يمن ايكو
مقالات

ما هو تأثير ثقافات الشعوب على اقتصادها؟

 

بقلم : فدوى سعد البواردي

تعود التفسيرات الثقافية للظهور على السطح، فيما يخص التنمية الاقتصادية، حين يحاول الاقتصاديون الإجابة على سؤال طرح قديماً، وهو: لماذا تصبح بعض الدول أغنى من غيرها…؟

في القرن العشرين، كانت التفسيرات الثقافية لعدم المساواة في الثروات بين الدول غير مقبولة لدى الاقتصاديين، وكان هنالك سببان رئيسيان لعدم القبول. السبب الأول هو ظهور “اقتصادات النمور الآسيوية” حينذاك، والتي دحضت الفكرة القائلة بأن الثقافات الغربية فقط هي التي يمكن أن تتمتع بنجاح اقتصادي كبير. وكان السبب الآخر هو الانتشار المتزايد للبيانات، مما أدى إلى ظهور المزيد من النظريات الكمية لتفسيرات الأسواق وكذلك التفسيرات الاقتصادية ذات العلاقة، بعيداً عن أي تفسيرات ثقافية.

أما قرب نهاية القرن العشرين، فقد عاد الاقتصاديون من جديد إلى طرح المحور الثقافي، كمصدر محتمل للإجابة على أسئلة أساسية حول السلوكيات المالية للأفراد، خاصة حين بدأ الاقتصاديون في رؤية مخاطر فرض السياسات الاقتصادية في الدول بدون الالتفات إلى ثقافات شعوبها.

وهناك العديد من السيناريوهات التي لا يمكن للاقتصاد وحده تفسير السلوك المالي بها، والذي ينبع من قبل مجموعات معينة. وعلى سبيل المثال، غالباً ما يُظهر المهاجرون في الدول الصناعية الكبرى سلوكاً مختلفاً، عن المواطنين، بالرغم من كونهم يعيشون في البيئة الاقتصادية نفسها. وتتشكل هذه الفروق من بعض العوامل مثل الدخل ودرجة التعليم للوالدين، وبالتالي قد تؤثر في خط عمل الأسرة أو البزنس الخاص بالعائلة. فعلى سبيل المثال، نجد كثيراً من المهاجرين الإيطاليين يتجهون في مشروعاتهم إلى منتجات الأغذية الإيطالية والملابس، والتي يستمدونها من ثقافتهم. ونجد أيضاً الكثير من المهاجرين من شرق آسيا يتجهون إلى العمل في شركات التقنية، ويقومون بإنشاء العديد منها. بينما نجد المواطنين غير المهاجرين، في أغلب الأحوال، يتجهون إلى العمل في البنوك والمصارف والشركات.

ومن خلال تحديد المعتقدات الثقافية التي تنتشر في البلدان الأكثر إنتاجية وابتكاراً، يمكننا تعزيز فهمنا للظروف اللازمة للنجاح الاقتصادي. بمعنى آخر، يمكننا إدراك أنه إذا استثمرنا أكثر في رأس المال المادي أو في التمويل أو في التكنولوجيا، فمن المحتمل أن ينمو الاقتصاد أكثر.

ومن الجدير بالذكر أن وجود قوة في الروابط الأسرية في بلد ما قد ينعكس على التنمية الاقتصادية لتلك الدولة، فعادة ما تعني الروابط الأسرية القوية المزيد من الشركات العائلية الناجحة. ويوجد الكثير من الأمثلة لعائلات حول العالم تمكنت من تعزيز وجودها في السوق ودعم الاقتصاد في مجالات عديدة، مثل البنوك وسلاسل المتاجر والماركات المشهورة.

واليوم، تزداد قناعة الكثير من الاقتصاديين بأن النمو الاقتصادي لا يمكن تفسيره بدون وجود العديد من العوامل المختلفة، بدءاً من مؤسسات الدول واستراتيجياتها وتقنياتها إلى معتقداتها الثقافية وبيئتها وتاريخها وتراثها. والاستفادة من جميع تلك العوامل، بما فيها العوامل الثقافية، هو ضمان لنجاح ونمو اقتصادي أكبر.

أترك تعليقاً