يمن ايكو
تقارير

📃 فيما تسير الكهرباء للأسوأ.. “المنحة السعودية”.. صفقة تجارية بغلاف إنساني

تقرير خاص- يمن إيكو

كثرت الأحاديث وعرائض المدح والثناء حول ما تسميه الحكومة الموالية للتحالف والمجلس الرئاسي المُعين من الرياض، بالمنحة السعودية من المشتقات النفطية المخصصة لمنظومة الكهرباء في مناطق سيطرة التحالف، وسط تزايد مستمر لمشهد التردي اليومي لخدمات التيار الكهربائي، والارتفاع الجنوني لأسعار الفواتير وبصورة مفارقة للمعنى المفترض للمنحة.

وكانت السعودية أعلنت، في مارس 2021م، تقديم منحة مشتقات نفطية لليمن تصل كمياتها من الديزل والمازوت، إلى مليون و260 ألفاً و850 طناً مترياً لتشغيل أكثر من 80 محطة كهرباء في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الموالية للتحالف، معتبرة هذه واحدة من المنح المقدمة في السنوات الماضية، بقيمة إجمالية تبلغ 4.2 مليار دولار.

الحكومة الموالية للتحالف- عبر رئيسها ومسؤوليها وموظفيها- تؤكد مع كل فرصة تسنح لها أمام الإعلام المحلي أو الدولي أو في رحلاتها المكوكية طلباً للدعم المالي والقروض لدعم الاقتصاد، وبالأخص منظومة الكهرباء، أنه تم تسليم هذه المنح دُفعاً شملت عدن وحضرموت والمهرة، وباحتفالات واستقبالات رسمية تشعل وسائل الإعلام، ما يجعل المواطن في تلك المحافظات يعتقد في كل دفعة تصل، أنها نهاية مآسيه ومعاناته الموصولة بلهيب الصيف، من معاناة الأسر في منازلهم، وفساد صلاحيات المنتجات في المتاجر، وغيرها من تبعات انقطاعات التيار الكهربائي اليومية.

ورغم أن الانقطاعات التي تجاوزت الـ20 ساعة يومياً في بعض مدن حضرموت وعدن والمهرة، وظل أدنى حد لأوقات الانقطاع عند ست ساعات يومياً في أحسن الأحوال، يفتح هذا التردي المتواصل الباب أمام أسئلة جوهرية تفتش عن تفاصيل حقيقة هذه المنحة معنىً ومبنىً، شعاراً وواقعاً.

وبالعودة إلى مفردة المنحة في اللغة التي تؤكد الهِبَة أو العطاء بلا مقابل، فإن حقيقة المشتقات السعودية، المعلنة إعلامياً كمنحة في مغالطة كبيرة للمواطن الذي يتحمل الأعباء والمعاناة المترتبة على هذه الشعارات الكاذبة.. فالتطبيق العملي في الواقع للمنحة لا تنفصل مجرياته عن تنفيذ صفقة استثمارية مربحة، في مضمار توفير الكهرباء عبر اجتزاء تدريجي للحق السيادي الحصري للجهات المعنية بشراء وتسويق المشتقات في مناطق سيطرة التحالف.

وبناء على ذلك تم تشكيل لجنة منحة المشتقات النفطية بين البرنامج السعودي للتنمية، وحكومة المجلس الرئاسي، وبعضوية كل من وزارات: (الكهرباء، المالية، التخطيط والتعاون الدولي، الغرف التجارية اليمنية، مؤسسة كهرباء عدن، الجهاز التنفيذي لتسريع واستيعاب تعهدات المانحين، وشركة مصافي عدن، وشركة النفط اليمنية عدن، والمنظمات المدنية والجهات الإعلامية)، ليتحول الجميع إلى عمال لإنجاح منحة يجب أن تأخذ حقها من المدح والثناء، مع إدراك الجميع أنها صفقة تجارية مربحة لا يعلمها المواطن.

التطور الفاضح لحقيقة الصفقة التجارية السعودية لبيع المشتقات لحضرموت وعدن والمهرة وغيرها من مناطق سيطرة التحالف؛ حدث في الـ13 من فبراير الماضي، عندما أوقفت إدارة منحة الوقود السعودية المخصصة لتشغيل محطات الكهرباء في المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف، ضخ الوقود إلى محطات التوليد.

الأكثر غرابة من قرار وقف الضخ تمثل في تبريره على أساس أنه يأتي في سياق الضغط على المؤسسة العامة للكهرباء لتوريد 10 مليارات ريال إلى الحساب المشترك، المخصص لإجراء أعمال الصيانة وتوريد الزيوت للمحطات، من قيمة كميات المنحة المباعة للمواطن عبر المؤسسة التي عجزت عن تحصيلها، كاشفة عن فساد تتشارك فيه أطراف الصفقة التجارية من الجانب اليمني والجانب السعودي، في مخالفة للبند الثالث من عقد المنحة (الصفقة) المادية خارج مراعاة ما يعانيه المواطن في تلك المناطق الحارة.

تجلت مادية هذه الصفقة في ما أكده مسؤول الإعلام بمؤسسة كهرباء عدن، نوار أبكر، يومها في منشور على فيسبوك، من أن إدارة منحة المشتقات السعودية أوقفت تموين كافة محطات الكهرباء بعموم المحافظات المستفيدة من المنحة، وذلك لمطالبتهم المؤسسة العامة للكهرباء بتوريد عشرة مليارات ريال يمني إلى الحساب المشترك الذي جمع 17 مليار ريال يمني منذ فبراير 2021م.

ذلك يعني أن كميات المشتقات المخصصة للكهرباء تجارية مدفوعة القيمة من قبل مؤسسة كهرباء عدن، التي انسلخت من مهمتها السيادية وتحولت إلى وسيط يصدر الفواتير للمواطنين بأسعار عالية تتجاوز الـ1000 ريال للكيلو وات، وحتى في هذه الحالة الموغلة في الفساد، كان يفترض أن يوجه أي مبلغ يتم تحصيله لتنفيذ برامج صيانة وتأهيل وتوريد زيوت للمحطات الحكومية، لكن ذلك لم يحدث.

الأكثر إيضاحاً في أن الكميات المقدمة من الرياض للحكومة الموالية للتحالف، لا صلة لها بأيٍّ من دلالات ومعاني المنحة، يتمثل في أن نصوص الاتفاق الموقع في تاريخ (26 مايو 2019) بين وزارة الكهرباء في تلك الحكومة، كطرف أول، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، كطرف ثانٍ، حيث يصنف الاتفاق صراحة بالتجاري، وكل ما تحملته السعودية من فارق سعر عالمي لا يمثل لها أي خسارة أو أي مساس بأرباح كميات الديزل البالغة- حسب الاتفاق- (909591) طناً، والمازوت البالغة (351304) أطنان، خصوصاً وقد ربط الاتفاق الأسعار بمؤشر الأسعار المحلية في المملكة لحظة شراء كل دفعة من الكميات، وهذا المؤشر مرتبط أصلاً بالأسعار العالمية.

ما يؤكد هذه الحقيقة هو المادة 3 من الاتفاق حيث تنص على أن: يُشْعِر الطرف الأول (مؤسسة كهرباء عدن) الطرف الثاني بموافقته على الكميات التي حددها الطرف الثاني، والتكلفة التقديرية- بحسب أسعار المشتقات النفطية في المملكة- لكل شحنة من المشتقات النفطية، مضافاً إليها تكاليف النقل والشحن وضريبة القيمة المضافة، مع قيام الطرف الأول خلال (سبعة) أيام عمل من تاريخ الإشعار بسداد التكلفة التقديرية، وأكدت ذلك المادة رقم 6 من الاتفاق، حيث ألزمت الطرف الأول بكافة شروط “الاتفاق التجاري”، ويتحمل مسؤولية إخلاله بأي التزام ورد فيه.

الأخطر في الاتفاق التجاري، أن المبالغ التي كانت وما تزال تورد شهرياً لحساب إدارة المنحة (المشكلة من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والجهات العشر- المشار لها سابقاً- والتابعة لحكومة المجلس الرئاسي المُعين من الرياض) تذهب مكافآت لموظفيها ونفقاتها التشغيلية، ليصبح أكثر من 60% من محطات التوليد الحكومية خارج الخدمة لعدم وجود أي برامج صيانة، وهي نتيجة طبيعية لتحول تلك الجهات إلى كيانات مسؤولة أمام البرنامج السعودي، وليس أمام الدستور والقانون اليمنيين.

خلاصة القول: إن سقوط القناع الإنساني للمشتقات السعودية، وانكشاف حقيقتها للجميع، بأنها صفقة تجارية- رغم تغليفها بالإنسانية- يتحمل تكلفتها وما يترتب عليها من أرباح المواطن اليمني في مناطق سيطرة التحالف، ومع ذلك لا تزال حتى الآن تحمل اسم المنحة السعودية، ولا تزال حكومة المجلس الرئاسي تُرَوِّج هذه الصفقة المنهكة للحق الحصري السيادي، على أساس أنها مكرمَة سعودية، غير أن الأغرب في ملف هذه الصفقة أنها تحولت إلى شغل الحكومة الشاغل في المحافل والمؤتمرات واللقاءات، وتصريحات مسؤوليها المدججة بعبارات الثناء والشكر للرياض.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً