تقرير خاص
حذّر تقرير أممي حديث من أن استمرار حالة الحرب في اليمن ستضاعف كلفتها، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها البلاد، إلى حدود لا يستطيع المجتمع الدولي معالجاتها تنموياً على مدى عقود مستقبلية، مؤكداً أن الحرب كبدت الاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تجاوزت 126 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، منذ بدأ التحالف عملياته العسكرية صبيحة 26 مارس 2015م حتى العام 2021م، دافعة نحو 15,6 مليون شخص إلى هاوية الفقر المدقع، في حين عانى 8,6 مليون شخص من نقص التغذية.
ولفت التقرير- الذي نشر مؤخراً ضمن سلسلة من ثلاثة تقارير حول تأثير الحرب والنزاع على اليمن- إلى أن الحرب ألحقت أضراراً جسيمة بالاقتصاد والبنية التحتية المادية، تدهور على إثر تلك الأضرار الخدمات ونظم الصحة والتعليم، وزادت حدة النقص المستمر في الغذاء وتفاقمت الظروف المعيشية.. مستعرضاً عدداً من السيناريوهات المحتملة للاقتصاد اليمني في حالتي إيقاف الحرب، أو استمرارها.
وأوضح التقرير أن تكلفة الحرب كانت باهظة على جميع الأطراف، في حين أنه من المرجح أن يكون الطريق إلى السلام صعباً، بعد ما أحدثته من فجوة تنموية أعادت البلاد لأكثر من عقدين ماضيين، وعطلت خططاً مستقبلية لعقود.. مؤكداً أن سيناريو التعافي المجزأ، المتمثل بوقف الحرب في نهاية عام 2021م يرسم طريقاً صعباً للتعافي يتسم بانعدام التنسيق والإدارة غير الفعالة، ما يعني أن عودة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لن يصل إلى مستوى ما قبل الحرب، إلا بحلول أربعينيات القرن الحادي والعشرين، وأن عودة معدلات الفقر وسوء التغذية لمسار التعافي سيكون بطيئاً ومخيباً للآمال إذا استمرت حالة الخلاف، نظراً لحجم الأضرار التي لحقت بمقومات اليمن الاقتصادية، كما أن عدم القدرة على الوصول إلى الغذاء والمياه والرعاية الصحية يؤدي إلى وفاة ما بين (45-62) ألف شخص إضافي سنوياً بين الأعوام 2022-2030م.
وفي مسار خيارات السياسات المترابطة واللبنات الأساسية للتعافي في اليمن بعد انتهاء الحرب؛ شدد التقرير على ضرورة التركيز على تحسين الوصول إلى الغذاء والحد من انعدام الأمن الغذائي، عبر تشجيع الاستثمارات الزراعية، وزيادة الاستثمار والإنتاجية مع الاستفادة من مصادر التمويل المتنوعة، عبر تعزيز برامج التنمية الاقتصادية، وتمكين المرأة، وبناء القدرات البشرية، ووضع نماذج سلام أكثر أماناً عبر رفع مستوى نوعية الحوكمة وتكريس مبادئها الثلاثة المتمثلة في 🙁 الشفافية، العدالة، المساءلة).
وبيّن التقرير أن سيناريو التعافي المتكامل والمدمج قد يعوض بالكامل عن التقدم المفقود الذي كانت اليمن قد اجتازته حتى بداية الحرب، وما فقدته من خطط تنموية مستقبلية على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030م. معتبراً هذا السيناريو أكثر نجاحاً فيما يتعلق بالفقر المدقع، حيث سيؤدي إلى الحد من الفقر بحلول 2030م بنحو 5,8 مليون شخص مقارنة بسيناريو التعافي المجزأ، بقدر أكبر مما تفعله التنمية الاقتصادية بحلول عام 2050م 5,5 مليون شخص.
التقرير– الذي أعده فريق أممي بقيادة تايلور حنا، ديفيد ك. بول، وجوناثان دي موير- لنجاح أحد هذين السيناريوين إعطاء الأولوية لإحلال سلام دائم ومستدام، وتنسيق جهود التعافي الدولية، الوطنية والمحلية. والاستثمار في الصحة البشرية والتعليم من أجل التنمية المستدامة طويلة الأجل. وفي تمكين المرأة وتشجيع القطاع الخاص على تحفيز النمو عبر فرص العمل والتمويل.. مؤكداً أنه بدون تسوية سلمية فإنه لا يمكن معرفة الخطوات المحددة التي يجب اتخاذها لتحقيق التعافي.
ويُعدّ التقرير الأممي هو الأحدث في سلسلة من ثلاثة تقارير صدر الأول في أبريل 2019م كاشفاً عن تداعيات كبيرة للحرب والحصار طالت موارد اليمن الاقتصادية وبنيتها التحتية، مؤكداً أن الحرب أدت لتراجع التنمية منذ 26 مارس 2015م حتى ابريل 2019م لأكثر من عقدين من الزمن، وتسببت في حدوث وفيات لأسباب غير مباشرة مثل الجوع والمرض، أكثر من الوفيات بسبب الحرب والمواجهات المسلحة، في حين توقع التقرير الثاني الصادر في سبتمبر من العام نفسه، أنه في حال استمرت الحرب إلى ما بعد 2019م فإن اليمن سيسجل أعلى معدل للفقر المدقع، وثاني أسوأ معدل اختلال في التنمية بين النساء والرجال، وأدنى حصة للفرد الواحد من السعرات الحرارية، وثاني أكبر انخفاض في النشاط الاقتصادي مقارنة بعام 2014م، وثاني أكبر نسبة تفاوت في الدخل مقارنة بأي بلد في العالم.
وفيما أكد التقرير الأممي في مجمل نتائجه الأهم بخصوص تبعات الحرب والحصار أن وضع حد لمسار تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية اليمنية مرهون بإيقاف الحرب ورفع الحصار، والشروع في تسوية سياسية تفضي إلى البدء بسيناريوهات إعادة الإعمار والبناء لما خلفته حرب السنوات السبع؛ اعتبر مراقبون أن كل الدراسات والأبحاث الجادة الصادرة عن البرامج والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، حبر على ورق فقط، ولا هدف لها سوى حشد مزيد من الدعم المالي، من الدول المانحة والممولة للحرب نفسها، مؤكدين أن الأمم المتحدة غير معنية بترجمة توصيات أي تقرير تحث على إيقاف الحرب والحصار، فضلاً عن عجزها الواضح، في تحييد الاقتصاد والمدنيين تبعات الحرب والحصار، والسماح بوصول سفن الوقود والغذاء والدواء إلى الشعب اليمني.