تقرير خاص – يمن إيكو
بفعل مشروع الإمارات التفكيكي في اليمن، لكي تسهل السيطرة على ثرواته، تحولت المطالب الشعبية التي رفعتها المجتمعات المحلية في المحافظات النفطية اليمنية ومنها محافظة شبوة، والمتمثلة بحصول تلك المجتمعات على حصتها القانونية من عائدات النفط والوظائف، إلى يافطات ترفعها الفصائل والنخب الموالية للتحالف، وبالأخص الانتقالي المدعوم إماراتياً، تطالب بإنشاء شركة نفطية خاصة بمحافظة شبوة، أطلقت عليها شركة “بتروشبوة” على أساس مناطقي يتذرع بالمقارنة غير المنطقية بشركتي “بترومسيلة” في حضرموت، و”صافر” في محافظة مارب.
ناشطون اعتبروا هذا التطور اللافت في المطالب الشبوانية التنموية (التي داسها الإصلاح الموالي للتحالف قبل الانتقالي) خروجاً واضحاً عن الدستور والقوانين اليمنية الناظمة لخطوط السيادة على الثروات في كل ربوع الوطن، ومحاولة مفضوحة تعكس مشروع الإمارات التفكيكي والتجزيئي لمجتمع محافظة شبوة، فكيف حدث هذا الخروج؟ وما جوهر المغايرة في هذه المقارنة؟ وكيف التقى الانتقالي المدعوم من الإمارات والإصلاح (الحليف القديم للتحالف والممكن الرئيس له من السيطرة على نفط البلاد)؟
يشار إلى أن من الحقوق المحلية المشروعة، بل والمكفولة لكل أبناء المجتمعات المحلية المحيطة بمكامن الثروات النفطية والغازية وغيرها من الثروات المعدنية، المطالبة بالنسبة القانونية من الوظائف والعائدات، شريطة أن تعكسها الدولة في المشاريع التنموية لتلك المحافظات، لا أن تكون هذه النسبة موزعة على أصحاب النفوذ في تلك المحافظات.
وتمتلك شبوة ثروة نفطية جعلتها المحافظة اليمنية الثانية من حيث الثروات النفطية، حيث بلغ إنتاجها النفطي عام 2014م (قبل الحرب والحصار)، إلى 81 ألف برميل يوميّاً، موزّعة على الحقول النفطية الثلاثة: عسيلان 50 ألف برميل، العقلة 30 ألف برميل، عياد ألف برميل، وتشير البيانات إلى أن محافظة شبوة تمتلك 23 قطاعاً نفطياً، منها خمسة قطاعات إنتاجية واثنا عشر قطاعاً استكشافياً وستة قطاعات مفتوحة.
تلك الموارد، أسالت لعاب التحالف منذ ما قبل الحرب، ومنذ سيطرته على محافظة شبوة، قبل سبع سنوات وعبر أدواته القديمة في حكومة هادي، والأحمر الذي يقود الإصلاح، ظلت موارد شبوة النفطية تُنهب وتُسرق من الأنابيب بشكل منظَّم كُشفَ للرأي العام المحلي والأجنبي، وسط تأكيدات واقعية أن من يقف خلفها لا يخرج عن الجماعات الموالية للتحالف، من الإصلاح والمؤتمر وغيرهم من الفصائل المنضوية تحت حكومة هادي في الرياض.
وفيما المحافظة تعيش أسوأ أزمات خانقة في الوقود والكهرباء والمواصلات وغيرها، استمرت عملية النهب والسرقة لإنتاج قطاع العقلة S2 وقطاع مالك 9 وقطاع عياد 4 في محافظة شبوة، حيث كان يتم نقلها بالقاطرات إلى قطاع عياد ٤ في شمال عتق، ليتم تحميل ما يتم تجميعه من تلك القطاعات، وبمعدل مليون برميل أو أقل شهرياً، وضخها عبر الأنبوب المتهالك (عياد – النشيمة)، ومنها يصدر إلى الخارج من خلال التحالف الذي يسيطر عبر القوات الإماراتية على منشأة بلحاف الغازية.
وعلى أثر ذلك خرجت الاحتجاجات الشعبية في محافظة شبوة إلى الشوارع على مدار السنوات الماضية، مطالبة برحيل القوات الإماراتية، مؤكدة رفضها استئناف إنتاج النفط بالآليات التي مكنت قيادات الإصلاح النافذة، وعلى رأسها قائد الجناح العسكري للحزب علي محسن الأحمر، من تقاسم قطاعات المحافظة، ومشددة على ضرورة حصول المحافظة على نصيب مناسب من عائدات الإنتاج والعمالة، كشرطٍ أساسيّ لاستئناف الإنتاج، وهنا استغلت الفصائل الموالية للتحالف بمن فيها الإصلاح المدعوم من الرياض حينها، والنخبة الشبوانية التابعة للانتقالي المدعوم إماراتياً، هذه الشعارات وركبت موجة الاحتجاجات التي وصلت إلى مشارف بلحاف وهددت باقتحام منشآتها وطرد القوات الإماراتية.
تلك الظروف التي كان يستغل الإصلاح الموالي للتحالف مدها الشعبي ومطالبها المشروعة، ليس حباً في المواطنين، بل ليبقى هو من يهمين على موارد وقطاعات النفط، نهباً وتفريطاً في السيادة وحماية لقوات التحالف المسيطرة على نفط شبوة ومارب وحضرموت، غير أن تاريخ السابع من ابريل 2022م- الذي توافق فيه التحالف على استبدال هادي والأحمر بمجلس رئاسي مكون من قيادات ثمانية فصائل كلها موالية للتحالف؛ شكل نقطة تحول جديدة أتاحت للانتقالي مجالاً للحركة على حساب شريك التحالف المخلص (الإصلاح) في السيطرة على الموارد اليمنية، فخاض الانتقالي معارك شرسة من وقتها على طريق إحلاله بديلاً للإصلاح في محافظة شبوة إلى أن سيطر على مديريات المحافظة كلياً في أغسطس 2022.
وخلال الأشهر الماضية (التي تلت قرارات الرياض في السابع من إبريل 2022) شهدت محافظة شبوة عدّة حوادث تفجير للأنابيب الواقعة على خط نقل الغاز المسال، والممتد من القطاع 18 النفطي- الذي يحتضن قرابة 10 تريليونات قدم مكعّب من الغاز الطبيعي، وتسيطر عليه جنة هنت الأمريكية- الواقع بمديرية عسيلان، إلى ميناء بلحاف، وتبعاً لتلك الأحداث، سعت الإمارات إلى فرض الانتقالي وسلطاته على محافظة شبوة، لتنفيذ مشاريع تفكيكية تستهدف المحافظة أكثر من أي وقت مضى، حيث رعى مؤخراً ندوة- عقدت في المركز الثقافي بمدينة عتق عاصمة المحافظة الأحد الماضي- مطالباً بإنشاء الشركة، بغية حشد الأصوات الشعبية لصالحه، فيما لا يريد سوى السعي الواضح لمزيد من تفتيت أبناء المحافظة النفطية ليسهل للقوات الإماراتية ديمومة السيطرة على مواردها النفطية.
الخطير في هذه المطالب، هو أن الانتقالي المسنود بالقوات الإماراتية المسيطرة على الأرض، وبعد سيطرته المطلقة على محافظة شبوة يريد أن تكون هذه الخطوة التأسيسية على أساس مناطقي بعيداً عن السيادة اليمنية والمصلحة الشعبية التي كفلها الدستور في النفط والغاز والمعادن كثروات قومية لكل أبناء الشعب، غير أن الأخطر هو أن الانتقالي بمقارنة وضع هذه الشركة المراد إنشاؤها بـ “بترومسيلة” و”صافر” يتجاوز حقيقة أنهما شركتان وطنيتان تتمثل فيهما السيادة اليمنية والمصلحة الشعبية، وإن كانت هاتان الشركتان تحت السيطرة الكاملة لدول التحالف، فهذا الوضع المؤقت لن يستمر.