تقرير خاص
ضمن سياق لعبة الحفاظ على الربحية فقط، وما دون ذلك هو الموت جوعاً، شهدت في اليومين الأخيرين مناطق سيطرة التحالف في اليمن تراجعاً لحظياً لأسعار صرف الدولار من 1750 ريالاً يمنياً، إلى 1330 ريالاً.
التعافي في قيمة الريال الذي يُعدّ الأكبر منذ بدء سقوطها من 700 ريال للدولار في أواخر 2017م، إلى أعلى مستوى له في ديسمبر 2021م حيث سجل سعر الدولار 1750 ريالاً يمنياً، لم ينعكس على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية التي ظلت في مسارها الصعودي، ما يؤكد حقيقة أن أسعار الصرف لم تعد مقياساً لتبادلات السوق، فصعودها بات ضرباً من الكارثة، وتراجعها مصدراً لمشكلات جديدة، وفي كلتا الحالتين يظل المواطن هو الضحية.
مصادر محلية في مناطق سيطرة التحالف قالت الخميس: “إن محلات الجملة لبيع المواد الغذائية أغلقت أبوابها في عدد من المدن بوجه المواطنين، رفضاً لتسعيرة جديدة أقرتها الغرف التجارية في تلك المناطق، عقب التعافي اللحظي الذي شهدته قيمة الريال أمام العملات الصعبة”.. موضحة أن إصرار التجار على إغلاق محلاتهم يعكس تمسكهم بأسعار ما قبل نزول الصرف، معللين ذلك بأن السلع الغذائية السابقة نفدت، وأن الموجودة حالياً في مخازنهم تم توفيرها بأسعار مرتفعة وبيعها بالتسعيرة المعلن عنها يكبدهم خسائر فادحة.
واستنكر ناشطون ممارسات التجار، وإخفاءهم لعدد من السلع الغذائية، من أجل رفع أسعارها خارج التسعيرة المحددة ورفضهم الالتزام بتعميم الغرف التجارية بالأسعار الجديدة المخفضة، تماشياً من انخفاض سعر الصرف.. مؤكدين أن الغرف التجارية ليست جهة ضبطية، بقدر ما هي جهة تنظم كيان القطاع الخاص وفق تمويل من القطاع نفسه، وتالياً لذلك فتعميم الغرفة بشأن خفض أسعار المواد الأساسية ليس ملزماً للتجار ما لم تنفذه جهة ضبطية تعبر عن سلطة الدولة.
مواطنو عدن وحضرموت ولحج وأبين وعدد من المدن في مناطق سيطرة التحالف، هددوا بتصعيد احتجاجاتهم تنديداً بسعي التجار إلى عدم استفادة المواطن من أي تحسن تشهده قيمة الريال، مطالبين الجهات المعنية بتحمل مسؤوليتها تجاه هذه الممارسات التجويعية والتلاعب بأقواتهم، ومحاسبة المتلاعبين والرافضين فتح محلاتهم وبيع السلع التي يخفونها.
وشكا المواطنون من أن غالبية التجار تعمدوا البيع بالعملة الأجنبية إبان ما وصل سعر صرف الريال السعودي الى 450 ريالاً يمنياً، وعقب التعافي الطفيف في أسعار العملة تعمدوا البيع بالعملة اليمنية تهرباً من الانخفاض، وهو استغلال واضح لحاجة الناس.. لافتين إلى أن التجار تحججوا بالأمس بعدم قدرتهم على تخفيف الأسعار لتكون معقولة وموائمة لقدرة المواطنين الشرائية، نظراً لكونها مستوردة بالدولار وهو في سقوف مرتفعة، واليوم يخفونها كي يقل عرضها في السوق، فيبقى سعرها كما كان أو يرتفع لمستويات قياسية.
ويرى المراقبون أن أسعار السلع الأساسية، وبالذات الغذاء في مناطق التحالف صارت في مربع اللاعودة، ولم يعد باستطاعة حكومة حكومة هادي أو القطاع الخاص ضبط إيقاع الأسواق وفق نظام سعري يؤثر ويتأثر بمسار سعر صرف الدولار، مرجعين ذلك إلى غياب المؤسسات الرقابية والإشرافية، وتغول جشع التجار المعبر عن الرأسمالية الطامحة للكسب فقط على حساب حاجات المواطنين الفقراء، الذين لم يعد بمدخراتهم النقدية ما يجاري مسار الصعود الصاروخي لأسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.
وأكد المراقبون أن ما يجري في مناطق سيطرة التحالف يعكس الاختلال التام للمنظومة السعرية، الذي يعني من منظور “مؤشر البؤس” الوصول إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، حتى لو أتيح لحكومة هادي والقطاع الخاص الوصول إلى كل أشكال الدعم الخارجي، فسمة الفساد والتغول الرأسمالي الربحي، هي المسيطرة على تبادلات السوق التجارية، وفي منأى عن التأثر بعوامل الأزمات والتراجعات في أسعار الدولار، وهي ترجمة عملية للمؤامرة الأمريكية في استمرار تفاقم الأزمات ليسهل سيطرتها– عبر أدواتها- على موارد اليمن النفطية والغازية عبر الفك النهائي لحتمية الارتباط بين أسعار الغذاء وأسعار الصرف، والتخلي العلني عن نظام ذلك الارتباط المعهود في كل الأسواق العالمية.