنك من نهايتها- أصدر محافظ البنك المركزي في عدن، قراراً يلزم كافة البنوك والمصارف وشركات ومنشآت الصرافة العاملة في الجمهورية اليمنية بوقف كافة التعاملات مع البنوك الستة المشمولة بالقرار، وذلك بسبب عدم امتثالها لقرار نقل مراكزها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، داعياً الأفراد والمحلات التجارية والشركات والمؤسسات المالية والمصرفية ممن يحتفظون بنقود ورقية من الطبعة القديمة ما قبل عام 2016 ومن مختلف الفئات إلى سرعة إيداعها خلال مدة أقصاها ستون يوماً، في خطوة رفعت منسوب التوتر بين الرياض وصنعاء، حيث اعتبرت الأخيرة أن القرار سعودي وبتوجيهات أمريكية.
المعبقي يقر بأن القرار أمريكي
وفي الـ31 من الشهر نفسه- أي بعد ذلك بيوم- وخلال مؤتمر صحفي أكد محافظ البنك المركزي بعدن أحمد غالب المعبقي، أن القرار الذي اتخذه بنقل المقرات الرئيسية للبنوك التجارية من صنعاء إلى عدن، قرار سيادي لا علاقة له بالخارج، لكنه في الوقت نفسه قال: إن “القرار كان بسبب تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية للحوثيين كمنظمة إرهابية”.
وفي اليوم نفسه، ومقابل قرار البنك في عدن، أصدر البنك المركزي اليمني في صنعاء قراراً بحظر التعامل مع 13 بنكاً قال إنها مارست أعمالاً مصرفية بدون تراخيص، وخالفت أحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، معلناً أنه سيعوض المتضررين من قرار البنك المركزي في عدن الذي قضى بسحب العملة الصادرة قبل 2016.
بعد ذلك بيوم واحد- أي في مطلع يونيو- قال المجلس السياسي الأعلى الحاكم في صنعاء إنه يملك خيارات وإجراءات قادرة على إفشال ما وصفه بـ”المؤامرات الاقتصادية”، في إشارة إلى قرار البنك المركزي في عدن بشأن نقل مراكز البنوك من صنعاء وسحب العملة القديمة، متوعداً بـ”رد حازم ورادع” على التصعيد الأمريكي الاقتصادي والعسكري.
ونقلت كالة الأنباء اليمنية سبأ التابعة لحكومة صنعاء عن المجلس السياسي في اجتماع رأسه مهدي المشاط، رئيس المجلس، تأكيده أن موقف الحكومة اليمنية وبنكها المركزي يأتي في سياق الضغط على اليمن لثنيه عن مواقفه المناصرة لمظلومية الشعب الفلسطيني، كما يأتي في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، معتبراً إياه إعلان حرب اقتصادية لا تختلف عن العسكرية، هدفها نهب ممتلكات المواطنين والمودعين والاستحواذ عليها.
أول رد من قائد حركة أنصار الله
وفي أول رد له على قرار بنك مركزي عدن بشأن البنوك في صنعاء، وجَّه قائد حركة “أنصار الله” اليمنية، عبد الملك الحوثي- وفي الـ6 من يونيو الماضي- تحذيراً شديد اللهجة، لأي نظام عربي أو جهة تورط نفسها مع الولايات المتحدة في الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني، وقال في خطاب متلفز، تابعه موقع “يمن إيكو”: “ننصح ونحذر كل الذين يحاول الأمريكي تجنيدهم لخدمة العدو الإسرائيلي ألّا يتورطوا في ذلك”، محذراً من أن أي خطوات ضد الشعب اليمني ستعتبر “عدواناً من أجل خدمة العدو الإسرائيلي وسيقابلها ردة فعل من جانبنا”. حسب تعبيره.
وفي اليوم ذاته، أفادت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية بأن قرار نقل المقار الرئيسية للبنوك التجارية من صنعاء إلى عدن جاء بتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدةً أن الحرب الاقتصادية التي تمارسها واشنطن وحلفاؤها (السعودية والحكومة اليمنية) ضد من أسمتهم “الحوثيين” عبر استهداف القطاع المصرفي في مناطقهم، تهدف للضغط على قوات صنعاء لإيقاف هجماتها على الملاحة الإسرائيلية. حسب بلومبرغ.
من جانبها كثفت السعودية تحركاتها للضغط على الرئاسي وحكومته لتوجيه البنك المركزي في عدن بالتراجع عن قرارته بشأن نقل مقار البنوك الرئيسية من صنعاء، رغم أنها تمت بضوء أخضر منها، لكن تلك المساعي فشلت، نظراً لاستقواء البنك في عدن بالموقف الأمريكي، وفق ما أكده مراقبون.
وفي الـ26 من يونيو الماضي كشف مصدر حكومي مسؤول في مجلس القيادة الرئاسي في عدن عن تلقي رئيسي المجلس، رشاد العليمي، ورئيس الحكومة اليمنية أحمد بن مبارك، توجيهات سعودية قضت بوقف التصعيد تجاه من أسماهم “الحوثيين”، والتراجع عن قرارات البنك المركزي في عدن. وفق ما نشره موقع “مراقبون برس”.
ونقل الموقع عن المصدر- الذي فضل عدم الكشف عن هويته- إرجاعه تلك التوجيهات إلى تلقي الجانب السعودي ضغوطات وتهديدات من الحوثيين بإنهاء الهدنة المفترضة مع الرياض واستئناف الهجمات عليها في أي لحظة. حسب وصفه.
استمرار التصعيد وتصاعد التحذيرات
ومع استمرار تصعيد البنك المركزي في عدن لإجراءاته العقابية ضد البنوك في صنعاء، وتسريباته باعتزامه سحب تراخيص البنوك من نظام السويفت المالي العالمي، وجّه قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، في الـ7 من يوليو الجاري تهديدات وتحذيرات وانتقادات للسعودية، هي الأشد لهجة منذ إعلان الهدنة في أبريل 2022، وذلك على خلفية تورط الرياض في التصعيد الاقتصادي ضد حكومة صنعاء.
وقال الحوثي، في كلمة بمناسبة العام الهجري الجديد تابعها موقع “يمن إيكو”: “الأمريكي أرسل إلينا برسائل بأنه سيدفع النظام السعودي إلى خطوات عدوانية، وحصلت زيارات أمريكية للسعودية من أجل ذلك”، مؤكداً أن “أهم ما يركز عليه الأمريكي هو المجال الاقتصادي لأن ضرره يلحق بكل الناس”.
وقال الحوثي: “سنقابل كل شيء بمثله: البنوك بالبنوك ومطار الرياض بمطار صنعاء والموانئ بالميناء، وسنقول على البنوك في الرياض أن تنتقل وأن تذهب، فهل تقبلون بهذا؟ وتعتبرونه شيئاً منطقياً؟ فلماذا تريدون فرضه على بلدنا”، معتبراً أن “الضغط بنقل البنوك من صنعاء خطوة جنونية وغبية، ولا أحد في العالم يفكر بهذه الطريقة”.
وبعد تلك التهديدات والتحذيرات استمرت السعودية في مساعي إنفاذ توجيهاتها للرئاسي وحكومته بضرورة تراجع البنك المركزي في عدن، غير أن الموقف الأمريكي الداعم للبنك جعله مصراً على ذلك ليسرب في 10 يوليو الجاري، وثيقة تفيد بصدور مذكرة رسمية باللغة الإنجليزية بشأن سحب تراخيص البنوك الستة التي رفضت قرار البنك المركزي في عدن.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، قد كشف في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، أن البنك المركزي في عدن كان يعتزم التوجه نحو سحب نظام السويفت عن البنوك الستة المشمولة بالعقوبات، الأمر الذي يهدد بوقف نشاطها والإضرار بالاقتصاد وبأموال المودعين.
وفي الـ14 من يوليو الجاري، أفادت مصادر ميدانية في مناطق الحكومة اليمنية، بأن “بنوك: الكريمي والتضامن واليمن الدولي، واليمن والكويت والبحرين الشامل وبنك الأمل، أغلقت أبواب فروعها في عدن مأرب وتعز، ما أدى إلى ارتباك البنك المركزي في عدن، في إشارة إلى ما شكله إغلاقها من ضغط شعبي وتجاري، جعله يوجه بحملة أمنية لإعادة فتحها بالقوة، في تصرف اعتبره مراقبون خطوة تكشف عدم امتلاك البنك المركزي في عدن رؤية واضحة في التعامل مع أزمة التصعيد التي أعلنها ضد البنوك التجارية والأهلية الواقعة في مناطق حكومة صنعاء.
وفي الـ15 من يوليو اتهم البنك المركزي في عدن حكومة صنعاء بالضغط على تلك البنوك لإغلاق فروعها في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وهو ما يمثل تناقضاً واضحاً في سياسة البنك الذي قام في الوقت نفسه بتهديد تلك البنوك بإجراءات عقابية إذا لم تستجب لقراراته.
وفي الـ17 من يوليو الجاري، ومع استمرار تلكؤ البنك المركزي بعدن في التراجع عن القرارات، جدد قائد حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، تحذير السعودية من تبعات قرار نقل البنوك من صنعاء وإغلاق مطار صنعاء الدولي، ملوحاً بعواقب اقتصادية خطيرة. مؤكداً أن “الأمريكي يسعى في هذه المرحلة بالتحديد لتوريط عملائه والزج بهم في المعركة بدلاً عنه أو إلى جانبه”.
وفي تلويح بعمليات عسكرية تستهدف الاقتصاد السعودي، قال الحوثي، في كلمة متلفزة تابعها موقع “يمن إيكو”: “إذا كان السعودي مستعداً أن يضحي بمستقبله وأن يخسر خططه الاقتصادية من أجل الإسرائيلي والأمريكي فلن تكون هناك جدوى لخطة 2030 ولا لخطط تطوير مطار الرياض ليكون من أكبر المطارات في العالم”.
ويوم الإثنين الماضي (22 يوليو الجاري) نقل موقع الحرف 28، التابع لحزب الإصلاح المشارك في الحكومة اليمنية، عن مصادر وصفها بأنها وثيقة الاطلاع، تأكيدها أن اجتماعاً لمجلس القيادة الرئاسي عقد، مساء الأحد الماضي، بحضور رئيس الحكومة أحمد بن مبارك والسفيرين السعودي والإماراتي في العاصمة السعودية الرياض، خصص لإلغاء قرارات البنك المركزي في عدن بشأن نقل مراكز البنوك من صنعاء وإلغاء العملة القديمة.
وأكد أن الاجتماع أقر وقف القرارات وإلغاءها استجابة لضغوط دولتي التحالف- السعودية والإمارات- بعد تهديدات أطلقها قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي باستئناف الحرب.
وأمس الثلاثاء أكد المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ- في بيان نشره على موقعه الإلكتروني- تسلمه اتفاقاً مكتوباً من الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله، تنص أولى مواده الأربع على: إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة، مشيراً إلى أن الطرفين طلبا دعم الأمم المتحدة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
واللافت أن الحكومة اليمنية لم يكن لها أي اجتماع مع أنصار الله، إلا فيما يخص ملف الأسرى وهو آخر اجتماع تم عقده في العاصمة العمانية مسقط، فالاجتماعات المتعلقة بالشأن الاقتصادي تمت بين أنصار الله والجانب السعودي، الأمر الذي يؤكد أن الإعلان الأممي بشأن إلغاء قرار البنك المركزي في عدن بنقل المقار الرئيسة للبنوك من صنعاء، بمجيئه بعد ذلك المسار الزمني من الأحداث والتطورات، يأتي كما لو أنه مخرج للسعودية من التورط أكثر باتجاه التصعيد العسكري، خصوصاً مع التهديدات التي أطلقها قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي ضد السعودية، التي جاء قرار البنك المركزي بتوجيه منها وتم إلغاؤه بتوجيه منها.