بقلم : مارسيلو استيفاو
في جميع بلدان العالم، يعد دفع الضرائب من بين أكثر تعاملات المواطنين مع الحكومة صعوبة واستهلاكاً للوقت. أما للحكومات، فيعد تعزيز الامتثال الضريبي وتحصيل الإيرادات الكافية أمراً ضرورياً لتمويل المنافع والخدمات العامة.
ويعد هذا الأمر السبب في لجوء إدارات الضرائب إلى تنفيذ التحول الرقمي والعمل على ميكنة أنظمتها.
ويمكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيا إلى إصلاحات ضريبية ناجحة ومستدامة، ويضمن فرض الضرائب المناسبة على الاقتصاد الرقمي، ويقلل من المعوقات التي تحول دون الامتثال.
وقد أدت جائحة كورونا، التي أحدثت طفرة في استخدام التجارة الرقمية، إلى جعل هذا التغيير أمراً ملحاً إلى حد كبير لإدارات الضرائب.
في واقع الأمر، أحرز هذا التحول تقدماً سريعاً على مدار العقد الماضي، حيث انخفضت تكلفة التكنولوجيا الرقمية وأصبح استخدام الأدوات القوية اللازمة لتطوير التطبيقات أكثر سهولة.
ومن الأمثلة على ذلك انخفاض التكلفة؛ حيث أصبح التخزين السحابي اليوم أرخص بنسبة 50 % مما كان عليه قبل بضع سنوات.
ويعد ظهور البيانات الضخمة عاملاً مهماً في هذا التحول لأنه يمكن أن يتيح التحقق من المعلومات بسهولة، ما يعزز امتثال دافعي الضرائب (الممولين).
وبصفة عامة، تشير التوقعات إلى أن حجم البيانات العالمية التي يمكن الحصول عليها من مقدمي خدمات الدفع عن طريق الهاتف المحمول، وآلات تسجيل النقود الإلكترونية، والأسواق على شبكة الإنترنت، والمصادر الرقمية الأخرى سيتضاعف نحو ثلاث مرات في الفترة 2020-2024.
إضافة إلى ذلك، فإن التحول الرقمي يأتي مدفوعاً بالتقدم السريع الذي تشهده التجارة الإلكترونية، التي من المتوقع أن تتوسع بنسبة 24 % في الفترة 2020-2025، ما يجعلها جزءاً له أهمية متزايدة من القاعدة الضريبية.
ويعمل الاستخدام المتزايد لأنظمة المدفوعات غير النقدية، أيضاً، عن طريق الهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى، على تعزيز هذا التغيير. ويمكن لإدارات الضرائب مراجعة هذه المدفوعات بسهولة، وغالباً ما توفر سجلاً رقمياً يمكن تدقيقه.
إن التحول الرقمي يجعل الأمور أسهل على السلطات عن طريق تخفيف العبء الإداري، ما يمنح المسؤولين مزيداً من الوقت للتركيز على الأنشطة ذات القيمة الأعلى.
وهو يتيح أيضاً للسلطات تبسيط الإجراءات وتقليل عبء الامتثال على دافعي الضرائب.
وتظهر الأبحاث، على سبيل المثال، أن عملية التحول الرقمي في كوريا الجنوبية قد قللت تكاليف الامتثال بنسبة تصل إلى 19 % في الفترة 2011-2016.
في ظل وجود هذه التغييرات الجارية، من المرجح أن تبدو الضرائب مختلفة كثيراً في المستقبل. بدلاً من تخزين كميات هائلة من بيانات دافعي الضرائب، سيتاح للإدارات إمكانية الوصول إلى الدفاتر المشفرة الموزعة التي تمكنها من رصد المعلومات عن الضرائب بسلاسة وبصورة آنية. ولهذا الأمر فائدة إضافية تتمثل في جعل إدارات الضرائب “أقل وضوحاً” للجمهور.
وسيتزايد دعم قرارات إدارات الضرائب وتعزيزها بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ستجب مراقبة النظام عن كثب لاكتشاف الأخطاء. ويمكن أن تصبح إدارات الضرائب مستودعات لمزيد من البيانات الحكومية.
ومن شأن هذا الأمر أن يمنحها دوراً مركزياً في صياغة السياسات الاقتصادية، ما يمكن واضعي السياسات من مراجعة المعاملات التي تتم في الاقتصاد وإتاحة إمكانية التنبؤ على نحو أفضل. ومن الممكن أن يصبح النظام الضريبي أكثر سهولة من حيث الاستخدام.
وقد تشمل الخدمات الإقرارات الضريبية التي تستوفى مسبقاً، وتمكين دافعي الضرائب من الاطلاع على معلومات تقديم الإقرارات الخاصة بهم، ومشاركة البيانات مع البنوك لتسريع الموافقات على الائتمان، إلى جانب استفسارات الباحثين والمجتمعات المحلية عن الملفات الضريبية التي تراعي المحافظة على الخصوصية.
وستعمل إدارات الضرائب على تبسيط التعامل بين دافعي الضرائب ومسؤولي الضرائب، على سبيل المثال، عن طريق ربط أنظمة المحاسبة للشركات بالمنصات التي تتيحها إدارات الضرائب لتقديم الإقرارات الضريبية إلكترونياً وخدمات الدفع الإلكتروني.
وعلى الرغم من جميع الفوائد التي يحققها هذا التحول، فإنه يواجه تحديات كبيرة، حيث تظهر الأبحاث أن معظم مبادرات التحول الرقمي لا تكلل بالنجاح. فمن بين 1.3 تريليون دولار تم إنفاقها في العام 2018، تم إهدار ما يقدر بنحو 900 مليار دولار.
ولتحقيق النتيجة المرجوة، يجب أن يدرج التحول الرقمي في الأنظمة الضريبية تحالفاً واسع النطاق من الأطراف المعنية لتنفيذ الإصلاحات القانونية اللازمة وتوفير التمويل المطلوب.
ويجب أن يركز هذا التحول أيضاً على تحقيق القيمة عن طريق تبسيط الإجراءات وجذب دافعي الضرائب على نحو دائم إلى استخدام نظام تقديم الإقرارات الضريبية إلكترونياً، ومنظومة الدفع الإلكتروني، والمستندات الإلكترونية. ويمكن تحقيق القيمة من خلال تخفيض تكاليف الامتثال، وزيادة اليقين الضريبي، ورفع مستوى الامتثال.
إضافة إلى ذلك، يجب أن يهدف الإصلاح إلى تغيير الثقافة السائدة لتتحول من إدارة العمليات إلى إدارة البيانات، ويتعين على الإدارات أن تركز على الحصول على البيانات الصحيحة.
وقد أخبرنا مسؤولو أحد البلدان مرتفعة الدخل أنه توجد أخطاء في 15 % من ملفات دافعي الضرائب، وأن 98 % من الإقرارات الضريبية يمكن استيفاؤها مسبقاً ببيانات من البنوك.
أخيراً، يجب على إدارات الضرائب إدخال أنظمة قابلة للتطوير والتشغيل البيني التي يمكن استخدامها على مستوى الإدارات، وفي المقر الرئيسي، وعلى المستوى الميداني.
وقد تكون هذه العملية مرهقة، إلا أنه بتوفير التمويل والمساعدة الفنية، قدم البنك الدولي بالفعل الدعم للجهود التي يبذلها مسؤولو الإدارات بشأن تفعيل الميكنة والرقمنة في عشرات البلدان، ما يعود بالفائدة على الحكومات والمواطنين على حد سواء.
* مدير عام، الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار في البنك الدولي