تقرير خاص – يمن إيكو
مع مرور الزمن واستمرار حالة مناطق سيطرة التحالف تحت دوامة صراع فصائله على الموارد والمقدرات، تتكشف صفقات الفساد المدمرة لمقومات ومقدرات قطاع الكهرباء المحلية يوماً بعد آخر، لكن أحدثها، صفقة السلطة المحلية بمحافظة حضرموت وشركة مسار الخليج للاستثمار، والبالغة نحو 15 مليون دولار مقابل شراء الشركة محطتي (الكامل ومنح) في عمان، وفق بيان صادر عن شركة مسار.
واتهم ناشطون إعلاميون حكومة المجلس الرئاسي بإهمال مقدرات مناطق سيطرة التحالف من الكهرباء المحلية، والتخفي وراء ذريعة شراء الكهرباء، لإبرام صفقات فساد كبيرة بين شركات، وإن بدت خارجية فإن ملاكها يمنيون من المستثمرين الجدد الذين لهم صلة بفصائل التحالف؛ ومسؤولين حكوميين.
وكان الصحافي فتحي بن لزرق كشف، وفي وقت سابق، ما وصفه بواقعة اختلاس بقيمة ٣٠ مليون دولار، كانت معدة لشراء محطة كهرباء غازية لمحافظة حضرموت، بقدرة إنتاجية 285 ميجا وات، كان ستغطي في حال نجاحها احتياج محافظة حضرموت من الطاقة.. مرجعاً- في منشور له على فيسبوك- فشل صفقة الشراء واختفاء المبلغ المرصود لها إلى مطالبة مسئول حضرمي لم يشر إلى اسمه، بمبلغ 3 ملايين دولار كعمولة، وهو الأمر الذي رفضته الشركة المالكة للمحطة.
وفي جدلٍ محتدم بين الناشطين والشركة والجهات الحكومية المعنية بالصفقة المشبوهة في قطاع كهرباء مناطق سيطرة التحالف، أكد بيان توضيحي صادر عن شركة مسار الخليج للاستثمار- يمنية مقرها في سلطنة عمان- في قضية محطتي “الكامل” و”منح” اللتين كان من المفترض شراؤهما والاستفادة منهما في حضرموت أو غيرها من مناطق سيطرة التحالف والحكومة والموالية له؛ أن المحطتين يبلغ إجمالي قيمتهما 600 مليون دولار كمحطات جديدة.
وحول “محطة الكامل” التي تصل طاقتها الإنتاجية إلى 285 ميجاوات، أشار البيان إلى أن شركة مسار الخليج للاستثمار دخلت في المناقصة على شراء المحطة نيابةً عن سلطة وادي وصحراء حضرموت المحلية، ممثلة في وكيل المحافظة لشؤون الوادي والصحراء عصام بن حبريش.. مؤكدة أنه طُلب من السلطة المحلية دفع مبلغ 1.5مليون دولار (أي 10% من قيمة المحطة بحسب قوانين المناقصة للشركة المالكة للمحطة “شركة الكامل”).
وأضاف البيان، أن الموافقة تمت وذهب وفد من شركة مسار الخليج إلى سيئون لتوقيع العقد النهائي واستلام مبلغ مقدَّم العقد، إلا أن وفد الشركة فوجئ بتأجيل التوقيع وتأجيل دفع المبلغ المذكور، واقترحت السلطة المحلية إرسال وفد جديد لمعاينة المحطة، يتكون من مهندسي ومحامي ومدير مالية الوادي والصحراء، وذلك للمرة الثالثة، وبقي الوفد في مسقط لأكثر من شهر.
وأضاف البيان، وبعد تأخر مبلغ القيمة، وإبلاغ شركة مسار الخليج، من قبل الوفد الحكومي بتحويله من رئاسة الجمهورية إلى البنك المركزي فرع سيئون؛ اضطرت الشركة لتسليم الدفعة الأولى البالغة (1.5 مليون دولار) للشركة المالكة، ريثما يصل المبلغ من قبل السلطة المحلية حسب ما تم الاتفاق عليه مع وزير الكهرباء أنور كلشات، ووكيل المحافظة بن حبريش اللذين أقيلا قبل تنفيذ الصفقة.
وأكد البيان أن الشركة لم تتمكن من الوصول إلى الوزير والوكيل الجديدين، ما وضعها في موقف محرج مع الشركة المالكة، التي مارست ضغوطات قوية لدفع بقية المبلغ المتفق عليه وقدره 13 مليوناً و500 ألف دولار” وفقاً للبيان..
التحول اللافت في ملف الصفقة، هو أن البيان كشف ضمنياً عن صلة شركة مسار بوزير الكهرباء السابق كلشات، ووكيل محافظة حضرموت السابق حبريش المقالين تحت ضغط صراع الفصائل على الموارد، عبر تأكيد بيان الشركة أنهما كانا حريصين على المصلحة، في شهادة ليست مطلوبة من الشركة التي تطالب بحق قانوني لا يلغيه تغيير المسؤول الذي وقع الاتفاق وتعيين مسؤول آخر خلفاً له.
الأهم في هذه الشهادة الضمنية على تشارك الفساد وانتقالاته بين مسؤولي الحكومة، يكمن في إشارة البيان إلى أن مدير الشركة، وبعد مماطلات طويلة ناقش مع وزير الكهرباء الجديد، مانع بن يمين، موضوع صفقة شراء المحطتين، ففوجئ الأول بأن الأخير مطلعٌ على كل التفاصيل، وبدا متفهماً حيث أكد أنه تم الاتفاق مع شركة يمنية في الأردن على القدوم إلى السلطنة لأخذ استشارات أخيرة حول المحطة، وسيتم إرسال خطاب رسمي خلال أسبوع إلى شركة مسار الخليج لاستقبال وفد الشركة الاستشارية.
وبذلك الرد الذي بدا مقنعاً أسدل الستار على الموضوع، فلم يتواصل مع الشركة في عمان، ولم تصل رسالة رسمية، بل كان الأهم رغم وعوده أن الوزير الجديد لم يرد على الاتصالات باستثناء الرد على رسائل خجولة عبر الواتساب بشكل لا يفي بالغرض ولا يحقق نتائج إيجابية، ما يشير إلى أن تقريراً رفعته الشركة اليمنية المحسوبة على الوزير الجديد، يتضمن فساد الصفقة السابقة، ومحددات لصفقة جديدة لم يكشف فسادها بعد، بقدر ما كشف تجاهل الوزير لمسألة ضياع المحطة، حيث أقدمت الشركة المالكة على بيع المحطة لمشترٍ آخر.
وحسب بيان شركة مسار الخليج، فإنها تستعد لاتخاذ الإجراءات القانونية على مستوى دولي، لاسترداد ما صادرته الشركة المالكة للمحطة على شركة مسار من حكومة المجلس الرئاسي والمتمثلة في مبلغ الدفعة الأولى، يضاف إليه ما خسرته هي والشركات المتحالفة معها والذي تجاوز نحو مليوني دولار من عمل سنة كاملة، وسفريات ما بين الرياض واليمن وعمان والهند، واستقدام شركات من عدة دول ومهندسين لعمل الدراسات الهندسية، وغير ذلك من الخسائر الإدارية.
أما ما يتعلق بمحطة “منح” فقال بيان الشركة: “إن سلطنة عمان لم تكن ستقدم المحطة كهدية لليمن بدون زيارة أحد المسؤولين اليمنيين للسلطنة وتقديم الطلب رسمياً، علماً بأن مهندسي وزارة الكهرباء ووفد السلطة المحلية بالحكومة الموالية للتحالف، قاموا بمعاينة المحطة ورفعوا التقارير حول حالتها الممتازة جداً”.
مدير مكتب وزير الكهرباء السابق أنور كلشات، رد على بن لزرق نافياً صحة ما ورد في منشوره، معترفاً صراحة بمجريات التواصل والاتفاقات مع شركة مسار، وفي الوقت نفسه كشف ضمنياً رده صلة الشركة وتواصلها مع الوزير وهو في منصبه وبعد إقالته، ما يعني أن معظم صفقات الفساد التي عقدتها حكومة المجلس الرئاسي، مع شركات مختلفة ومتعددة تعكس انتماء الشركات والمسؤولين لأطراف لها علاقات فساد مع فصائل التحالف المتصارعة على الموارد.
أخيراً.. هذا الحال الذي قرن بالتردي والتراجع الخدمي للتيار الكهربائي يؤكد بلا شك أن هذا القطاع لم يعد ثقباً أسود يلتهم التمويلات الخارجية فقط، بل تجاوز ذلك ليصبح بؤرة فساد تلتهم كل المخصصات الداخلية من نسب السلطات المحلية من عائدات النفط والموارد في تلك المناطق، سواء تلك لمخصصة للصيانة الدورية، أو تلك المبالغ الطارئة لشراء الطاقة اضطرارياً لسد الاحتياج المحلي.