تقرير خاص – يمن إيكو
لا جدوى من كل التحذيرات التي أطلقتها مراكز الأبحاث وكبار خبراء البيئة والصحة والاقتصاد، خلال سنوات الحرب التي دخلت عامها الثامن في مارس الماضي، فمظاهر التلوث قد بدت جلية على مقومات محافظة شبوة الاقتصادية والإنتاجية والصحة المجتمعية، جراء حوادث التسرب النفطي في المحافظة، حيث يؤكد المواطنون أن هناك تراجعاً كبيراً في المحاصيل الزراعية في المناطق التي تتعرض للتلوث، وكذلك تلاشي غطائها النباتي الذي انعكس على الثروة الحيوانية.
الأخطر من ذلك حسب المصادر المحلية الرسمية في المحافظة هو الاستهداف الممنهج للأراضي الزراعية والغطاء النباتي والثروة الحيوانية والثروة السمكية، عبر تجميع النفايات الكيميائية ومخلفات الأسلحة الأمريكية في مناطق واسعة في المحافظة، ومنها في المناطق الزراعية والغابات النباتية والمناطق السواحلية التي تتسرب أضرارها إلى البحر متسببة في نفوق حجم كبير من الأسماك والأحياء البحرية.
وقبل يومين شكا مواطنو منطقة عياذ في محافظة شبوة من قيام شركات نفطية بدفن مخلفات نفطية ومواد كيميائية بالقرب من أحيائهم السكنية، وتحديداً في أحد الأماكن القريبة من الردمية التي تمر بها قاطرات نقل النفط بين “العقلة” و”عياذ”.. مؤكدين أن التلوث قد ظهر في آبار المياه، جراء طمر مخلفات سابقة أحدثت أضراراً كبيرة في الأراضي الزراعية، وتفشي الأمراض المختلفة.
هذا الاستهداف الواضح للبيئة والصحة المجتمعية والموارد الاقتصادية ليس الأول، فقد حذر خبراء البيئة في وقت سابق من أن استمرار التسرب النفطي وعلى مدى الأعوام الماضية، منذ اكتشاف فتحات التسرب في يونيو 2017م، ومن ثم تفجيره في يونيو 2019م كفيل بأن يقضي على صلاحية الأراضي الزراعية في كافة الأودية التي يمر بها الأنبوب، محملين الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية مسؤولية الكارثة البيئية التي شملت المراعي والأحياء الحضرية والأراضي الزراعية.
صحياً.. أكد خبراء الطب أن “التركيبة الكيميائية للماء الراجع والمخلفات السائلة لآبار إنتاج النفط معقدة جداً، إذ تحتوي على أملاح ذائبة وهيدروكربونات وعناصر ثقيلة ومركبات عضوية وغير عضوية محتوية على إشعاعات خطرة جداً، تسمى بالمواد المشعة الطبيعية التي توجب قوانين البيئة عالمياً على الشركات أن تتخلص من هذه السوائل بحقنها في باطن الأرض حيث مناطق الإنتاج، وليس على سطح الأرض.. محذرين من ارتفاع عدد المصابين بالسرطان في أوساط سكان محافظات شبوة ومارب وحضرموت النفطية، جراء دفن النفايات النفطية والتعامل السلبي مع نواتجها السائلة.
وتعرضت عدد من مديريات محافظة شبوة لتلوث نفطي خطير، امتدت آثاره لمسافات شاسعة، طالت المزارع والآبار المحيطة، أضرت بشريحة واسعة من المواطنين، حيث يعتبر سكان المديريات المنتجة (من مواطنين ومزارعين وملاك أراضٍ زراعية) كـ”عرماء و”جردان” والمديريات التي يمر بها الأنبوب النفطي من قطاع 4 في غرب عياذ (منطقة التجمع) إلى ميناء النشيمة على البحر العربي، وهذه المديريات هي: جردان ـ عتق ـ الصعيد ـ حبان ـ الروضة ـ ميفعة، ومديرية رضوم التي يقع فيها ميناء النشيمة.
مدير عام فرع الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة شبوة “محمد سالم رويس مجور”، التابع للحكومة الموالية للتحالف، اتهم الأربعاء الشركات النفطية العاملة في المحافظة باستهداف البيئة والصحة المجتمعية، وقتل المواطنين، مشيراً في بيان له، إلى أن أبناء شبوة يكابدون أقسى صور المعاناة في أروقة المستشفيات لمعالجة الأمراض المستعصية، كالسرطان والكلى ونقص المناعة والإجهاض المبكر، جراء ما تفرزه المخلفات النفطية وغيرها من الأمراض التي تؤدي في الغالب إلى الموت والهلاك بعد تجرعهم سموم التلوث البيئي والصحي.
وأوضح مجور أن فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بالمحافظة قرر رفع دعوى قضائية ضد الشركات النفطية العاملة في شبوة، وأن الهيئة تعد حالياً ملفات متكاملة عن الجرائم البيئية والصحية التي ارتكبتها شركة الاستثمارات النفطية والمعدنية وشركة omv النمساوية، وشركة “الحنبلي” لنقل النفط، مؤكداً أن الشركات المذكورة تنصلت عن اتفاقات سابقة معها بخصوص معالجات انتهاكات البيئة.
انتهاكات البيئة التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، من قبل الشركات النفطية، وتخليها عن الالتزامات التي توجبها مبادئ المسؤولية الاجتماعية المنصوص عليها في كل قوانين الشركات والمشاريع الصناعية في العالم.. ستظل قائمة وستمتد أضرارها إلى الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والثروة والسمكية، والغطاء النباتي، مسرعة في زحف معضلة التصحر، بسبب غياب المؤسسات الرقابية للدولة، الذي يعد السبب الأول والأخير لتخلي تلك الشركات عن مسؤوليتها الاجتماعية إزاء البيئة والمجتمعات المحلية المجاورة لمناطق الإنتاج النفطي.
يذكر أن دفن المخلفات النفطية بمحافظتي مأرب وشبوة من قبل الشركات النفطية العاملة في اليمن، يعد مخالفة للمواد (22، 53، 57، 79) من القانون رقم (26) لسنة 1995بشأن حماية البيئة، واتفاقية بازل التي صدقت عليها اليمن، إضافة إلى عدم التزام هذه الشركات بتنفيذ المادة 85 من قانون حماية البيئة، والقصور في اتباع البروتوكول العالمي للتخلص من النفايات النفطية، وانعدام رقابة وزارة النفط.