أخبار- يمن إيكو
سلط مقال نشرته صحيفة ” ميدل ايست مينتور – Middle East Monitor ” البريطانية الضوء على الخطورة التي تحف النظام النقدي القائم على الدولار، وخاصة مع مؤشرات انهيار هيمنة الدولار الأمريكي، واتجاه أهم اللاعبين الدوليين في السوق المالية العالمية للتحول نحو نظام نقدي عالمي أكثر لامركزية بعيداً عن الدولار، وكذلك المؤشرات على قرب نهاية استراتيجية إعادة تدوير البترودولار، الذي يعد أهم عوامل هيمنة الدولار الأمريكي.
وذكر المقال الذي كتبه المحلل الاقتصادي العراقي محمد حسين، أن “واحدة من أكثر الظواهر الخادعة في وجودنا الحالي هي الأموال التي نستخدمها للشراء والبيع والادخار على أساس يومي”، مشيراً إلى أن الأموال المتداولة والمتمثلة في الأوراق النقدية ببساطة لا شيء، مدعومة بلا شيء ولا تعتمد على أي شيء، لكنها في الوقت نفسه حساسة للغاية وحساسة للتحولات الجيوسياسية والنقدية”.
وقال حسين إن العملات التي نستخدمها جميعاً “تعتمد على قوة وأداء الدولار الأمريكي، وهذا الدولار مدعوم بالديون والثقة العالمية في نفسه ونظامه النقدي الدقيق، موضحاً أن الدولار وكذلك العملات البارزة الأخرى إلى قبل نصف قرن من الزمن، كانت مدعومة بالذهب، و” كان ذلك الأصل الآمن والمستقر محصناً إلى حد كبير من التقلبات والانهيارات الشديدة في النظام القائم على الديون اليوم”.
ولفت المقال إلى أن رفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الدولار عن معيار الذهب، في عام 1971، مثّل “خطوة محورية وخطيرة ضمنت تفوق أمريكا في الاقتصاد العالمي- على الأقل حتى الآن- واعتبرت واشنطن والنظام النقدي اللاحق في مستقبل حوادث لا مفر منها، كما يقول الكثيرون أن الانهيار سيكون في نهاية المطاف”.
وأضاف أنه “منذ ذلك الحين، وخاصة في هذا العصر الرقمي، تتكون النقود الورقية من أكثر قليلاً من أرقام على الشاشة، بناءً على نظام الحسابات الآلية والتدخلات اليدوية، حيث تقوم الشركات بشراء الأموال ويتم دفع رواتب الموظفين، المستهلكون ينفقونه وهو ضروري للبقاء وتحقيق الضروريات الأساسية”، مؤكداً: “ومع ذلك، تظل الحقيقة أنه في أي وقت، يمكن مصادرة المبلغ أو تغييره أو إزالته من حساب مع تأثير فوري ضئيل على الاقتصاد، حيث لا يتم دعمه بأي أصول مادية أو ملموسة تخضع لقيود، نحن نتعامل مع مجرد أرقام على الشاشة، والتي يمكن للبنك تعديلها حرفياً حسب الرغبة”.
وذكر المقال أنه “مع انتشار وولف وول ستريت، (كبرى قضايا الاحتيال في وول استريت، سمسار البورصة جوردان بيلفورت، في التسعينات، وانتهت بسقوطه) أصبح نظامنا النقدي الحالي، إلى جانب أسواقه وأسهمه، ببساطة زائفاً”، مضيفاً أنه “مع النقد المادي، ليس هذا هو الحال تماماً، ولكن حتى هذا يخضع لذلك الواقع، نظراً لأن عالمنا أصبح رقمياً أكثر من أي وقت مضى وأقل اعتماداً على النقد، فسوف ينمو هذا فقط”.
وأكد أن “جزءاً كبيراً من هذا النظام وهيمنة أمريكا عليه، كان “البترودولار”، دفع الدولار الأمريكي لتجارة وبيع النفط عالمياً من السعودية والدول الأعضاء الأخرى في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، في أعقاب الصفقة التي أبرمت بين واشنطن والرياض في عام 1974، بالصدفة بعد ثلاث سنوات فقط من قيام نيكسون بإزالة الدولار من معيار الذهب”.
وأشار حسين إلى أن “هذه الصفقة لم تؤمِّن الدفاع العسكري للمملكة من خلال ضمانات من الولايات المتحدة فحسب، بل ضمنت أيضاً تدفقاً مستقراً للشراء الأجنبي لسندات الخزانة الأمريكية والديون- وهي استراتيجية لإعادة تدوير البترودولارات إلى واشنطن- من خلال احتياطيات الدولة الخليجية”، مضيفاً: “لذلك عندما تم الكشف العام الماضي عن أن السعودية تفكر في تداول نفطها مع الصين باليوان، لم يكن ذلك بالأمر الهين أو التحول الطفيف”.
ولفت إلى إبداء السعودية استعدادها مطلع العام الجاري للتداول ليس باليوان فحسب، بل بمجموعة متنوعة من العملات الأخرى، وهذا التوجه لم تكن السعودية الدولة الوحيدة فيه، حيث أبرم حلفاء آخرون للولايات المتحدة مثل الهند وباكستان والإمارات صفقات مع روسيا أو الصين لدفع ثمن النفط أو السلع الأخرى بعملاتهم المحلية المختلفة، ولحق العراق بركب هذه الدول حيث أعلن في يناير مارس الماضي أنه يخطط لتنظيم التجارة الخارجية من الصين مباشرة باليوان.
وأوضح المقال أن “قرارات تلك الدول- التي يُتوقع أن ينضم إليها عدد كبير قريباً- مثلت تحولاً كبيراً نحو نظام نقدي عالمي أكثر لامركزية بعيداً عن الدولار، ويرجع ذلك أساساً إلى سوء تقدير كبير من جانب واشنطن في عقوباتها الشديدة ضد روسيا في البداية، غزو موسكو لأوكرانيا”.
وتابع بالقول إنه الولايات المتحدة ومن خلال العقوبات التي فرضت على روسيا، “قد سجلت هدفاً ذاتياً مدمراً مقابل عملتها، حيث قطعت روسيا عن نظام الدفع SWIFT” ” وجمدت أكثر من 350 مليار دولار من احتياطياتها من الذهب والعملات الأجنبية، وهذا العمل وحده قلل بشكل كبير الثقة في النظام النقدي القائم على الدولار بين العديد من البلدان، لاسيما تلك الموجودة في الجنوب العالمي، التي لطالما كانت متشككة في الهيمنة الأمريكية، مما جعلهم يشككون في جدوى ومخاطر الاحتفاظ باحتياطياتهم بالدولار”.
واعتبر الكاتب أن ذلك هو سبب كون حرب أوكرانيا قضية محورية، مضيفاً: “إنها مقامرة الولايات المتحدة على استعداد لخوضها لإعادة تأمين ثروات الدولار، ولديها القدرة على استعادة الثقة به كعملة مستقرة تستحق أن تظل الاحتياطي العالمي المهيمن، هذا إذا فازت أوكرانيا وهزمت روسيا. ومع ذلك، إذا خسرت كييف وحققت موسكو نصراً، فسيؤدي ذلك إلى كارثة أخرى على الدولار، حيث يعتبر أحد الأسباب الرئيسية وراء اعتماد الكثير على نتائج الحرب في أوكرانيا”.
وأشار إلى أنه ومع تلك المعادلة، فإن السعودية لا تنوي الاعتماد على نتيجة الحرب لتحديد سياساتها الخارجية والاقتصادية، فهي تصر، حسب تعبيره “على الحفاظ على علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه توسع علاقاتها مع روسيا والصين وقوى أخرى في الشرق”.
وقال “إن اهتمام المملكة بالانضمام إلى مجموعة بريكس- الكتلة الاقتصادية المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- هو جزء من هذه النظرة السياسية، إلى جانب إيران وتركيا والجزائر ومصر الذين يهدفون أيضاً إلى الانضمام إلى الكتلة. فبدلاً من كونه نادياً حصرياً للاقتصادات الأسرع نمواً في العالم النامي، فإنهم ينظرون إلى البريكس كفرصة لبلدان الجنوب العالمي للالتقاء معاً إما لمضاهاة هيمنة الدولار الأمريكي أو تأمين مكان في محاولة القيام بذلك”.
وأوضح أنه “إذا تم قبول السعودية (كعضو في مجموعة بريكس) وانضمت إليها، فسيتم الترحيب بها كضربة قوية للدولار ونهاية لإعادة تدوير البترودولار، حيث ستكون المملكة بعد ذلك أكثر ارتباطاً اقتصادياً مع أمثال الصين والهند على وجه الخصوص”.
وأشار إلى التكهنات باحتمالية قيام الدول ببيع احتياطياتها من الدولار الأمريكي، لاسيما الآثار المترتبة على إغراق كميات كبيرة من قبل بعض الحائزين البارزين، وخاصة الصين التي لديها أكبر احتياطيات بقيمة 3.184 تريليون دولار، في حين تبلغ احتياطيات الهند 573.7 مليار دولار والسعودية 457.66 مليار دولار.
وقال: “إذا كانوا سيبيعون أو يسقطون حتى جزء بسيط من احتياطياتهم، خاصة في جهد منسق، فإن ذلك سيؤثر بشدة على قوة الدولار الأمريكي وسمعته”.
وذكر الكاتب أن “هذه ليست بالتأكيد المرة الأولى التي تتعرض فيها هيمنة العملة الأمريكية للتهديد، كما أنها ليست المرة الأولى التي ينخفض فيها إجمالي احتياطيات الدولار العالمية التي تحتفظ بها البنوك المركزية بشكل كبير، حيث كانت تتراجع على مدار العقدين الماضيين أو نحو ذلك وكانت في بعض الأحيان من أدنى المستويات حتى قبل حرب أوكرانيا، لكن الأمر مختلف الآن، ولم يكن هناك تهديد على تفوق الدولار بهذا القدر من الأهمية”.
وأكد أن “هناك سبب وجيه وراء شراء البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم العام الماضي لأكبر قدر من الذهب على الإطلاق منذ عام 1950، في محاولة لمكافحة التضخم المتزايد وعدم الاستقرار المالي، مضيفاً: “إنهم يعرفون بشكل أفضل هشاشة نظامنا النقدي غير المستقر، لأنهم يهدفون إلى تثبيت أنفسهم بالأصول التي ستظل ذات قيمة إلى الأبد”.