تقرير خاص – يمن إيكو
منذ توقيع الهدنة في أبريل 2022، شهد ميناء الحديدة تخفيفاً من القيود التي يفرضها التحالف على دخول سفن الوقود والسلع الغذائية والبضائع، وهذا ما ساهم في عودة النشاط التجاري إلى الميناء، مصحوباً بتراجع ملموس في أسعار السلع التي تضاعفت خلال سنوات الحرب والحصار، نتيجةً لقيام التحالف بتحويل النشاط التجاري إلى الموانئ الواقعة تحت سيطرته، وما نجم عنه من ارتفاع تكاليف النقل، مضافاً إليها تكلفة قرارات الحكومة المعترف بها دولياً برفع الدولار الجمركي من 250 إلى 750 ريالاً.
فعلى مدار 8 سنوات من الحرب في اليمن، أسهمت القيود المفروضة على موانئ الحديدة- الأقرب لـ 80 % من الأسواق اليمينة- في إنتاج الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، بحسب وصف الأمم المتحدة.
قبل اندلاع الحرب عام 2015 كان الميناء بمثابة الشريان الرئيس لاستيراد نحو90% من احتياجات البلاد من المواد الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية والبضائع، لكن الميناء بحكم موقعه، كان في دائرة الاستهداف، عسكرياً وملاحياً، خلال سنوات الحرب.
تعرض الميناء للاستهداف المباشر من قبل التحالف، كما فُرضت قيود على حركة السفن إليه، مما كبده خسائر تجاوزت 3 مليارات و254 مليون دولار، بحسب تصريحات مؤسسة موانئ البحر الأحمر.
اقتصاديون يؤكدون أن القيود التي فرضت على الميناء كانت إحدى أدوات الحرب الاقتصادية التي استخدمها التحالف، من خلال تحويل النشاط التجاري إلى الموانئ الواقعة تحت سلطة الحكومة اليمنية الموالية للتحالف عام 2017، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع بنسب تجاوزت 300 % كنتاج لعدة عوامل، منها رفع الحكومة اليمنية سعر الدولار الجمركي من 250 ريالاً إلى 500، ثم إلى 750 ريالاً، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل من ميناء عدن، ناهيك عن الجبايات وفرض الرسوم غير القانونية على شاحنات نقل البضائع.
كل هذه المعطيات أدت إلى تزايد المطالبات المحلية والدولية بضرورة إنهاء الحصار على ميناء الحديدة، وترافق توقيع الهدنة في أبريل 2022 مع تخفيف نسبي للقيود المفروضة على دخول السفن إلى موانئ الحديدة، إلا أن اتجاه الميناء نحو استعادة حركة الملاحة بوتيرتها المعهودة بدأ في فبراير 2023، حيث شهد الميناء حركة تجارية متزايدة، خاصة مع التسهيلات التي منحتها حكومة صنعاء للتجار والمستوردين، وعلى رأسها الحفاظ على سعر الدولار الجمركي عند 250 ريالاً، مع إمكانية دفع نصف المبلغ نقداً والنصف الآخر بالشيكات، وافتتاح طريق الـ90 البري بعد إعادة تأهيله، من أجل تسهيل نقل البضائع والسلع المستوردة عبر ميناء الحديدة.
وبفعل هذه المتغيرات التي عادت معها حركة استيراد السلع الأساسية والاستهلاكية إلى سابق عهدها عبر ميناء الحديدة، الذي يمد الكتلة السكانية الأكبر والمقدرة بـ 80% من إجمالي السكان في اليمن، بكافة السلع الأساسية المستوردة، فإن المواطن كان لا بد أن يلمس أثراً في أسعار هذه السلع، سيما وأن كلفة إدخالها وكلفة نقلها داخلياً حتى تصل إلى المستهلك قد انخفضت بنسب معينة.
حكومة صنعاء من جهتها، أخذت كل ذلك بعين الاعتبار، وأصدرت عدداً من القوائم السعرية، تحدد فيها السقوف العليا للسلع الاستهلاكية، وفقاً لمتغيرات الأسعار عالمياً، وكذا كلفة الاستيراد والنقل، ومنذ توقيع الهدنة في العام الماضي كانت حكومة صنعاء قد أصدرت أربع قوائم سعرية، كل واحدة منها تضمنت تخفيضاً لأسعار تلك المواد والسلع.
دراسة ميدانية أجراها موقع “يمن ايكو”رصدت التغيرات السعرية لعدد من أبرز السلع الغذائية الأساسية في السوق المحلية، ومدى ارتباطها بالتغيرات في أسعار الغذاء عالمياً منذ توقيع الهدنة في ابريل 2022 إلى يونيو الجاري.
• ارتفاع أسعار الغذاء في اليمن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية
أدت الحرب الروسية الأوكرانية (فبراير 2022) إلى تَعطيل سلاسل التوريد العالمية، ودَفَعَت بأسعار الغذاء والوقود والأسمدة إلى مستويات قياسية.
وكما هو معلوم فإن الاتحاد الروسي وأوكرانيا يستحوذان على نحو 30 % من صادرات القمح في العالم، و20% من صادرات الذرة، وتعطل صادراتهما مثلَّ صدمةً قوية لأسواق الحبوب وأدى إلى ارتفاع أسعارها عالمياً بنسبة 17.1% على أساس شهري.
وإجمالاً سجلت أسعار الغذاء في العالم قفزة كبيرة في مارس 2022 لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث سجل مؤشر أسعار منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” (المتضمن خمسة مؤشرات للحبوب والزيوت واللحوم والسكر والألبان) 159.3 نقطة، بزيادة 33.6% عما كان عليه في مارس 2021.
على ضوء هذه المتغيرات أصدرت وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء في مارس الماضي القائمة السعرية الثالثة منذ توقيع الهدنة، والتي تضمنت خفض سعر كيس الدقيق عبوة 50 كجم إلى 15900 ريال بانخفاض قدره 9.7% عن سعره في ديسمبر الماضي، فيما انخفض سعر زيت الطبخ (النخيل) 20 لتراً إلى 15500 ريال بنسبة 12 %، كما انخفضت أسعار الأرز المزة عالي الجودة عبوة 40 كجم إلى 34000 ريال بنسبة انخفاض بلغت 2%، بينما لم تشهد أسعار السمن والبقوليات أي تغيير وظلت على أسعارها المسجلة في ديسمبر.
• الأسعار العالمية للغذاء تسجل انخفاضاً قياسياً
في مايو المنصرم أكدت منظمة الـ”فاو” انخفاض أسعار الغذاء عالمياً إلى أدنى مستوياتها منذ عامين، حيث سجل مؤشر الغذاء 124,3 نقطة متراجعاً بنسبة 2,6% عن شهر إبريل الماضي، وأقل بنسبة 22% عن المستوى القياسي المسجل في مارس 2022، عقب الحرب الروسية الأوكرانية.
مع استمرار وتيرة الانخفاض العالمية أصدرت وزارة التجارة والصناعة بصنعاء قائمة سعرية جديدة تضمنت خفض سعر كيس الدقيق عبوة 50 كجم من 15900 ريال في مارس الماضي إلى 14200 بنسبة 10.7%، فيما انخفض سعر زيت الطبخ (النخيل) 20 لتراً من 15500 ريال إلى 15000 ريال بنسبة خفض بلغت 3 %، فيما لم تطرأ تغيرات تذكر على أسعار بقية السلع الغذائية.
وبشكل إجمالي، فمنذ توقيع الهدنة مطلع ابريل عام 2022م إلى يونيو الجاري، انخفض سعر كيس الدقيق عبوة 50 كجم من 21500 ريال إلى 14200 بنسبة 34%، فيما انخفض سعر زيت الطبخ (النخيل) 20 لتراً من 26200 ريال إلى 15000 ريال بنسبة 43 %، أما السمن عبوة 900 جرام فقد انخفض من 2200 ريال إلى 1500 بنسبة 32 %، وكذا انخفضت أسعار البقوليات عبوة 400 جرام بنسب تتراوح بين 29- 22%، كما انخفضت أسعار الأرز المزة عالي الجودة عبوة 40 كجم إلى 34000 ريال مقارنة بـ 39000 بنسبة انخفاض بلغت 13%.
وتعد هذه الأسعار هي السقوف العليا الملزمة للتجار في مناطق حكومة صنعاء، مع إمكانية البيع بأسعار أقل في إطار التنافس التجاري.
• للمرة الأولى أوروبا تنقلب على قوانين التجارة الحرة وتتدخل في الأسعار
على الرغم من الانخفاض القياسي لأسعار الغذاء العالمية، استمرت موجة التضخم غير المبررة في أسعار السلع الغذائية بأوروبا، الأمر الذي دفع بالأوروبيين لأول مرة للانقلاب على قوانين التجارة الحرة التي دافعوا عنها لعقود، حيث اتجهت عدة حكومات أوروبية لفرض سقوف أسعار للسلع.
في بريطانيا اتهم نواب البرلمان مصنِّعي الغذاء بتعمدهم “التربح” واستغلال الوضع لزيادة هامش أرباحهم، وأصبح من الشائع إطلاق وصف “تضخم الجشع” على تلك الممارسات.
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن وزير الخزانة “جيريمي هنت” قوله، “تستمر أسعار الأغذية في الارتفاع، لذا نحن بحاجة إلى فهم ما الذي يدفعها للصعود، وسأطالب قيادات صناعة الغذاء بالعمل معنا نحو هدف خفض معدلات التضخم إلى النصف”.
دول وسط وشرق أوروبا اتجهت إلى فرض سقف سعر للمواد الغذائية بهدف حماية الأسر الأكثر معاناة، وهذه هي المرة الأولى منذ نصف قرن التي تفرض فيها دول أوروبية سقف سعر وتتدخل في السوق الحر للسلع لمواجهة ارتفاع الأسعار البالغ 16.6%.
على الصعيد المحلي استنكر الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية والغرفة التجارية بأمانة العاصمة، عبر بيان له، القوائم السعرية الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء، التي تتضمن تخفيضاً لأسعار السلع الاستهلاكية، معبراً في الوقت نفسه عن استغرابه من إصرار الوزارة على إصدار هذه القوائم.
قوبل البيان بهجوم واسع من الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين انتقدوا محاولة بعض التجار النافذين في الغرف التجارية استغلال قوة الاتحادات التجارية بهدف التخلص من الرقابة السعرية، في حين أكد اقتصاديون أن الانخفاض القياسي في أسعار الغذاء العالمية يبرر الإجراءات المتخذة من قبل وزارة التجارة بحكومة صنعاء، خاصة مع المميزات والتسهيلات التي منحتها الحكومة للمستوردين عبر ميناء الحديدة، والتي هدفت أساساً إلى التخفيف عن المواطنين وخفض أسعار السلع الأساسية في الأسواق المحلية.
تعليق واحد