بقلم: هوارد ديفيز
عندما يُـفـلِـس أحد البنوك تتحول الأنظار حتما باتجاه القائمين على تنظيمه. من كان نائما على عجلة القيادة؟ ومن الذي فشل في رصد علامات التحذير؟ ولا يستثنى من هذا إفلاس بنك سيليكون فالي.
في الولايات المتحدة، توجه هذه الأسئلة غالبا إلى هيئات مختلفة عديدة، لأن النظام هناك معقد ويصعب على الأجانب فهمه. ولهذا، يأتي الاستنتاج غالبا على هيئة نسخة مقلوبة من ملاحظة جون ف. كينيدي الشهيرة بعد خيبة خليج الخنازير، ومفادها أن “النجاح له آباء كُـثُـر، لكن الفشل يتيم”. غالبا ما يكون لإخفاقات البنوك الأميركية العديد من الآباء ــ وكل منهم يتنصل من أبوتها.
سوف ينشغل الكونجرس بالنظر في مسألة انهيار بنك سيليكون فالي قبل أن يمر وقت طويل، وسوف نكتشف المزيد. في غضون ذلك، بوسعنا أن نتبين بعض الحقائق الواضحة. كان بنك سيليكون فالي مُـعفى من الإشراف الـمُـعَـزَّز بموجب قانون الإغاثة التنظيمية من عهد ترمب. وهذا يعني على سبيل المثال أنه لم يكن مضطرا للخضوع لاختبارات الإجهاد، التي كانت لتكشف ــ وربما تمنع ــ عدم تطابق الاستحقاق في بنك سيليكون فالي. علاوة على ذلك، رأينا كيف سمح الإعفاء لمدة خمس سنوات من قاعدة فولكر، التي تحظر تداول الملكية بواسطة البنوك، لبنك سيليكون فالي بالاستثمار في صناديق رأس المال الاستثماري. وكما أعلن موقعه على الإنترنت بفخر: “هناك العديد من الطرق لوصفنا. البنك واحد فقط”.
كانت الهيئات التنظيمية الرئيسية المشرفة على بنك سيليكون فالي هي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي يعمل من خلال بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ومؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، وبصفتها بنكا مُـستأجَرا من قِـبَل الدولة، إدارة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا، التي يُـلـمِـح اسمها إلى مزيج معقد مريب من الرقابة والترويج. الواقع أن مفوض هذه الإدارة محام له خلفية في المنظمات الرياضية.
نعرف أيضا حقيقتين أخريين من المحتمل أن تكونا على صِـلة وثيقة بهذا الأمر. استحوذ بنك سيليكون فالي على بنك بوسطن الخاص في يونيو/حزيران 2021، وتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن الكيان الـمُـدمَـج “لن يفرض مخاطر كبيرة على النظام المالي في حالة حدوث ضائقة مالية”. من الواضح أن شيئا ما تغير منذ ذلك الحين. وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو مطلعا على شؤون بنك سيليكون فالي، خاصة وأن رئيس بنك سيليكون فالي التنفيذي كان عضوا في مجلس إدارته إلى أن أفلس البنك.
بطبيعة الحال، من قبيل التبسيط الـمُـخِـل أن نَـدَّعي وجود علاقة سببية بين شذوذ الجهاز التنظيمي في الولايات المتحدة والمشاكل التي يتعرض لها أي بنك فردي. لكن من المفيد أن ننظر في تصورات القوى الفاعلة الرئيسية في الانهيار المالي الأخير حول البنية التنظيمية التي كانت مُـلزَمة بالعمل من خلالها.
في مذكراته بعنوان “اختبار الإجهاد: تأملات في الأزمات المالية”، أشار تيموثي جايثنر، الذي تولى رئاسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ثم وزارة الخزانة الأميركية لاحقا، إلى أن “نظامنا الإشرافي الحالي، بما ينطوي عليه من إقطاعيات متنافسة وحوافز منحرفة تشجع الشركات على التفتيش عن الضوابط التنظيمية الودودة، كان عامرا بفوضى عفا عليها الزمن”. وفي تأملاته الخاصة في تلك الفترة المضطربة، زعـم هانك بولسون، الذي سبق جايثنر في منصب وزير الخزانة، أن الولايات المتحدة في احتياج إلى “إطار أفضل ينطوي على قدر أقل من الازدواجية ويقيد قدرة الشركات المالية على انتقاء واختيار الهيئات التنظيمية الأقل صرامة في عموم الأمر، في ممارسة تُـعـرَف بمسمى المراجحة التنظيمية”.
وهنا نجد مثالا نادرا على الاتفاق بين الحزبين.
لم تفعل إصلاحات دود-فرانك المالية، التي اسـتُـنَّـت في أعقاب أزمة 2008، إلا أقل القليل لمعالجة هذه المشكلات البنيوية. وقد جرى دمج مكتب الإشراف على الادخار في مكتب المراقب المالي للـعُـملة، كما أُنـشـئ مكتب جديد لتوفير الحماية المالية للمستهلك ــ ليضيف اختصارا آخر إلى حساء الأبجدية. لكن بقية النظام التي كانت بغيضة للغاية في نظر جايثنر وبولسون فقد تُـرِكَت على حالها.
واصَـل رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق بول فولكر الكفاح من أجل التبسيط حتى وفاته في نهاية عام 2019. في عام 2015، نـشـر تحالف فولكر غير الربحي لائحة اتهام شديدة القسوة للنظام ورسم مخططا لبنية أكثر تماسكا.
كانت العناصر الأساسية صريحة ومباشرة: تكليف بنك الاحتياطي الفيدرالي بتعزيز المسؤولية الشاملة عن الاستقرار المالي، وتقليص حجم مجلس مراقبة الاستقرار المالي، الذي كان التناوب على عضويته سريعا بين كل الهيئات المتنوعة المشارِكة في التنظيم المالي في مختلف أنحاء البلاد، ووضعه تحت سيطرة الاحتياطي الفيدرالي، ودمج لجنة الأوراق المالية والبورصات ولجنة تداول السلع الآجلة في عملية إعادة الهيكلة. (الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تتولى فيها كيانات مختلفة تنظيم الأوراق المالية النقدية ومشتقاتها).
أوصى تحالف فولكر أيضا بإنشاء هيئة إشرافية احترازية جديدة، وكالة مستقلة يمكنها دمج كل الوظائف الاحترازية التي يتولاها الآن بنك الاحتياطي الفيدرالي، ومكتب المراقب المالي للعملة، ومؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، ولجنة الأوراق المالية والبورصات، ولجنة تداول السلع الآجلة، التي تشرف حاليا على السماسرة وصناديق أسواق المال.
ستكون النتيجة إنشاء نظام “أكثر بساطة ووضوحا وقدرة على التكيف، وأعظم قدرة على الصمود، والذي كان ليحصل على التفويض للتعامل مع النظام المالي كما هو قائم الآن وكان ليتمكن من مواكبة المشهد المالي المتطور”.
من المؤسف أن فولكر لم يعد معنا ليدفع في اتجاه الإصلاح. ولكن أينما كان، فربما يسمح لنفسه برسم ابتسامة حزينة على وجهه إزاء الأحداث الأخيرة. ترقى هذه الأحداث إلى كونها دليلا إضافيا على أن النظام في الولايات المتعدة معطل وظيفيا. في الوقت الحالي تعمل السلطات الأميركية عمل مكافحي الحرائق، وينبغي لنا جميعا أن نأمل أن تنجح. ولكن عندما تنتهي الأزمة القصيرة الأمد، فقد تنفض الغبار عن تقرير فولكر. الواقع أن تحليلاته تمس الوضع اليوم بدرجة كبيرة والتوصيات واضحة وقبلة للتطبيق، تماما كما كان المرء ليتوقع من شخص أشرف على الغابة التنظيمية الحالية لأكثر من عشر سنوات. لا يزال النظام لا يعمل على النحو اللائق، وهو في احتياج إلى الإصلاح قبل أن يكشف عن أوجه القصور التي تعيبه مرة أخرى.
* هوارد ديفيز، أول رئيس لسلطة الخدمات المالية في المملكة المتحدة (1997-2003)، ورئيس مجلس إدارة رويال بنك أوف سكوتلاند. وكان مدير كلية لندن للاقتصاد (2003-11) وشغل منصب نائب محافظ بنك إنجلترا والمدير العام لاتحاد الصناعة البريطانية.