يمن إيكو| تقرير:
يتواصل الحديث عن مؤشرات اقتراب التوصل إلى اتفاق سلام في اليمن وفقا لخارطة سعودية تفضي إلى إنهاء الحرب ومعالجة الملفات الإنسانية والاقتصادية بما في ذلك صرف المرتبات، لكن هل قبلت الحكومة اليمنية بالفعل على المضي قدما في هذا الخارطة بجدية أم أنها توافق عليها شكليا استجابة لضغوط خارجية وتختلف مع مضمونها؟
في تهنئة نشرها على حسابه الرسمي في منصة “إكس” بمناسبة ذكرى 30 نوفمبر، ورصدها يمن إيكو، قال رئيس الهيئة العامة لحزب الإصلاح المشارك في الحكومة اليمنية، محمد اليدومي، إن “التحالف الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اذ ينتهز هذه المناسبة ليجدد التأكيد على أن تغييب المكونات الوطنية عن المشاركة في صنع التوافقات لا يمكن ان يفضي الى تحقيق سلام حقيقي ومستدام بقدر ما هو سعي وراء سراب وتشجيعاً للمليشيات الحوثية للتنصل من السلام الحقيقي الذي يستعيد الدولة، وشرعنة سيطرة المليشيا الانقلابية على المناطق الخاضعة للانقلاب وأي جهود إقليمية أو دولية أو أمميه لا ترتكز على مشاركة القوى الوطنية الحقيقية المعبرة عن الكتلة الشعبية لن تنجح وستهدر المزيد من الفرص التي يجب التنبيه بأن ضياعها سيجلب مزيداً من المآسي على شعبنا وعلى الاقليم وعلى الأمن العالمي”.
وأضاف أن “أي مفاوضات لن يكتب لها النجاح ما لم تكن مستندة إلى أهم مرتكزات الحل السلمي الذي يحفظ المركز القانوني للدولة، وإن أي سلام لن يكون شاملاً وعادلاً ومستداماً ما لم يكن وفق المرجعيات الثلاث، الوطنية المتمثلة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والإقليمية المتمثلة في المبادرة الخليجية، والدولية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216، وذلك من أجل المصلحة الوطنية العليا والجامعة، دون التفريط بالثوابت والمكتسبات الوطنية”.
هذا البيان تضمن تأييدا لجهود السلام شكلا وبصورة عامة، لكنه عارض بوضوح مضمونها وتفاصيلها، إذ بات معلوما وبحسب خارطة السلام السعودية نفسها أن الاتفاق الذي يجري مناقشته في المفاوضات منذ بدايتها، يتجاوز تماما المرجعيات الثلاث حيث لا يتضمن الاتفاق أي إشارة ولو ضمنية إلى انسحاب “الحوثيين” وتسليم السلاح وغيرها من الأمور التي تتضمنها هذه المرجعيات، بل أن المفاوضات قد تجاوزت هذه الأمور منذ عدة سنوات.
ولا يختلف موقف “اليدومي” المثير للتساؤل، عن مواقف الحكومة اليمنية المعلنة بصورة متكررة ففي نهاية نوفمبر الماضي وخلال استقباله رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي غابرييل فيناليس وسفراء عدد من دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى اليمن، أكد رئيس الحكومة معين عبد الملك على “ثبات موقف الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي تجاه استئناف العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة واحلال السلام وفق مرجعيات الحل الثلاث، ودعم جهود وساطة الاشقاء في المملكة العربية السعودية” بحسب وكالة سبأ.
وقبل ذلك في منتصف الشهر، وخلال لقاء جمع أعضاء ورئيس مجلس القيادة الرئاسي بالمبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ والسفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن “ذكر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، واعضاء المجلس في هذا السياق، بموقف المجلس والحكومة المنفتح على كافة المبادرات من اجل وقف الحرب، واحياء مسار السلام القائم على المرجعيات المتفق عليها وطنياً واقليمياً ودولياً” بحسب وكالة سبأ أيضا.
وبعد وصول وفد حكومة صنعاء المفاوض إلى الرياض، في سبتمبر أصدرت الحكومة اليمنية بيانا رحبت فيه بجهود السعودية وعمان والأمم المتحدة مؤكدة “استمرار نهجها المنفتح على جميع المبادرات الرامية إلى إحلال السلام العادل والشامل، وفقاً للمرجعيات الثلاث، وبما يضمن إنهاء الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية في اليمن” بحسب صحيفة الشرق الأوسط التابعة للمخابرات السعودية.
وفي أغسطس، قال عضو المجلس الرئاسي سلطان العرادة خلال لقاء مع المبعوث الأممي هانز غروندبرغ في مأرب، إن “مجلس القيادة يجدد تأكيد دعمه والحكومة لجهود المبعوث الاممي لتحقيق السلام في اليمن، مع ضرورة الالتزام بالمرجعيات الأساسية الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار الأممي ٢٢١٦)”.
أما عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي الذي رحب خلال الشهر الماضي أكثر من مرة بجهود السلام، فقد وضع استثناءات مختلفة لموقفه، حيث تحدث منتصف نوفمبر خلال لقاء مع السفيرة الفرنسية لدى اليمن عن “ضرورة وضع إطار خاص لقضية شعب الجنوب يضمن حضورها في جميع مراحل العملية السياسية، لمحوريتها وأهميتها في إنهاء الصراع” بحسب موقع المجلس الانتقالي.
وكان الزبيدي قد صرح في سبتمبر لصحيفة الغارديان البريطانية أنه تم استدعاءه إلى الرياض وبقي لمدة يومين دون لقاء المفاوضين السعوديين، وقال إن الحكومة “لا تعرف شيئا عن المفاوضات إلا من الأخبار”، وذلك بالتزامن مع ترحيب الحكومة اليمنية بجهود السعودية للسلام.
وتشير مختلف هذه المواقف بوضوح إلى أن الحكومة اليمنية تمتلك تحفظات واضحة على خارطة السلام السعودية برغم إعلانها عن تأييدها.
هذا التناقض المستمر بين الترحيب الرسمي بجهود السلام السعودية وبين الحديث المتكرر عن اعتبارات تجاوزتها المفاوضات بوضوح كالمرجعيات الثلاث، يؤكد أن السعودية أجبرت الحكومة اليمنية على الموافقة على خارطة السلام من أجل أن تخرج نفسها من حرب اليمن، وأن تحفظات الحكومة غير مؤثرة في سياق التفاهمات بين السعودية وحكومة صنعاء.
وهذا ما ترجمته التصريحات الأخيرة لرئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط والتي قال فيها إن حكومته قد “قطعت شوطا طويلا” في مسار السلام مع السعودية داعيا إياها إلى البدء بإجراءات بناء الثقة، فيما كان عبد الملك الحوثي قد كشف بوضوح أنه كان هناك “اتفاق وشيك مع التحالف” وأن أمريكا عرقلته للضغط على حكومة صنعاء بشأن موقفها تجاه فلسطين.
ويشير استمرار الحكومة بتأييد الخطوات السعودية للاتفاق مع حكومة صنعاء برغم التحفظات الواضحة إلى ان السعودية قد وجهت تهديدات للحكومة لإجبارها على تأييد خطواتها للخروج من اليمن، وهو أكدته تقارير نشرها “يمن إيكو” سابقا، حول تهديد السعودية للحكومة لمنعها من عدم الإنخراط في أي توجه أمريكي للتصعيد في اليمن، كما يؤكده الاستدعاء الأخير لأعضاء المجلس الرئاسي إلى الرياض والذي كشف موقع “العربي الجديد” في وقت سابق أن تضمن رفضا من وزير الدفاع السعودي لمقترح من بعض أعضاء المجلس لتأجيل الاتفاق مع حكومة صنعاء، كما تريد الولايات المتحدة الأمريكية.
وكان مراقبون قد أشاروا في وقت سابق إلى أن اندفاع السعودية للاتفاق مع حكومة صنعاء برغم الموقف الأمريكي الذي يفضل التأجيل، سببه أن المملكة ترى أن الأمريكيين لا يهتمون بمصالحها بنفس القدر الذي يتعاملون به مع إسرائيل.
ويفسر هذا الموقف ارتباط مؤشرات التصعيد في اليمن بالولايات المتحدة الأمريكية والحكومة اليمنية فقط، وعدم ظهور السعودية في المشهد، حيث يرى محللون أن الحكومة اليمنية تلجأ إلى الولايات المتحدة كمخرج من الضغوط والتهديدات التي تواجهها من السعودية فيما يتعلق بضرورة الانخراط في خارطة السلام.