ألقت الحرب التي تشهدها اليمن للعام السابع بظلالها السوداء وآثارها الكارثية على الوضع الاقتصادي للبلد، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على الوضع المعيشي لغالبية السكان، وفجر أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وبحسب وكيل وزارة المالية لشؤون المتابعة الخارجية في حكومة صنعاء، الدكتور يحيى علي السقاف، فإن هذه الحرب تسببت على مدى ست سنوات، بانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (48 %) وارتفاع المستوى العام للأسعار، ما جعل الأفراد يخسرون ما يعادل ثلثي دخولهم، مضيفاً أن اليمن واجه في ظل ما وصفها بـ “الحرب الاقتصادية والحصار” ظروفاً اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية وأمنية غير مسبوقة.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة الثورة الرسمية بصنعاء، أوضح وكيل وزارة المالية لشؤون المتابعة الخارجية، أن وضع المالية العامة في اليمن أصبح غاية في الصعوبة بحسب ما توضحه المؤشرات والبيانات المالية جراء تداعيات الحرب والحصار، ما ساهم في استمرار تردي الوضع المعيشي الذي انعكس على استمرار نقص الخدمات العامة، وضعف قيام الحكومة بوظائفها التنموية والخدمية، ما ساهم في تفاقم الصعوبات أمام المستثمرين والمنتجين وأيضاً المستهلكين، وكذا الآثار غير المباشرة الناجمة عما أفرزه هذا التدهور من مضاعفات وأزمات، مشيراً إلى أنه وفي ظل أكثر من ست سنوات من الحرب والحصار الاقتصادي، شهد اليمن متغيرات وأحداثاً أثرت على أداء الاقتصاد القومي، حيث سيطرت دول التحالف والأطراف المحلية المرتبطة بها على الجزء الأكبر من موارد البلاد المالية والاقتصادية.
وفي حديثه حول مواجهة حكومة صنعاء للوضع الاقتصادي الجديد الذي فرضته الحرب، قال السقاف إنه كان من الضروري التحرك لبناء اقتصاد قوي، من خلال تغير المفاهيم الاستعمارية المغلوطة في جميع المجالات المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأضاف: ” بذلت وزارة المالية جهوداً كبيرة في سبيل مواجهة المشاكل والتحديات الاقتصادية والمالية الناجمة عن التداعيات والآثار السلبية للعدوان والحصار، حيث تبنت برنامج عمل ركز على أولويات تثبيت الاستقرار الاقتصادي في حده الأدنى ومواجهة الحرب والحصار والحد من آثارهما وتعزيز صمود الجبهة الداخلية، وتوفير كل ما يتعلق باحتياجات المواطنين الأساسية، وهو ما انبثق عنه عدد من الأولويات في المجال المالي، تركزت في العمل على حل المشاكل ومعالجة الاختلالات المالية وإيجاد البدائل للتغلب على التحديات والوفاء بالالتزامات الضرورية.
وحول الاستراتيجيات والخطط والبرامج التي عملت عليها وزارته في سبيل التغلب على المشاكل المالية التي خلفتها الحرب وعلى رأسها شحة الموارد، أوضح السقاف أن وزارة المالية قد حاولت القيام بدورها، باعتبارها الجهة المخولة بإعداد وتنفيذ السياسات المالية للحكومة، وتوجيه الاستثمار الحكومي وتحقيق التنسيق والتكامل بين السياسة المالية والسياسة النقدية في إطار الخطط التنموية وأهدافها الاستراتيجية التي وضعتها الوزارة ضمن خطة العمل للعام 2021م، مشيراً إلى أن الوزارة تعتزم تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع والأهداف الاستراتيجية لتعزيز كفاءة المالية العامة وزيادة الموارد خدمة للاقتصاد الوطني في الحاضر والمستقبل، وذلك من خلال تحصيل الإيرادات العامة والإشراف على صرف النفقات العامة والرقابة عليها وتنظيم الحسابات المتعلقة بها وإدارة التدفقات النقدية ودراسة الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية وتحليلها، وتقييم السياسات والإجراءات الضريبية وإعداد التشريعات المالية المتعلقة بالإيرادات والنفقات العامة، والعمل على تطويرها وتحديثها، وكونها الجهة المختصة بالقيام بالرقابة المالية الفعالة على مستوى الجانب المالي للحكومة وتقييم أدائها.
وحول الضربات التي وجهها التحالف لاقتصاد البلد، قال السقاف: “إن اليمن يواجه حرباً غير متوازنة وحصاراً خارجياً يهدف إلى تجويع الشعب اليمني، وإخضاعه بالقوة للأجندة الخارجية التي لا تسمح بتصدير ثرواته وخاصة الثروات النفطية والتي تجعل الدولة تعتمد على مواردها الداخلية، حيث تم نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن بإشراف منظمة الأمم المتحدة، وتآمر دولي واسع وعدم تقيدهم بالالتزام الذي قطعوه على أنفسهم أمام العالم بصرف جميع مرتبات الموظفين”.
ولفت السقاف إلى أنه وبعد نقل وظائف البنك قامت حكومة هادي المدعومة من التحالف “باتخاذ إجراءات فاشلة في السياسة المالية والنقدية ومخالفة لقوانين الإصدار النقدي في البنك المركزي، وطبع أكثر من ألف وسبعمائة مليار ريال، وإضعاف الاقتصاد بالاتجاه إلى المضاربة بالعملة الوطنية، ووضع القيود على الصادرات والواردات، ومنع دخول سفن المواد الأساسية والمشتقات النفطية”.
وأضاف: “كما قام التحالف والحكومة الموالية له بمحاولات لتجفيف النقد الأجنبي عبر وضع القيود على المغتربين وعجز البنك المركزي عن تغطية احتياجاته من العملة الأجنبية، إضافة إلى ما تقوم به حكومة هادي من نهب عائدات النفط الخام المنتج من حقول محافظات حضرموت وشبوة ومارب، وتعطيل الإنتاج واحتلال مواقع ومنشآت التصدير، حيث بلغت قيمة العائدات التي نهبوها أكثر من 12 تريليون، وما زالوا ينهبون النفط الخام عبر ناقلات نفط عملاقة، كان آخرها ناقلة النفط العملاقة القادمة إلى ميناء الضبة بالمكلا والتي تحمل علم اليونان، حيث يتم توريد قيمة تلك العائدات إلى البنوك في الخارج، ومنها البنك الأهلي في الرياض”، مشيراً إلى أن تلك العائدات “تكفي لصرف مرتبات الموظفين لعشرات السنين، وتنفيذ جميع الالتزامات والمشاريع التي تعمل على تنمية الاقتصاد الوطني”.
وفي ما يخص انهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، والسياسات النقدية التي اتخذتها حكومة هادي والبنك المركزي في عدن، وأثرها في ذلك الانهيار غير المسبوق، أكد السقاف أنه “على إثر تهديدات السفير الأمريكي وإعلانه الحرب على العملة اليمنية بأنه سيجعل العملة لا تساوي الحبر الذي طبعت به، تمت طباعة تريليون وسبعمائة وعشرين مليار ريال يمني، وهو مبلغ يساوي نسبة ما تمت طباعته خلال أكثر من ثلاثين عاماً”، معتبراً ذلك السبب الرئيسي الذي أدى إلى تدهور العملة الوطنية، “كون قوة العملة تستمد من قوة مصدرها، ومرتبطة باقتصادها وميزان المدفوعات والناتج المحلي والأوضاع السياسية والاقتصادية للدولة”.
وأضاف: “ترتبت على طباعة العملة غير القانونية آثار مالية واقتصادية كبيرة، منها التضخم في السلع والخدمات في الأسواق وارتفاع مدخلات الإنتاج وانخفاض القوة الشرائية للعملة، حيث ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك من 194 نقطة نهاية ديسمبر 2014م إلى 476 نقطة نهاية ديسمبر 2020م، بمعدل تضخم تراكمي بلغ حوالي 145.3 % نهاية الفترة، نتيجة العدوان والحصار على اليمن الذي سببه الإصدار النقدي الجديد مقابل عدم وجود إنتاج محلي للسلع والخدمات”.
وفي مقابل تلك الإجراءات والسياسات المالية التي اتبعتها حكومة هادي الموالية للتحالف، والتي اعتبرها السقاف سبباً رئيساً في انهيار سعر العملة، أوضح وكيل وزارة المالية بصنعاء أن حكومته قامت باتخاذ إجراءات ضرورية للحفاظ على العملة الوطنية من التدهور، منها تنفيذ قرار البنك المركزي منع التداول بالعملة المطبوعة حديثاً، وتفعيل دور البنك المركزي اليمني في صنعاء، وذلك باتخاذ إجراءات تحمي العملة الوطنية وتحافظ على الاقتصاد الوطني من خلال تنفيذ إجراءات حازمة في السياسة النقدية للدفع بعجلة النمو والتنمية، وقال: “عملت حكومة الإنقاذ بالتعاون مع المجتمع والقطاع الخاص في إطار ما هو متاح على استمرار إمدادات السلع والخدمات الأساسية في مستوياتها الدنيا إلى جانب حفظ الأمن، ما ساهم في استمرار بعض الأنشطة الاقتصادية وبالتالي تأمين الحد الأدنى من فرص العمل وتدفق الموارد الاقتصادية.