تقرير خاص- يمن إيكو
تواصل الحكومة الموالية للتحالف مساعيها لتمرير صفقة ميناء قشن التي منحت بموجبها هذه الحكومة شركة إماراتية الامتياز بإنشاء ميناء في المنطقة، أعلن أنه سيكون خاصاً بالأنشطة التعدينية، وخاصة تصدير الحجر الجيري،
فيما أثيرت الكثير من الشكوك حول هذه الصفقة، والأهداف الحقيقية من وراء إنشاء هذا الميناء، ولا سيما في ظل تسابق السعودية والإمارات للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية، ومنابع الثروات.
وفي إطار مساعيها لإتمام هذه الصفقة، التي لاقت معارضة ورفضاً كبيرين من أطراف سياسية يمنية، ومكونات مجتمعية من أبناء المهرة، على رأسها لجنة الاعتصام السلمي بالمحافظة، الرافضة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي على السواحل والمنافذ والمناطق الاستراتيجية، اتجهت الحكومة الموالية للتحالف نحو محاولة إضفاء بعض المشروعية على الاتفاقية الموقعة بين وزارة النقل والسلطة المحلية في المهرة من جهة، وشركة أجهام الإماراتية من جهة أخرى، وذلك من خلال تمريرها عبر البرلمان التابع لهذه الحكومة، حيث قام الأخير بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول منح الامتياز للشركة الإماراتية لإنشاء هذا الميناء.
ورغم مسمى اللجنة البرلمانية التابعة لحكومة الرئاسي، والذي تضمن “تقصي الحقائق” حول الصفقة، وبما يحمله هذا المسمى من دلالة تعكس ما شاب هذه الصفقة أو الاتفاقية من ثغرات قانونية ومخالفات، علاوة على ما هو خافٍ وراء الغرض الحقيقي من إنشاء هذا الميناء، إلا أن هذه اللجنة لم تقم بأي تقصٍ ولم تكشف أي حقائق، واكتفت بلقاء وزير النقل في الحكومة الموالية للتحالف عبدالسلام حميد، ونائبه ووكلاء الوزارة وعدد من مدراء العموم فيها، وطرحت عليهم عدداً من الأسئلة المتعلقة بمدة العقد الممنوحة لشركة أجهام الإماراتية، وما هي العوائد المالية المتوقعة من هذا المشروع، وما إذا كان المشروع مخصصاً فقط لتصدير الحجر الجيري أم أن هناك أهدافاً اقتصادية أخرى من ورائه.
كانت التساؤلات التي طرحتها اللجنة البرلمانية على وزير النقل، حول تسليم ميناء قشن للشركة الإماراتية من السهولة بحيث لا تحتاج إلى كثير جهد للرد عليها، بل إن الأمر بدا تحصيل حاصل، حيث كان الوزير قد أعد الرد عليها كتابياً كما وضحته اللجنة في تقريرها حول القضية، وهو ما يشير إلى أن ما جرى لم يكن سوى سيناريو، أعدت بموجبه اللجنة البرلمانية تقريرها الذي اقترح تعديلات شكلية في صياغة مسودة الاتفاقية، بدون التطرق إلى أي من المخالفات التي تضمنتها، ما عدا مادة واحدة من مواد الاتفاقية، وهي المادة الخاصة بتحديد المدة الزمنية للامتياز الممنوح للشركة والمحدد بـ 50 عاماً، قابلة للتجديد لفترة مماثلة بموافقة الطرفين، حيث قالت اللجنة في تقريرها إن هذه المادة تناقض نص المادة 9 –أ- 7 من قانون الموانئ البحرية رقم (23) لعام 2013م، والتي تحدد المدة الفعلية لعقد التشغيل بأن لا تزيد عن 30 عاماً، ثم عادت اللجنة للتبرير والتماس العذر للجانب الحكومي، بأنه وقع في لبس بين تلك المادة ومادة أخرى من القانون ذاته.
وبالنظر إلى ضآلة العائدات التي يمكن أن تعود بها هذه الصفقة على خزينة الدولة، والتي لا تتعدى عشرات آلاف الدولارات في العام الواحد، وفقاً لما أورده تقرير اللجنة البرلمانية نقلاً عن الرد المكتوب الذي قدمه الجانب الحكومي على الأسئلة التي طرحتها، بالمقارنة مع ما ستكسبه الشركة المشغلة، والمقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً، فإن الجدوى من وراء هذه الاتفاقية وهذا المشروع، تكاد تكون منعدمة، وهو ما يعزز الشكوك حول الهدف الحقيقي من ورائها، كما يضع المزيد من علامات الاستفهام حول إصرار الحكومة الموالية للتحالف على تمريرها.
وبالعودة إلى تقرير اللجنة، وما أورده من ردود على أسئلتها الموجهة للجانب الحكومي، والتي قال التقرير إن وزير النقل قدمها مكتوبة، فإن الإجابة على السؤال الخاص بما إذا كان المشروع مخصصاً فقط لتصدير الحجر الجيري، أم أن هناك أهدافاً اقتصادية متعددة من ورائه، جاءت ضمن الحديث عن العوائد المالية والاقتصادية التي يمكن أن تحصل عليها الدولة من وراء المشروع، حيث جاء فيه ما نصه: “بإمكان مؤسسة موانئ البحر العربي استخدام الميناء في إدخال سفن كبيرة إذا دعت الحاجة”، وهو ما يكشف أن نشاط الميناء لن يكون محصوراً في ما تم إعلانه، بخصوص تصدير الحجر الجيري، إذ أنه ما دام بإمكان مؤسسة موانئ البحر العربي استخدامه في إدخال سفن كبيرة، فإن ذلك لن يكون ممنوعاً على التحالف الذي يسيطر أساساً على السواحل اليمنية في جميع المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسمية للحكومة الموالية للتحالف.
ومن خلال نظرة فاحصة لتقرير اللجنة البرلمانية، فإنه يمكن استخلاص أن هذه اللجنة رغم أن مهمتها الرئيسية تمثلت في تمرير هذه الاتفاقية، وإضفاء صبغة من المشروعية عليها، إلا أنها لم تتمكن من حجب حقيقة أن هذه الاتفاقية ليست سوى صفقة مشبوهة، تتخذ من النشاط الاقتصادي والاستثماري عنواناً يخفي وراءه أغراضاً أخرى، تندرج في إطار سيطرة التحالف على السواحل والجزر والمياه الإقليمية اليمنية، وأن ما يقوم ببنائه من منشآت في هذه المناطق هو لخدمته، ولا يخرج عن إطار تعزيز هذه السيطرة والاستمرار في نهب الثروات اليمنية، على غرار البنى العسكرية التي قامت الإمارات بإنشائها في مناطق متعددة من أرخبيل سقطرى، تحت غطاء الأعمال الإنسانية والتنمية للأرخبيل، وكذا إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون، وإنشاء مطار عسكري في حرم ميناء المخا.