تقرير خاص
كعادتها في أسواق مناطق سيطرة التحالف لم تتراجع أسعار المواد الغذائية قيد أنملة، أو بدرجة بسيطة يشعر معها المواطن المنهك تحت انهيار قدرته الشرائية وجنون الأسعار، أن لديه فرصةً ما لأخذ نفسه أمام تلاحق الأزمات وتراكم معاناته جراء تداعياتها الاقتصادية والمعيشية.
الأكثر خطورة وقسوة على المواطن أنه لم يعد أمله معلقاً بأي تراجع محتمل تحت ضغط التراجع اللحظي لسعر الدولار بين فينةٍ وأخرى، أو أي تراجع مقرون بدعم مالي تعلنه المؤسسات الدولية لأسعار المواد الغذائية، أو لإحساس التجار بأن الأسعار قد خرجت عن قدرته الشرائية، بقدر ما أصبح المواطن يتمنى أن يتوقف مسار الصعود، ولو لحظة معينة تقرن بتحقق أحد العوامل السابق ذكرها.
لا يبدو أن العوامل المذكورة في وارد القطاع الخاص المعني بإنتاج أو استيراد وتجارة السلع الغذائية، فحجج تجاره التي تبرر الارتفاعات السعرية لا حدود لها، خاصة في ظل غياب المؤسسات الرقابية والضبطية، فتراجع سعر الدولار حجته واضحة فهو تراجع لحظي لا ينعكس على السلع التي تم شراؤها وهي مخزنة، كما أنه لا يشكل شرطاً لخفض الأسعار، فوصفه لحظي يكفي بوصم الإجراءات بالفاشلة، وحكومة هادي لم تعد مصدراً للثقة، حسب تعبير التجار الذين يؤكدون أن صدمات انهيار العملة وفق معادلة التراجع اللحظي والصعود الصاروخي، لا تسمح لأي تراجع بأن ينعكس على حركة السوق.
مراقبو السوق أشاروا إلى أن هذه مبررات غير كافية لرفع الأسعار إلى مستويات خيالية، مؤكدين أن القطاع الخاص اليمني المعني بتوفير السلع الغذائية، يحظى بدعم حكومي، بما في ذلك شراء الكتل الدولارية المخصصة لشراء الغذاء من السوق العالمية بأسعار تفضيلية ذات مستويات دنيا مقارنة بالسوق السوداء، مع ذلك يظل رافعاً للأسعار حتى فوق المستويات الموائمة لأسعار السوق السوداء، فضلاً عن تلقي القطاع الخاص معونات خارجية كبيرة.
وأعلنت مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة البنك الدولي مطلع الأسبوع الجاري عن تقديم 75 مليون دولار لمعالجة تزايد انعدام الأمن الغذائي باليمن، ووجهت الدعم لمجموعة هائل سعيد أنعم التي تُعدُّ واحدة من أكبر التكتلات الغذائية في البلاد، وذلك لتمكينها من العمل اللازم للحفاظ على العمليات ومواصلة خدمة السوق المحلية اليمنية بالمواد الغذائية الأساسية، وفق بيان صادر عن البنك.
وفي أول خروج لها عن إطار وهدف الدعم الممنوح لها، أعلنت مجموعة هائل سعيد جرعة سعرية جديدة قبيل نهاية العام الجاري 2021م، أثارت غضب المستهلكين حيث تضمن تعميمها أسعاراً أكثر ارتفاعاً لمبيعات منتجاتها من المواد الغذائية ومشتقات الألبان وعدد من المؤسسات التجارية، وفق القائمة السعرية التي تداولتها وسائل الإعلام الإلكتروني.
وشن عدد من الناشطين والمستهلكين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة ضد ما أسموه بفساد القطاع الخاص التجاري، متهمين التجار بالاستغلال الواضح والتكسب من التراجعات اللحظية والأسعار التفضيلية للدولار، وكذلك المعونات الخارجية، والإسهام الكبير في فساد تبديد الودائع والمنح الآتية من الخارج والمخصصة لدعم استقرار السلع الغذائية وتخفيف معاناة المواطن جراء الاختلالات السعرية.
لجوء المؤسسات الدولية إلى توجيه دعم السلع الغذائية عبر القطاع الخاص اليمني يعكس- حسب المراقبين- مخاوف البنك الدولي من تكرار تجارب فشل حكومية سابقة، استحالت إلى قضية فساد كان وراءها بنك مركزي عدن الذي بدد الوديعة عبر كتل دولارية ضخها بالسعر التفضيلي للتجار باسم دعم استيراد السلع الغذائية، لكن تلك الكتل ذهبت للمضاربة بالعملة في السوق السوداء، لافتين إلى أن المؤسسات الدولية تناست أن القطاع الخاص بما فيه مجموعة كانت ضمن من وردت أسماؤهم في تقرير فريق لجنة العقوبات في مجلس الأمن حول تبديد قرابة ملياري دولار كانت وديعة سعودية في البنك.
الأهم في مسار صعود أسعار المواد الغذائية خارج التأثر الإيجابي بأي من عوامل التراجعات اللحظية العملة والدعم الخارجي، لا ينم عن جشع التجار واستغلالهم للمواطن المنهك تحت الأزمات، وانهيار القدرة الشرائية وتوقف المرتبات فحسب، بل وعلى الغياب شبه التام للجهاز الرقابي والضبطي.
ويعاني اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ووفقاً للأمم المتحدة، يحتاج 24 مليون شخص- 80% من السكان- إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، وفق تقرير البنك الدولي الذي أكد أن جائحة كورونا العالمية، قلصت التحويلات والمساعدات الإنسانية بشكل كبير في 2020م، فيما أدت أزمة العملة وارتفاع تكاليف الغذاء العالمية إلى تفاقم الوضع، ليواجه اليمنيون حالياً بعضاً من أعلى مخاطر انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد في العالم.