يمن إيكو| أخبار:
يتصاعد تأثير قرار صنعاء منع السفن الإسرائيلية من عبور باب المندب أو المرور عبر البحر الأحمر، على الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصاً بعد دخول القرار حيّز التنفيذ وما أعقبه من عمليات احتجاز وقصف للسفن الإسرائيلية التي لم تستجب لرسائل التحذير، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في النشاط الملاحي الإسرائيلي، وتحديداً من وإلى ميناء إيلات.
موقع “يمن إيكو” تحرى عن حركة السفن القادمة إلى ميناء إيلات، عقب الهجوم الذي نفذته قوات صنعاء، أمس الأحد، واستهدفت خلاله سفينتين إسرائيليتين في باب المندب.
وأكدت المعلومات التي توفرت من خلال موقع “فيسيل فايندر” المتخصص بتعقب حركة السفن والملاحة العالمية، أنه لم تصل أي سفينة إلى ميناء إيلات خلال الساعات الـ24 الماضية، وأضافت المعلومات أن من غير المتوقع وصول أي سفن خلال الثلاثين يوماً المقبلة.
ويواجه ميناء إيلات ثلاث مشاكل رئيسية أدت لتوقف الحركة التجارية فيه، أولها بدء قوات صنعاء عملياتها الهجومية على المدينة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة، ما جعل الميناء نفسه فاقداً للأمن ومعرضاً للاستهداف، وهو ما تخشاه شركات الشحن، أما الثانية فتتعلق بتراجع الحركة التجارية في مدينة إيلات نتيجة الوضع الأمني والهجمات اليمنية التي دفعت بكثير من السكان للنزوح وتوقف حركة السياحة، أما المشكلة الثالثة فتمثلت في استهداف صنعاء السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وهو ما أدى إلى تغيير بقية السفن وجهاتها ومساراتها، وقد كانت تقصد ميناء إيلات.
وسائل إعلام إسرائيلية أكدت أن عمليات قوات صنعاء في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ضد السفن الإسرائيلية، نجحت في إلحاق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي، حيث قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية: “إن الحوثيين نجحوا بالفعل في الإضرار بالتجارة البحرية الإسرائيلية”، منذ أعلنت شركة “زيم” الأسبوع الماضي أنها ستغيّر مسارات سفنها بعيداً عن الطريق المهاجم في البحر الأحمر.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن السفن ستضطر للإبحار عبر آسيا وصولاً إلى إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي إلى تأخيرات في عمليات التسليم تتراوح بين 30 إلى 50 يوماً، اعتماداً على بلد المنشأ والحاويات.
ونقل موقع “غلوبس” الإسرائيلي- المتخصص في الشؤون الاقتصادية- عن مدير ميناء إيلات “أن تهديدات الحوثيين تؤثر على جميع السفن، بما فيها التي تمر إلى البحر الأبيض المتوسط وإلينا في إيلات”.
كما نقل الموقع نفسه عن مسؤولين في ميناء إيلات، قولهم إنه “لا توجد أي سفن تقريباً تزور الميناء”، وهو ما أكدته أيضاً مصادر في الصناعة الإسرائيلية، مؤكدين أن الميناء “ينوي إخراج العمال وإغلاق بواباته، بسبب قلة العمل وتحويل الاستيراد الذي كان يستقبله ميناء إيلات، إلى ميناء حيفا”.
وكان موقع “غلوبس” الاقتصادي الإسرائيلية، ذكر في وقت سابق من نوفمبر المنصرم، أن السفن التي لها روابط مع إسرائيل اضطرت إلى تغيير مسارها الملاحي والإبحار حول أفريقيا بدلاً من البحر الأحمر لتجنب هجمات الحوثيين قبالة سواحل اليمن.
ونقل عن رئيس قسم الأبحاث في شركة الشحن فريتوس الإسرائيلية، يهوذا ليفين، قوله “إن العديد من السفن التي لها روابط مع إسرائيل اضطرت بسبب الظروف الحالية إلى الإبحار حول أفريقيا، أو التخطيط للقيام بذلك، بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر”. موضحاً أن هذا الطريق سيطيل الرحلة لمدة أسبوعين، ويزيد بشكل كبير من تكلفة نقلها.
وأضاف أن التأثير لا يقتصر على السفن التي لها اتصالات بإسرائيل، فهناك سفن ليس لها أي اتصال إسرائيلي تعبر عادة قناة السويس في طريقها من آسيا إلى الولايات المتحدة وكندا، وهي أيضاً تفكر في الإبحار حول أفريقيا، وهذا سيجعل الرحلة أطول بالنسبة لهم.
إيلاد برشان من شركة موران للشحن الجمركي، تحدث لموقع “غلوبس”: “إن حالة عدم اليقين في الوقت الحالي كبيرة، ولا نعرف من الذي سيقوم بالجولة، ومن سيتخلى تماماً عن القدوم إلى إسرائيل. 30% من التجارة إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب، لكن إسرائيل نقطة صغيرة على الخريطة بالنسبة لشركات الشحن. وأخشى أن تغادرها السفن التي تحمل بضائع إسرائيلية في ميناء ما على الطريق”.
الموقع الاقتصادي الإسرائيلي نقل أيضاً عن هرتسل يفراح، الرئيس التنفيذي لشركة استيراد المواد الغذائية “Big Food Blue and White”، قوله: “إن التأخير حتى لمدة شهر في تسليم البضائع يعد بمثابة أخبار سيئة. “لقد بدأنا في تلقي أخبار من الموردين في الصين تفيد بأن زيم تلغي السفن. أنا مستورد بضائع، وإذا كان النقل الذي استغرق 30 يوماً يستغرق 65 يوماً، فأنا أقل من شهر على الأقل”.
وأشار يفراح إلى أن “جميع الموردين في العالم وجميع شركات الشحن سيكونون خائفين من جلب البضائع إلى إسرائيل. السوق بأكملها تعاني من الركود على أي حال، والوضع يزداد سوءاً”.
ونوه الموقع بأن تكلفة الشحن ارتفعت 300 % وهو ما سينعكس على أسعار البضائع، وإذا كانت العلاوة التي تم فرضها على تأمين كل حاوية ضمن بند مخاطر الحرب 100 دولار قبل عمليات البحر الأحمر فإنها ستصل الآن إلى 800 دولار على الأقل.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لميناء إيلات في كونه الميناء الإسرائيلي الوحيد المطل على بحر غير البحر الأبيض المتوسط، وقد افتتح رسمياً سنة 1955م، ومنذ عام 1985م أصبحت إيلات منطقة تجارة حرة تتمتع بمزايا مالية تعفى من خلالها الشركات من رسوم الاستيراد.
وظهرت هذه الامتيازات إثر اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، إذ أعيد إحياء مشروع أنبوب “إيلات-عسقلان” عام 2021 بعد توقيع اتفاق تقوم بموجبه ناقلات نفط عملاقة بنقل الخام الإماراتي إلى ميناء “إيلات”، ثم ضخه عبر أنبوب إلى ميناء “عسقلان” الواقع على شاطئ البحر المتوسط، ثم إلى دول الغرب.
كما تضاعف عدد ناقلات النفط المتجهة إلى إيلات خمس مرات منذ الاتفاق، علماً بأنّ هذا الأنبوب كان هدفاً لصواريخ الفصائل الفلسطينية عام 2021 ما تسبب في اندلاع حريق في منشأة نفطية بعسقلان.
ويستقبل ميناء إيلات بشكل رئيس سفن شحن السيارات، بالإضافة إلى سفن الحاويات والطاقة والتي تشكل جزءاً كبيراً من دخله الاقتصادي، لكن هذه الميزة كانت أول المتضررين من هجمات قوات صنعاء على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، ومن سوء حظها أن السفينة الإسرائيلية التي احتجزها الحوثيون تدشيناً لقرارهم كانت سفينة نقل سيارات وهي “غالاكسي ليدر”، التي تم احتجازها في التاسع عشر من نوفمبر المنصرم.
وتُعدّ مدينة إيلات إحدى ركائز حدود إسرائيل الأمنية على البحر الأحمر، تحرك لها سفنها الحربية لردع الخطر القادم من الجبهات الأخرى، وينظر إليها باعتبارها بديلاً محتملاً لحركة شحن كبيرة للبضائع بين آسيا وأوروبا.
ومنذ بدأت قوات صنعاء استهداف مدينة إيلات، تأثر اقتصاد المدينة في جانبه السياحي، حيث لم تعد مكاناً آمناً للسياحة والاستجمام كسابق عهدها.
وقد نشر موقع “إسرائيل ديفنس” مقالاً بعنوان: رسالة مفتوحة للرئيس الأمريكي: “الحوثيون في اليمن جبهتكم وليس جبهتنا”، قال فيه إن “الآلاف من اللاجئين يعيشون مع عائلاتهم في فنادق إيلات، المدينة السياحية الجنوبية التي كانت واحة ومقصداً لملايين من سياح الشتاء من العالم وإسرائيل”، مضيفاً “الآن ليس فقط لا يوجد سياح، بل إن سكان إيلات لأول مرة منذ 75 عاماً يبحثون عن ملاجئ”.
كما أضاف استهداف قوات صنعاء السفن الإسرائيلية التجارية المتجهة نحو ميناء إيلات، مشكلة أخرى للاقتصاد الإسرائيلي، كون الميناء يستقبل سنوياً 2.6 مليون طن من حمولات سفن الشحن، وهي إحصائية توافر عليها “يمن إيكو” وفق إحصاءات تعود إلى عام 2012م، ما يعني أن ما يستقبله الميناء قد زاد في السنوات التالية، خصوصاً بعد التطبيع مع الإمارات التي كثفت نشاطها التجاري مع الكيان الإسرائيلي، لكن ليس إلى ما بعد هجمات قوات صنعاء.