تقرير خاص
بعد ساعات قليلة على صدور قرار “هادي” من الرياض، بتحرير سوق المشتقات النفطية، في 4 مارس 2018، غرد السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، على منصة التدوين “تويتر” قائلاً: “القرار سيكون له تأثير كبير على تحسين معيشة الشعب اليمني والتخفيف من معاناته”. ونوه “بتزامن ذلك مع خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن”.
وقتذاك، لم ينوه أحد بالحاجة التي دفعت بالسفير آل جابر إلى التعليق على القرار البعيد عن أي شبهة دبلوماسية، بالرغم من حالة الانكشاف التي بدت عليها.
كانت فقط الحماسة الظاهرة لهادي نفسه إزاء القرار وقوله إنه “سيسهم في عودة استقرار السوق ومنع الاحتكار ويحد من الأزمات”.
وقوبلت بإهمال وتهميش واضحين من التغطية الخبرية، تحذيرات اقتصاديين من أن القرار يشكل خطراً على الأمن القومي وعلى قيمة العملة الوطنية، خاصة بعد توقف شركتي النفط ومصافي عدن عن استيراد الوقود نتيجة شح الدولار، وإعلان حكومة هادي عدم قدرتها على تغطية فاتورة الواردات بالعملة الصعبة.
وقال اقتصاديون، وقتذاك، إن قرار تحرير سوق المشتقات النفطية سوف يخلق آثاراً كارثية، كونه يقضي بتسليم إحدى أذرع الدولة لتجار الوقود، حيث تكمن خطورته بانعكاسها على الأوضاع المعيشية وعلى المواطن”.
الآن، وفي جزء كبير من مشهد انهيار العملة الوطنية والتدهور الاقتصادي المريع الذي يعصف باليمن، لاسيما في مناطق سيطرة التحالف وحكومة هادي، يقف على رأس الأسباب المؤدية إلى ذلك قرار تحرير سوق المشتقات النفطية الذي عطل شركة النفط ومصافي عدن، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات خاصة لها ارتباطاتها بجهات وأشخاص في الحكومة والتحالف أيضاً.
وتحدثت صحيفة ” الشارع”، المدعومة من الإمارات، كيف أن جهات وأطرافاً وشركات في قطاع النفط، أنتجها قرار تحرير السوق النفطية في البلاد، لعبت الدور البارز في انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، وفي والتدهور الاقتصادي الكلي.
وذكرت الصحيفة، السبت، أن “قطاع المشتقات النفطية في حكومة هادي يعد أهم الأسباب التي أوجدت مساحة لعمليات المضاربة وغسل الأموال والتربح السريع”.
وكشفت الصحيفة عن تسع شركات نفطية خاصة، قالت إنها “حلت محل مؤسسات وشركات الدولة ومارست نشاطها، وأصبحت مهيمنة على القطاع النفطي مؤخراً، وأغلبها مرتبطة بشركات صرافة في مختلف المحافظات”.
وخلال ستة أشهر فقط، بلغ الرصيد المتداول لهذه الشركات في السوق وتحويلاتها الخارجية من النقد الأجنبي نحو مليار دولار أمريكي، ما يعادل تريليوناً و500 مليار ريال يمني، ساهمت في انهيار العملة وارتفاع أسعار المشتقات وغلاء أسعار السلع والبضائع، وفق الصحيفة.
وتعد شركة ASA التي يحوزها التاجر والمسؤول في مكتب الرئاسة أحمد العيسي، أبرز الشركات التسع اللاعبة في المضاربات بالعملة الوطنية وغسل الأموال. ونوهت الصحيفة بأن العيسي هو من أكبر التجار في هذا القطاع وأقدمهم، حيث يمتلك أسطولاً من ناقلات النفط البحرية.
ويشكل استيراد المشتقات النفطية 60 في المئة من الطلب على العملة الصعبة.
واعتبر الخبير الاقتصادي علي المسبحي، في تصريحات صحافية، أن قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية “تسبب في انهيار العملة المحلية من خلال استنزاف العملة الصعبة من السوق، خاصة مع ازدياد عدد الموردين، والذين بلغ عددهم العشرات، بعد أن كانوا لا يتعدون عدد الأصابع في بداية الأمر”.
ولفت إلى أن هدف هادي وحكومته من القرار كان “تعطيل عمل ومهمة كل من شركة مصافي عدن وشركة النفط، وإعاقتهما عن أداء دورهما المطلوب ووظيفتهما الأساسية، وتحويلها من التكرير بالنسبة للمصافي والتسويق لشركة النفط إلى الخزن، وبالتالي اعتبارهما مجرد خزانات مستأجرة للتجار بنظام العمولة.
ولوقف عملية الانهيار السريع والمستمر لأسعار الصرف، لاسيما في مناطق سيطرة التحالف وحكومة هادي، يشدد المسبحي على إلغاء قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية، وإلزام شركة مصافي عدن بالاستيراد من الشركات العالمية المصدرة للمشتقات النفطية مباشرة وبكميات كبيرة، للحصول على أسعار مخفضة وتنافسية، بالإضافة إلى إلزام البنك المركزي بعملية المصارفة لشركة مصافي عدن وشركة النفط الحكومية فقط”.
وفي عدن كما في صنعاء، يسود الاعتقاد بأن حكومة هادي عبر البنك المركزي عدن، لا ترى أي مصلحة لها من معالجة الانهيار الاقتصادي والمالي سواء في نطاق سيطرتها، أو على مستوى البلاد ككل.
وهناك من يتساءل بوضوح في سياق الحديث عن إجراءات لمعالجة انهيار العملة والتدهور الاقتصادي: أين مصلحة مسؤولي حكومة هادي من إصلاح الوضع، إذا ما علمنا أنهم هم المستفيدون من الفساد المالي الذي لم يعد في الخفاء، وأزكمت روائحه أنوف العالم أجمع طوال السنوات الماضية من الحرب والحصار، التي تواصل فرضهما السعودية والإمارات بإسناد اللاعبين الدوليين.