تقرير خاص-يمن ايكو
من غير الممكن فصل موارد اليمن ومقوماتها الاقتصادية التي يسيل لها لعاب الأطماع من قبل القوى المحلية والخارجية، عن سياق الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 6 سنوات، ولعل تلك هي الحقيقة التي لا تزال تطورات الأحداث في البلاد، وتحولات مسارات الأزمة تبرهن عليها.
في حين تختزن الأرض اليمنية ثروات طبيعية هائلة ومتنوعة، وتحوي مياهها الإقليمية هي الأخرى ثروات بحرية كبيرة، فإن الموقع الجغرافي للبلاد كان أهم ما يجعل اليمن محطاً للأطماع الدولية عبر تاريخه، فعلاوة على امتلاك البلاد امتداداً ساحلياً بطول 2500 كم على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، وانفتاحها على المحيط الهندي، فإن سيطرتها على واحد من أهم الممرات المائية في العالم يُعدُّ ميزة أخرى لهذا الموقع.
يوماً بعد آخر تتضح ملامح الأجندات الدولية المتعارضة والمتضاربة في اليمن، والتي تُعدّ الحرب التي تشهدها اليمن جزءاً منها، كما تتضح الأهداف المتقاطعة لهذه الأجندات، والتي تحركها الأطماع الاقتصادية في المقام الأول، بالنظر إلى الثروات الواعدة التي تكتنزها البلاد، إلى جانب أطماع السيطرة على الموقع الجغرافي الذي تتموضع فيه اليمن.
تعتبر اليمن بوابة لشبه الجزيرة العربية، وتشرف على مضيق باب المندب، أهم ممر للتجارة الدولية، وتقع على المياه المفتوحة على البحر العربي والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأحمر الرابط بين ثلاث قارات (آسيا وإفريقيا وأوروبا) من جهة أخرى، وكل ذلك يجعل منها دولة ذات تأثير كبير على منطقتي الخليج والقرن الأفريقي، وحتى شمالي الجزيرة العربية وأفريقيا المرتبطتين بأوروبا، فمن يملك نفوذاً في اليمن سيحكم أحد أهم طرق التجارة العالمية التي تغذي الشرق والغرب.
ويُعدّ البحر الأحمر ممراً لحوالي سبعمائة مليار دولار أمريكي من التجارة الدولية كل عام، ويضم ثاني أهم ممر في العالم وهو مضيق باب المندب، الذي تمر منه غالبية صادرات النفط الخليجي بما يقارب 5 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة، صوب أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فيما تقول التقارير الدولية إن 21 ألف قطعة بحرية تمر عبر هذا المضيق سنوياً، أي حوالي 57 قطعة بحرية يومياً.
وتؤكد الكثير من الدراسات الاستراتيجية أن الأطماع الدولية التي تُعدُّ الحرب التي تشهدها اليمن جزءاً متقدماً منها، حرصت على تهيئة المنطقة المحيطة بمضيق باب المندب، ليصبح أي تدخل دولي فيها مبرراً، وذلك من خلال جعل الممر الذي يعتبر أحد أهم المضائق العالمية، ممراً مضطرباً تؤثر فيه سلسلة من التحديات لدول مُطلة عليه تعاني من هشاشة أنظمتها والصراعات الداخلية، وتنعكس سلباً على أمن وسلامة ممر التجارة الدولي.
وبالنظر إلى القلاقل والاضطرابات التي عاشتها خلال عقود مضت، الدول المطلة على جنوب البحر الأحمر (دول القرن الأفريقي واليمن)، والتي كان آخرها الحرب الدائرة رحاها في اليمن منذ عام 2015 وحتى اليوم، فإن التحالفات التي نشهدها اليوم في هذه المنطقة، تسلط الأضواء أكثر على المخطط الذي حيك في سبيل مستقبل السيطرة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والذي قد تغدو إسرائيل لاعباً رئيسياً فيه.
ومنذ بدء الحرب التي يخوضها التحالف إلى جانب الأطراف المحلية الموالية في اليمن في مارس 2015، كثف التحالف السعودي الإماراتي من تواجده في المياه الإقليمية اليمنية، وبصورة خاصة في منطقة باب المندب وجزيرة سقطرى، وهو الأمر الذي أرجعه مراقبون إلى أطماع السيطرة على هذه المواقع المطلة على طريق التجارة في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، والتحكم بالممر الدولي في باب المندب.
وفي قلب مضيق باب المندب، حيث تتموضع جزيرة ميون “بريم” اليمنية، كرست الإمارات تواجدها العسكري، وشرعت منذ وقت مبكر في عام 2017 بالتخطيط لإنشاء قاعدة عسكرية في الجزيرة التي يبلغ طولها 5.6 كيلو متر (3.5 ميل).
مؤخراً أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة “أسوشيتيد برس”، شاحنات تفريغ وممهدات بناء مدرج بطول 1.85 كيلو متر (6070 قدماً) على الجزيرة في 11 أبريل الماضي.
وبحسب الوكالة فإنه وبحلول 18 مايو الجاري، بدا أن هذا العمل قد اكتمل، حيث تم تشييد ثلاث حظائر على مدرج المطار جنوب المدرج مباشرة، ويمكن أن يستوعب مدرج بهذا الطول طائرات الهجوم والمراقبة والنقل.
وفي تأكيد للدور الإسرائيلي الداعم للتواجد الإماراتي في باب المندب، كشف موقع استخباراتي إسرائيلي عن تفاصيل المشروع الذي تنفذه الإمارات في الجزيرة، وقال موقع “DEBKAfile”، الإسرائيلي -في تقرير له إن قاعدة الهليكوبتر الهجومية في الجزيرة، ستمنح الإمارات وسائل السيطرة على ناقلات النفط والشحن التجاري عبر الممر الجنوبي للبحر الأحمر وصولاً إلى قناة السويس.. مشيراً إلى أن جزيرة ميون ستمنح الإمارات نقطة انطلاق لقوات الانتشار السريع للوصول إلى اليمن، الذي تقول إنها انسحبت منه خلال 2019-2020.
وأكد الموقع أن الإمارات قامت قبل خمس سنوات ببناء مدرج ضخم عبر الجزيرة، مضيفاً أنه منذ أوائل مايو الماضي، شوهدت سفن إماراتية محملة بمعدات هندسية ثقيلة ومواد بناء وقوات تدخل الجزيرة، مما أثار شائعات عن منشأة جوية غامضة لم تعلن أي دولة عنها.ولفت إلى أن الإماراتيين بنوا قبل خمس سنوات، مدرجاً بطول 3 كيلو مترات في الجزيرة التي يبلغ طولها 5.6 كيلو متر والتي تم تصميمها في ذلك الوقت للطائرات المقاتلة والقاذفات الثقيلة.
ووفقاً للموقع الإسرائيلي، فإن قاعدة طائرات الهليكوبتر الهجومية هذه تغير بشكل جذري ميزان القوة في منطقة الشحن الدولية الحساسة هذه، وهي على صلة بالهجوم الإسرائيلي في الأسبوع الأول من أبريل الماضي على سفينة قيادة ومراقبة إيرانية متقدمة تدعى سافيز كانت متمركزة في البحر الأحمر.وفي ضوء ذلك، تتضح بشكل جلي ملامح الصراع الدولي في اليمن، المدفوع بأطماع السيطرة على الأرض والاستيلاء على ثروات البلد، والتي تقف بعيداً عن الأهداف المعلنة والشعارات التي رفعت لتبرير الحرب في اليمن.