تقرير خاص – يمن إيكو
فيما يظل صرف رواتب اليمنيين هو الركيزة الأولى لإيقاف حالة التدهور الاقتصادي والمعيشي لكافة شرائح الشعب اليمني.. تصر الأمم المتحدة على مواصلة خطاب استجداء العالم مزيداً من المنح والتمويلات القطاعية لاستمرار أعمالها التنفيذية لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن.
ففي آخر نداءاتها، نشرت الأمم المتحدة على موقعها الرسمي تقريراً إنسانياً، حذر فيه مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) من إمكانية ارتفاع الاحتياجات الإنسانية في عموم اليمن- بما في ذلك خطر المجاعة في بعض المناطق خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، ما لم يتم تأمين تمويل إضافي.
وأكد الأوتشا أنه مع حلول نهاية يوليو المنصرم، تم تمويل عدد قليل من القطاعات بنحو ربع التمويل المطلوب، فقطاع الأمن الغذائي والزراعة حصل على 26% من التمويل المطلوب البالغ 2.1 مليار دولار لتقديم المساعدات الغذائية لنحو 17.4 مليون شخص، غير أن القطاعات الأكثر نقصاً تمويلياً هي: آلية الاستجابة السريعة (0%)، والتعليم (4%)، والمياه والصرف الصحي والنظافة (7%).
وفيما تم تمويل قطاع الصحة بنسبة 25% من مبلغ 398 مليون دولار المطلوب، لتقديم خدمات الرعاية الصحية لـ 12.6 مليون شخص.. لم تؤمّن مجموعة قطاع التغذية سوى 23% من 442 مليون دولار لمساعدة نحو 6.5 مليون شخص بالدعم التغذوي، أما قطاعات المأوى والمواد غير الغذائية، والتنسيق والخدمات المشتركة، واللاجئون والمهاجرون، والحماية، فحصلت على: (18% و16% و13% و11%) على التوالي.
إحصاءات مقلقة بالنسبة للأمم المتحدة، التي لم تتوقف عن إطلاق الدعوات إلى تمويل أنشطتها، ونداءات كلها تهدف لحشد أكبر قدر من التمويلات، ومع ذلك يلوح في أفق تدفق المساعدات من المانحين انسداد كبير، ناجم عن انحسار غير مسبوق للتفاعل مع أزمة استطالت على حدودها المنطقية، لعوامل وإن تغلف معظمها بالركود العالمي إلا أن جوهرها يعكس تراجعاً واضحاً في مؤشر الثقة بالبرامج والمنظمات الأممية وشركائها من المنظمات المدنية التي تنفق 80% من التمويلات في المجالات التشغيلية ومرتبات موظفيها.
الأهم في سياق الحديث عن مفارقات مساعي الأمم المتحدة لحشد التمويلات، ومهمة الضغط على الحكومة المعترف بها دولياً إزاء صرف الرواتب، هو سؤال المطلب الملح على المستوى الاقتصادي والمعيشي المتمثل في: إلى أي مدى ستعالج عملية صرف رواتب موظفي الجهاز الإداري اليمني، معضلة نقص التمويل.؟ وفي الوقت نفسه إلى أي مدى ستوقف التدهور الاقتصادي والمعيشي المستمر جراء توقف صرف المرتبات؟
السؤال الأخطر، هو ما الذي تقدمه التمويلات التي تحشد تحت شعار الاستجابة الإنسانية في اليمن..؟ مقابل الأثر الفعلي الذي يحدثه صرف رواتب أكثر من 1,2 مليون موظف يمني على المستوى المعيشي وعلى مستوى الدورة الاقتصادية نفسها..؟ فيما يبقى الأمرِّ من ذلك أن الإجابة تفيد بأن ما تقدمه البرامج الأممية الموصولة بالمساعدات الغذائية على سبيل المثال للحصر، لا يخرج عن سلة غذائية شهرية أو كل شهرين لكل موظف يمني يعول أسرة يبلغ متوسط عددها بين 5-10 أفراد، لا تكفيه أكثر من 10 أيام، أما في الآونة الأخيرة فقد تراجعت السلة الغذائية التي كانت 90 كيلو من الدقيق و5 كيلو سكر و5 كيلو رز 5 لترات زيت، إلى 40 كيلو جراماً من الدقيق فقط، تحت حجة نقص التمويل، بينما تظل الرواتب والنفقات التشغيلية للمنظمات عند حدودها المعروفة بدون نقصان.
وفي مقابل ذلك، يتوقف على صرف الرواتب دورة الحياة اليومية الاقتصادية للمجتمع اليمني ككل، فالموظف الذي يستلم راتبه لا يحتاج إلى مساعدة من أحد، بل يتسبب في دوران الحركة التجارية بإنفاق راتبه على البقالة والبسّاط والأدوات المدرسية وفي مختلف المجالات، فينعكس على حركة السوق والأيدي العاملة وغيرها من مسارات النشاط الاقتصادي.
وتبعاً لذلك فإن انقطاع المرتبات- منذ نقل وظائف البنك المركزي اليمني إلى عدن في سبتمبر 2016م- يعد أهمّ أسباب الانهيار الاقتصاديّ الذي يشهده الاقتصاد اليمنيّ، وإنّ استمرار عدم صرف المرتّبات يقود ملايين من البشر إلى مجاعة، وإصابة الحركة الاقتصاديّة بشلل كبير، فالموظّفون هم أساس تحريك الاقتصاد اليمنيّ وتداول العملة في البلد.
أخيراً، يظل الدفع الأممي، خصوصاً خلال الهدنة، بالعملية التفاوضية باتجاه صرف الرواتب لجميع موظفي القطاع الحكومي اليمني، هو الخيار الأقرب والأنسب لاستعادة الدورة الاقتصادية والمعيشية اليمنية، بدلاً من أن تظل الأمم المتحدة تدير أعمالها وتعيش على استجداء العالم- باسم الشعب اليمني- مضاعفة التمويل؛ في ظل تجاهل أهمية وضرورة صرف مرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة ومعاشات المتقاعدين.