تقرير خاص- يمن إيكو
في مؤتمر استضافته بريطانيا وهولندا، الخميس الماضي (الرابع من مايو،) أخفقت الأمم المتحدة في جمع الأموال الإضافية التي قالت إنها تحتاجها لاستكمال تمويل عملية تفريغ الناقلة النفطية صافر، العائمة قبالة سواحل الحديدة غرب اليمن، في مؤشر يشي بعقبات إضافية قد تؤجل البدء الإجرائي في عملية الإنقاذ.
وأكد بيان أصدرته الخارجية البريطانية، أن مؤتمر التعهدات الجديد لم يجمع سوى 8 ملايين دولار فقط، من أصل 29 مليون دولار إضافية طلبتها الأمم المتحدة لاستكمال تمويل خطة الإنقاذ التي طال الحديث عنها، موضحاً أن دولاً وشركات ومنظمات دولية شاركت في المؤتمر لجمع مبلغ حيوي لتمكين الأمم المتحدة من تنفيذ العملية التي يتمثل الغرض منها في منع انسكاب النفط قبالة سواحل اليمن.
وفي أواخر إبريل المنصرم كشفت الأمم المتحدة عن تطورات جديدة تغيرت بموجبها تكلفة إنهاء خطر صافر المحتمل، مطالبة بـ 32 مليون دولار من المانحين، لبدء عملية إنقاذ خزان صافر، بعد أن جمعت 97 مليون دولار، في وقت سابق، قبل أن تعلن الثلاثاء الماضي عن مؤتمر تعهدات جديد لجمع 29 مليون دولار للبدء في تنفيذ الخطة.
تأتي هذه التطورات وسط تحذيرات مستمرة من خطورة التأخير الأممي للحظة البدء الإجرائي في خطة الإنقاذ، وتحت شعارات وذرائع تتلون في كل مرة، ولم تعد هذه الذرائع مستساغة ومقبولة، ما يثير التساؤل حول ما وراء ارتفاعات تكلفة الخطة الأممية لإنقاذ الخزان؟ حسب المراقبين.
ويرى المراقبون أن خزان صافر العائم تحول بفعل الإهمال والتأجيلات الأممية إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، فيما الأمم المتحدة المعنية بمنع ذلك تجمع في كل فترة عشرات الملايين من الدولارات، مؤكدين أن استطالة الإجراءات إهدار للجهود والوقت والمال، وتدفع باتجاه وقوع الكارثة.
ويشدد خبراء النفط والبيئة على ضرورة أن تبدأ الأمم المتحدة في الخطوات الإجرائية لإنقاذ الخزان المتهالك في أسرع وقت ممكن، وعدم الانتظار حتى سد الفجوة التمويلية البالغة 21 مليون دولار، خصوصاً ولدى الأمم المتحدة الآن التمويل اللازم للشروع في عملية الإنقاذ، مؤكدين أن خطوة مثل هذه ستعيد للأمم المتحدة ثقة المانحين وبالتال سد الفجوة القائمة.
وحسب التعديلات التي طرأت على الخطة الأممية ارتفعت تكلفة المرحلة الأولى من 80 مليون دولار، إلى 129 مليون دولار، كما قفز إجمالي تكلفة منع الكارثة بمرحلتيه (الأولى والثانية) من 144 مليون دولار إلى 193 مليون دولار.
وترجع البيانات الأممية تطورات التكلفة إلى ارتفاع تكاليف إيجار السفن أو شرائها، حيث ارتفعت من 13 مليون دولار كانت مخصصة لشراء السفينة الجديدة قبل الحرب الروسية الأوكرانية، إلى 55 مليون دولار مطلع مارس 2023م.
غير أن ذلك التعليل غير منطقي في نظر المراقبين، خصوصاً والمؤشرات الواقعية تؤكد أن الأمم المتحدة بددت تمويلات سابقة خلال السنوات الأربع الماضية كانت قد جمعتها لغرض تقييم وضع الخزان وصيانته، لتنفقها في مسارات أخرى خارج المهمة.
وأعلنت الأمم المتحدة في مارس الماضي عن شراء الناقلة “نوتيكا” التي أبحرت من الساحل الصيني صوب اليمن، لإزالة أكثر من مليون برميل نفط من السفينة المتهالكة “صافر”، متوقعة أن تصل الناقلة في منتصف مايو الجاري، وهو ما اعتبره الخبراء تأخيراً كبيراً، غير أن تطورات التكلفة قد تحول دون البدء في إجراءات الإنقاذ.
هذه المعطيات تحيلنا إلى تقديرات الأمم المتحدة للخسائر المحتملة لحدوث أي تسرب نفطي في خزان صافر والتي قد تصل 20 مليار دولار، وهي كلفة تُعدُّ- مع هذه التطورات- ضرباً من المبالغة والتهويل، ليكون التغيير في تكاليف عملية الإنقاذ المرحلية من 144 مليون دولار إلى 194 مليون دولار أمراً مقبولاً، لكن هذا المنطق ينطوي على استغلال لحقيقة خطر صافر في عملية غير نزيهة، حسب ما ألمح إليه الخبير الاقتصادي أيمن العاقل.
وأكد العاقل أن عملية شراء السفينة بنحو 55 مليون دولار، جاء مخالفاً لبيانات المشروع المنشورة على مواقع الأمم المتحدة، والمنشورة على موقعها الإلكتروني، وفي بيانات البرنامج الإنمائي، والتي كانت رصدت 13 مليون دولار لاستئجار السفينة لمدة 18 شهراً، متسائلاً: من يوقف هدر عشرات ملايين الدولارات؟”، في خطط لم ترَ النور منذ سنوات تحت شعارات الخطة الأممية الطارئة لإنقاذ الخزان.
واعتبر العاقل أن التعديلات الأممية غير واضحة المعالم حتى اليوم في مضمون الخطة، مشيراً إلى أن التكلفة للمرحلة الأولى- وفقاً لأحدث بيان أممي- ارتفعت إلى 129 مليون دولار، تلقت الأمم المتحدة منها 97 مليون دولار، ولا تزال تُطالب بمبلغ 32 مليوناً، لإكمال موازنة كلفة المرحلة الأولى فقط.
وأضاف أنه ما لم تكن هناك تعديلات على كلفة المرحلة الثانية- التي حُدّدت حسب الخطة الأولية بأكثر من 64 مليون دولار- فإن هذا المبلغ يُضاف إلى تكلفة المرحلة الأولى، ليصبح إجمالي العملية على مرحلتين نحو 193 مليون دولار.
الخطير- من وجهة نظر العاقل- يتمثل في أن رُبْع هذا المبلغ الإجمالي، تقريباً، ذهب قيمة سفينة جديدة، بينما ثلاثة أرباع المبلغ ستذهب في نفقات تشغيلية ونقل، وأن إفراغ النفط وبيعه قد لا يتطلب حتى 1% من المبلغ الإجمالي.
خلاصة القول: إن الأمم المتحدة وجدت في ملف صافر الذي طال الحديث عن قنبلته الموقوتة، فرصة لحشد التمويلات منذ بداية الحرب والحصار في اليمن، عبر تهويلها للعالم والمانحين الذي ضخوا الملايين من الدولارات، تارة، والصمت عنه عندما لا ترى في إثارة خطره أي هدف، تارةً أخرى، وتارةً ثالثة يستخدم الخزان كورقة حرب سياسية تتمثل في تجيير مسؤوليات إهماله على أي من أطراف الحرب في البلاد.