تقرير خاص-يمن ايكو
يبدو اعتماد الموقفين الأممي والأمريكي، على المزيد من أشكال سياسة الضغط بالورقة الاقتصادية، من أجل تسوية للأوضاع في اليمن. ولا يهم الجانبين ما إذا كان ذلك لن يحقق سلاماً كاملاً وحقيقياً في نهاية المطاف.
وتتوالى بشكل لافت ” العقوبات” الأممية والأمريكية ضد أفراد عسكريين ومدنيين ومؤسسات مالية خاصة عاملة في نطاق “السلطة والحكومة في صنعاء”، بالإضافة إلى قرارات من بينها إدراج صنعاء في قائمة منتهكي حقوق الإنسان.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ظل الحصار الاقتصادي والمالي أهم أشكال سياسة الضغط التي تتبعها القوى الدولية ضمن تدخلاتها في اليمن. وفي أكثر الأحوال يعد تعبيراً عن شراكة القوى نفسها، وإن بشكل لوجستي، في إطار التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات منذ مارس 2015.
ففي14 إبريل 2015 وضع مجلس الأمن الدولي اليمن تحت البند السابع، وفق القرار (2216) وشدد على الحصار اقتصادياً ومالياً بذريعة منع تهريب الأسلحة والتمويلات إلى صنعاء، بينما كانت العقوبات قد بدأت بقرارات تجميد أصول مالية على الرئيس السابق “صالح” وبعض قيادات في حركة “أنصار الله”.
وعوضاً عن القرارات الأممية، تأتي العقوبات التي أعلنتها الخزانة الأمريكية ضد أفراد ومؤسسات مالية خاصة في صنعاء، لتشكل تعبيراً عن السياسة الأمريكية التي باتت تنتهج العقوبات وسيلة لمحاربة كيانات من بينها ” أنصار الله ” في اليمن، تصنفها واشنطن في خانة المعادية أو المتحدية للنفوذ الأمريكي.
وكان اللجوء إلى الضغط بالعقوبات الاقتصادية، أبرز الاستراتيجيات المعدلة لمهمة التحالف في اليمن، بالنظر إلى حقائق تعذُّر الحسم العسكري وتنامي القوة العسكرية الدفاعية لصنعاء. فالإدارة الأمريكية التي يشكل هذا التعذر إحراجاً لها ولمواقفها، فضلت على ما يبدو ممارسة هذه الضغوط كحالة وسيطة ما بين التدخل العسكري الباهظ وبين عدم اتخاذ إجراء فعلي تجاه الحرب برمتها.
والمؤكد أن الحرب في اليمن، واحدة من القضايا التي صرفت واشنطن عن تهديدات أكثر جدية تنبع من دول، كالصين وروسيا، التي تصنفهما استراتيجية الأمن القومي حالياً على أنهما التهديد الأبرز للمصالح الحيوية الأمريكية، وهذا يفسر السعي الأمريكي بالتوازي مع الأمم المتحدة إلى وضع نهايات ولو شكلية للأوضاع في اليمن.
وفي تقدير الخبراء، فإن طبيعة العقوبات في المرحلة الحالية تختلف عن عقوبات سابقة فرضتها الدولة الأمريكية على دول معادية لسياساتها، ففي السابق كانت واشنطن تملك ترف الخيارات ووفرة البدائل، أما الآن فقد تعبر سياسة العقوبات عن انحسار قدرة منظومة صناعة القرار على توليد الفرص وممارسة الضغط “المرن” على غيرها من الدول.
يربط بعض المراقبين التقليل من خطورة العقوبات الأمريكية، بصعود القوة الاقتصادية للصين، فالمخزون الاستراتيجي الأمريكي لايزال يزخر بالمنافع التي بالإمكان عرضها لجذب موقف الدول كما كانت تفعل واشنطن سابقاً.
وبرغم ما سبق، فإنه من غير المؤكد، بالنسبة إلى اليمن، أن تكون الخطط الأمريكية والأممية التي تترافق مع المزيد من الضغط بالعقوبات الاقتصادية وغيرها من الإدانات، قد نجحت إلى حدٍ ما في جر صنعاء إلى تسوية محتملة تغيب معها فرص السلام الكامل والشامل.
غير أنه من المهم الإشارة إلى أن العقوبات الأمريكية أفرزت ارتدادات أمنية جيوسياسية، من طرف صنعاء، حيث تمكنت هذه الأخيرة من شن هجمات دقيقة على منشآت تُمثّل عَصَبَ الإنتاج النفطي السعودي في بقيق وخريص. لكن الإدارة الأمريكية التي تقدم ضمانات أمنية لشركائها في المنطقة “السعودية” مثلاً، ستجعل من هذه الهجمات وسيلة لابتزاز الرياض أكثر من أي وقت مضى.
وإذا ما افترضنا نجاح العقوبات الأمريكية إلى حد ما في إحداث ضرر اقتصادي واسع النطاق، إلا أن ما يجب معرفته، هو أن هذا ليس الغاية الأمريكية في ذاتها، وإنما كما يقول خبراء، وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية محددة ” فلقد صُمّمت العقوبات لخلق ظروف اقتصادية مجتمعية متردّية تدفع إلى تقديم تنازلات تتسق مع الرؤية الأمريكية”.
وهنا ينهض السؤال، هل تتدارك صنعاء الأمر؟ هذا يتوقف على تبني قرارات اقتصادية ترمم الثقة المجتمعية بالوضع الاقتصادي المختل، إذ لا يكفي استغلال الموقف في توجيه خطاب دعائي إلى الصمود في وجه “المواقف الأمريكية” التي تستهدف الاقتصاد والدولة ككل، يقول اقتصاديون في صنعاء.