عبدالناصر المودع
تتطلب حرية الحركة وتأمين الطرق سيطرة جهة واحدة على سكان وجغرافيا المنطقة التي يتحرك فيها سكانها. وموضوع تأمين الطرق وحرية التنقل هو من أهم أسباب قيام الدول، كما أنه من أهم وظائفها. وحين تضعف السيطرة المركزية لدولة ما، وتتعدد الجهات التي تسيطر على جغرافية وسكان الدولة؛ فإن من البديهي أن تُـغلق الطرق الرئيسية، وتقام الحواجز على الطرق الفرعية، وتصعب حركة السكان والبضائع، وتصبح الطرقات غير امنة.
هذه البديهيات يدركها المتصارعون في اليمن جيدا؛ ومع ذلك، نشهد بين فترة وأخرى قيام بعض أطراف الصراع بعمل تظاهرة إعلامية لفتح هذه الطريق أو تلك، وتحميل الطرف الآخر مسؤولية إغلاقها. والملاحظ أن هذه الأطراف تتعمد إختيار المنفذ أو الطريق التي تكون موقنة بأن الطرف الذي يسيطر عليها في الجهة المقابلة سيرفض فتحها.
وعليه؛ أصبح موضوع فتح الطرقات في اليمن مادة للمزايدات الرخيصة لتسجيل موقف أخلاقي زائف من قبل بعض الأطراف، وإتهام خصمه، أو خصومه، بأنهم المتسببين في إغلاقها. وتأتي المزايدة من كون إغلاق الطرق وإقامة الحواجز هي ضرورة تفرضها حالة الحرب والصراع. فجميع أطراف الحرب، دون إستثناء، لا يمكن أن تسمح للسكان القاطنين تحت سيطرة أعدائها بأن يتحركوا بحرية إلى داخل المناطق التي تسيطر عليها.
ولتحقيق هذا الغرض، تتعمد أطراف الحرب إغلاق الطرق الرئيسية الواسعة والسهلة واستبدالها بطرق فرعية ضيقة ووعرة، من أجل أن تصبح عملية التنقل مرهقة وصعبة ومكلفة ماديا، وهو ما يؤدي إلى الحد من الحركة بين مناطق سيطرة الأطراف المتحاربة. فعلى سبيل المثال، حزب الإصلاح والحوثيين، اللذان يتقاسمان السيطرة على بعض مناطق محافظة تعز، لا يمكن أن يفتحوا الطرق الرئيسية التي تربط مناطق سيطرة كل طرف بالطرف الآخر، ويسمحوا بحركة سلسلة للسكان القادمين من مناطق سيطرة الطرف الآخر. ولهذا الغرض أتفق الطرفان، ضمنيا كما يبدو، على فتح طرق فرعية وعرة رفعت من كلفة التنقل وجعلته مرهق بدنيا وأطول زمنيا، وهو ما أدى عمليا إلى تقليص حركة السكان والبضائع للحدود الدنياء. وما ينطبق على طرقات تعز ينطبق على الطرقات في المناطق الأخرى.
ومع ذلك، هناك بعض الحلول الواقعية للتخفيف من حدة هذه المشكلة عبر التفاهمات المباشرة، أو الوسطاء. وهذه الحلول تتطلب كي تنجح التوقف عن المزايدة الرخيصة والاعتراف بأن إغلاق الطرق الرئيسية هي رغبة مشتركة لكل أطراف الصراع، ومن ثم التفاهم فيما بينها لفتح طرق فرعية تكون مقبولة للجميع وتراعي مخاوفهم الأمنية.
وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى عرض الحوثيون بفتح طريقين فرعيين في مدينة تعز، وفتح طريق صرواح مأرب، وهو العرض الذي كان من المفترض على الطرف الأخر القبول به، وإختبار جدية الحوثيين بدلا من الإصرار على فتح الطرق الرئيسية. فهذه الطرق ورغم أنها لن تنهي مشكلة التنقل بين مناطق سيطرة الحوثيين وبقية المناطق؛ إلا أنها بديل أفضل من الوضع القائم. فان يصبح الزمن الذي يقطعه الشخص للتنقل من الحوبان إلى مدينة تعز هو ساعة أفضل من أن يكون 6 ساعات أو أكثر، وهكذا الحال بالنسبة للتنقل بين صنعاء ومأرب.
وحتى تعود الحكومة المركزية القوية التي تسيطر على كل اليمن، والتي تآمرت الأطراف المحلية والخارجية على إضعافها وتدميرها؛ فإن على اليمنيين أن يقبلوا بصعوبة الحركة بين مناطق بلادهم، فالحكومة المركزية القوية هي الجهة الوحيدة التي ستفتح الطرقات وتجعل الحركة سلسلة وآمنة.