بقلم: جان نولتي وخوسيه غاريدو
تخيل لو أنك ذهبت لدفع ثمن قهوتك الصباحية فأطلقت بطاقة القيمة المخزنة الخاصة بك رسالة خطأ، أو أن المحفظة المخزنة في تطبيق الدفع على هاتفك لم تفتح لأن الشركة التي تقدم خدمات الدفع أفلست. والأسوأ من ذلك، ماذا لو كنت تعيش في منطقة ريفية وكانت خدمة النقود الإلكترونية التي تحصل عليها عبر هاتفك المحمول هي مدخلك الوحيد للنظام المالي؟ بل ماذا لو كانت حكومتك قد أصبحت تعتمد على نظام النقود الإلكترونية على نطاق واسع من أجل تحويل الاستحقاقات أو تحصيل الضرائب؟
إن أشكال النقود الرقمية– بما في ذلك العملات الرقمية للبنوك المركزية، والعملات المستقرة المشفرة الصادرة عن كيانات خاصة، والعملات الإلكترونية– لا تزال تتبلور وتطرق سبلاً جديدة لكي تصبح أكثر اندماجاً في حياة الناس اليومية. والنقود الإلكترونية، في الأساس، هي تمثيل رقمي لعملة الإبراء القانوني التقليدية تضمنها جهة الإصدار.
ويقوم العملاء بمبادلة النقود العادية بنقود إلكترونية يمكنهم استخدامها بسهولة لأداء المدفوعات على الفور عبر تطبيق على هواتفهم المحمولة، سواء كان ذلك بين الأفراد أو مؤسسات الأعمال. ومقارنةً بأشكال النقود الرقمية الأخرى التي ظهرت مؤخراً، مثل العملات المستقرة، فإن النقود الإلكترونية موجودة منذ فترة وتشهد توسعاً سريعاً في قاعدة عملائها.
وعلى عكس معظم العملات المستقرة الصادرة عن كيانات خاصة، فإن النقود الإلكترونية تعمل ضمن إطار خاضع للتنظيم. وبالنسبة للأجهزة التنظيمية والرقابية المكلفة بحماية المستهلكين وتهيئة الظروف التي تكفل المنافسة العادلة بين كل الوسطاء الماليين، قد يكون من الصعب مواكبة سرعة التطورات الجديدة.
فينبغي للأجهزة التنظيمية والرقابية، والحال هذه، أن تنظر في أفضل السبل لحماية العملاء من فشل مصدري النقود الإلكترونية (الذي يحتمل أن يكون فشلاً نظامياً)، بما في ذلك الحيلولة دون خسارتهم لأموالهم.
ويبحث خبراء الصندوق في دراسة جديدة هذه السيناريوهات وغيرها مما قد يجعل العملاء، وربما نظم النقود الإلكترونية، عرضة للخطر. وننظر أيضاً في كيفية تطور الممارسات التنظيمية في كل بلد على حدة، كما نطرح مجموعة من التوصيات على صعيد السياسات بشأن تنظيم عمل الجهات المصدرة للنقود الإلكترونية وحماية أموال العملاء.
يمكن أن نفكر في النقود الإلكترونية باعتبارها مخزناً إلكترونياً للقيمة النقدية في بطاقة مدفوعة مسبقاً أو جهاز إلكتروني، غالباً ما يكون هاتفاً محمولاً، قد يكون استخدامه شائعاً في أداء المدفوعات. وتمثل القيمة المخزنة أيضاً استحقاقاً إلزامياً على مصدر النقود الإلكترونية يستطيع بموجبه عملاؤه المطالبة في أي وقت بسداد الأموال التي استخدموها في شراء النقود الإلكترونية.
والنقود الرقمية جزء أساسي من حياة مليارات الناس، وخاصة في كثير من البلدان النامية، حيث يتعذر على الكثيرين الاستفادة من الجهاز المصرفي. وكما يوضح الرسم البياني أدناه، فإن النقود الإلكترونية تستخدمها الآن نسبة كبيرة من السكان في عدد من بلدان شرق إفريقيا، مما يضفي عليها أهمية من المنظور الكلي-المالي.
فمن المقدر، على سبيل المثال، أن ثلثي السكان البالغين في كينيا (حيث بلغت خدمة “إم-بيسا” لتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول درجة عالية من اختراق السوق) ورواندا وتنزانيا وأوغندا مجتمعين يستخدمون النقود الإلكترونية بصفة منتظمة. وكثير منهم لا يملكون حسابات مصرفية أو أي سبل أخرى للاستفادة من النظام المالي الرسمي، وبالتالي فهم يخزنون نسباً كبيرة من أموالهم المتاحة للتصرف في محافظ أموال إلكترونية ويصلون إليها باستخدام الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر.
حماية النظم المالية والمستهلكين على السواء
ومع تزايد أهمية مُصدِري النقود الإلكترونية، من الضروري وجود إطار شامل وقوي لتنظيم حركة أموال العملاء وحمايتها. فينبغي إخضاع جهات الإصدار لمتطلبات تنظيمية احترازية تتناسب مع المخاطر. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن ترسي هذه الجهات نظماً لحوكمة المخاطر التشغيلية وإدارتها بغية تحديد المخاطر والحد منها.
وينبغي أيضاً حظر انخراطها في أنشطة الإقراض بالتجزئة. ولحماية المستهلكين الذين قد يكونون أقل تعمقاً من عملاء البنوك في الإحاطة بالعمل المصرفي، ينبغي وضع قواعد تحكم كيفية إفصاح جهات الإصدار عن الرسوم، وحماية بيانات المستهلكين، ومعالجة الشكاوى.
ومن أهم التدابير التنظيمية التي حددتها دراستنا ضرورة قيام الجهات المصدرة للنقود الإلكترونية بتطبيق آليات لحفظ أموال العملاء وفصلها عن الأموال الأخرى بهدف حمايتها. فينبغي أن تحتفظ هذه الجهات بمجمع آمن للأموال السائلة يعادل مبالغ أرصدة العملاء، على أن تُحْفَظ بشكل منفصل عن الأموال الذاتية لجهة الإصدار.
ويمثل هذا الإجراء أداة أساسية للوقاية من سوء استخدام الأموال ومن المنتظر أن يتيح، مبدئياً، استرداد هذه الأموال في حالة إفلاس المُصْدِر.
غير أن إبقاء أموال العملاء منفصلة عن غيرها لا يحل كل المشكلات إذا فشلت جهة إصدار ربما تكون ذات أهمية نظامية. وفي غياب قواعد محددة للإفلاس، لا يكفي الفصل وحده لضمان سرعة وصول العملاء لأموالهم، وقد يتسبب انفصام الصلة على هذا النحو في خلق مشكلات حادة إذا قامت جهة الإصدار بدور قد يكون نظامياً في نظام المدفوعات وفي المعاملات اليومية للبلد المعني.
إشكاليات محتملة
قد تحتاج الأجهزة التنظيمية والرقابية إلى درجة كبيرة من الدعم لوظيفة الإشراف الاحترازي وترتيبات حماية المستخدمين، حسب نموذج العمل القائم وحجم نظام النقود الإلكترونية. وفي البلدان التي تتسم فيها جهات إصدار النقود الإلكترونية أو قطاعاتها بأهمية نظامية محتملة، ينبغي السعي لأن تحافظ أدوات الحماية المستخدمة على أموال العملاء وضمان استمرارية خدمات الدفع الحيوية.
وبينما سعت بعض البلدان إلى توسيع نطاق تأمين الودائع ليشمل النقود الإلكترونية، فإن مزيداً من الجهود في هذا الصدد قد يكون مطلوباً لتفعيل هذه الحماية وضمان تطبيقها عملياً بصورة فعالة.
وعلى وجه الخصوص، ينبغي ألا يفقد العملاء سبل الوصول إلى أموالهم، وبالتالي ينبغي أن تكون الخدمات قابلة للاستئناف أو الإحلال على وجه السرعة، ويفضل أن يتم ذلك في غضون ساعات. ولكن التطبيق العملي لودائع النقود الإلكترونية يظل أرضاً غير مطروقة حتى الآن– على الأقل في الواقع العملي- وينبغي النظر بعناية إلى التكاليف والمنافع التي يحققها توسيع تغطية تأمينات الودائع فعلياً لتشمل النقود الإلكترونية.
وكما هو الحال مع العديد من القضايا في مجال التكنولوجيا المالية، لا تزال الممارسات الفُضْلى في طور التكوين، وقرارات صنع السياسات محفوفة بالتحديات. غير أن الجائحة ما كان منها إلا أن عززت أهمية الأطر الرشيدة للنقود الإلكترونية، في ظل الزيادة المتسارعة لعدد المعاملات التي تتم عبر شبكة الإنترنت والنمو المطرد الذي تشهده النقود الإلكترونية. أما بالنسبة للأجهزة التنظيمية والرقابية، فقد حان الآن وقت العمل.
* جان نولتي- خبير أول لشؤون القطاع المالي في إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي. خوسيه غاريدو- مستشار أول في إدارة الشؤون القانونية بالصندوق.