يمن إيكو|خاص:
قال مركز “غلوبال ريسيرش” الكندي للأبحاث إن قوات صنعاء أصبحت مؤثرة على الجغرافيا السياسية البحرية للولايات المتحدة من خلال عملياتها المساندة لغزة والتي تميزت بتفوق أخلاقي وتكتيكات جديدة وهزت الصورة التي كان الأمريكيون قد رسموها على مدى عقود بشأن هيمنتهم المطلقة على البحار والمحيطات.
ونشر المركز، الاثنين، تقريراً مطولاً رصده وترجمه موقع “يمن إيكو” جاء فيه أنه “منذ عام 1945، اعتمدت السياسة الجيوسياسية الأمريكية بشكل كبير على القوة البحرية وهيمنة الدولار، وقد مكنت هذه الاستراتيجية الولايات المتحدة من الفوز في الحرب الباردة في عام 1989 وإعلان عالم أحادي القطب، ومن خلال تحصين نقاط الاختناق البحرية الرئيسية والسيطرة على طرق التجارة البحرية العالمية من خلال الحلفاء والاتفاقيات الثنائية والقواعد والوجود البحري، سيطرت الولايات المتحدة على التجارة والتمويل العالميين، وكما كتب جورج فريدمان، مؤسس مركز الأبحاث الأمريكي ستراتفور، في كتابه الصادر عام 2010 بعنوان العقد القادم: (إن القوة الأمريكية تعتمد على المحيطات، والتجارة العالمية تعتمد على المحيطات، ومن يسيطر على المحيطات يسيطر على التجارة العالمية، والولايات المتحدة تسيطر على كل المحيطات، ولم تتمكن أي قوة في التاريخ من تحقيق هذا، وتشكل هذه السيطرة الأساس الذي يقوم عليه أمن الولايات المتحدة وقدرتها على تشكيل النظام الدولي، ومن دون موافقة الولايات المتحدة، لا أحد يستطيع الإبحار في البحار)”.
ولكن تحت عنوان فرعي “القوة البحرية الأمريكية غير فعّالة” أضاف التقرير أن “الأمور اليوم لا تسير كما توقع فريدمان، فمنذ ديسمبر 2023 تعطلت التجارة البحرية، بشكل كبير، والولايات المتحدة التي تخسر أرضها في كل المجالات وفقدت مؤخراً كل القيم الأخلاقية والمعنوية بسبب تصفيقها لنتنياهو، مهندس الإبادة الجماعية في غزة، في الكونجرس الأمريكي، لا تستطيع السيطرة على حركة المرور البحري العالمية في مضيق باب المندب”.
وقال التقرير إنه “مع دخول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي بدأ في 7 أكتوبر 2023، شهره التاسع، وفي سياق تحول فيه الصراع إلى استخدام أحادي الجانب للقوة غير المتناسبة ضد النساء والأطفال في الغالب تحت قوة نيران إسرائيل، ينفذ الحوثيون اليمنيون استراتيجية الهجمات المباشرة على السفن التجارية والسفن الحربية التي تحميها لإحداث تأثير غير متكافئ وردع إسرائيل عن المذبحة التي يرونها إرهاب دولة”.
وأضاف: “وقع أول هجوم حوثي على إسرائيل في 9 نوفمبر 2023. ومنذ ذلك الحين، نفذ الحوثيون التابعون لحركة أنصار الله حوالي 150 هجوماً أو محاولة هجوم في البحار المحيطة، وخاصة في باب المندب وخليج عدن. في البداية، شنوا هجمات بطائرات بدون طيار من مسافة 2000 كيلومتر على مدينة إيلات الساحلية الإسرائيلية في البحر الأحمر. ثم بدأوا في مهاجمة السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والمملوكة لإسرائيل باستخدام ميزة الجغرافيا العسكرية الضيقة للمنطقة بالصواريخ والطائرات بدون طيار المسلحة والمركبات السطحية، وفي 19 نوفمبر 2023، اختطف الحوثيون سفينة (جالاكسي ليدر) الإسرائيلية في البحر الأحمر واقتادوها وطاقمها إلى اليمن، وفي 25 نوفمبر 2023، نفذوا هجوماً بطائرات بدون طيار على سفينة (كالاندرا) التابعة لشركة زيم الإسرائيلية قبالة سواحل سريلانكا في المحيط الهندي، وفي 27 نوفمبر 2023، هاجموا المدمرة الأمريكية (يو إس إس ميسون) والسفينة القريبة التي تحمل العلم الليبيري (سنترال بارك)، وفي 9 ديسمبر 2023، أعلن الحوثيون أن جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية ستكون مستهدفة”.
وأشار إلى أنه “برغم عمليات المرافقة البحرية والمنع التي بدأتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ نهاية عام 2023، وعمليات العقاب والتحجيم التي تستهدف رادارات الحوثيين وورش العمل والقوى البشرية والموانئ والقواعد، فإن هجمات الحوثيين لا تتناقص، ففي الفترة ما بين مارس ويوليو 2024، حدثت ما يقرب من 100 عملية، ورغم تكثيف الغارات الجوية على اليمن ودعم سلاح الجو الإسرائيلي، غرقت السفينة اليونانية (توتور) في 12 يونيو 2024، وعلاوة على ذلك، زاد الحوثيون من هجماتهم بعد كل خطوة مدمرة من جانب إسرائيل في غزة، وفي 19 يوليو 2024، أظهر الحوثيون قدرة غير عادية بضرب تل أبيب بطائرة بدون طيار، وأثبت ذلك قدرتهم على اكتساب وسائل إطلاق نيران بعيدة المدى، مما يشير إلى أن مياه شرق البحر الأبيض المتوسط قد تصبح خطيرة أيضاً في المستقبل، ويشير رد إسرائيل بضرب ميناء الحديدة بطائراتها إلى أن إسرائيل في حالة حرب رسمية مع اليمن”.
وتابع: “لقد اعترضت المدمرات والفرقاطات الدفاعية الجوية الحديثة التابعة للبحرية الغربية، بنظمها الثلاثية الطبقات (بعيدة المدى، ومتوسطة المدى، ونقطية الدفاع)، العديد من هجمات الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار، ومع ذلك، لم تحقق نجاحاً بنسبة 100%، حيث أن الذخائر المستخدمة باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً للتكامل لوجستياً.
وهناك فرق كبير في التكلفة بين الصواريخ التي تطلق من اليمن وصواريخ الدفاع الجوي المستخدمة على السفن الحربية الحديثة، ففي حين تكلف أسلحة اليمن آلاف الدولارات، تكلف الصواريخ الوقائية التي تستخدمها البحريات الغربية الملايين، ولم يسفر الوجود المطول لحاملة الطائرات الأمريكية (يو إس إس أيزنهاور) في المنطقة عن نتائج ملموسة ودائمة، بل شعر البحارة الأمريكيون بعدم الأمان في البحر لأول مرة”.
ونقل التقرير عن طيار في مجموعة أيزنهاور قوله لوكالة (أسوشيتد برس) إن “معظم البحارة، نظراً للمشاركات العسكرية للبلاد في السنوات الأخيرة، لم يكونوا معتادين على إطلاق النار عليهم.. لقد كانت تجربة البحر الأحمر مختلفة بشكل لا يصدق، ومؤلمة للمجموعة، وهي شيء لم نفكر فيه كثيراً.. قد تكون تجربة جديدة، لكن البحرية الأمريكية ستحتاج إلى التكيف بسرعة وبشكل دائم”.
وأضاف التقرير إنه “في بعض الأحيان، كانت هجمات الحوثيين تُكتشف في اللحظة الأخيرة، وكثيراً ما كانت هذه الهجمات تخترق طبقات متعددة من دفاعات السفينة بطريقة لم نشهدها في التاريخ الحديث، وقد ذكرت وكالة (أسوشيتد برس) أن العديد من البحارة شاهدوا الصواريخ التي أطلقها الحوثيون قبل ثوانٍ من تدميرها، ووفقاً لمسؤول أمريكي تحدث لشبكة سي إن إن، تمكنت المدمرة (يو إس إس غرافيلي) التي كانت في دورية، من اعتراض صاروخ كروز حوثي باستخدام نظام (فالانكس) بعد أن تجاوز طبقات متعددة من الدفاع الجوي”.
وتابع: “رغم أن عمليات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحماية حركة المرور التجارية مستمرة في المنطقة، فمن الصعب أن تعود حركة المرور إلى إحصائياتها السابقة، ولم يعد طريق البحر الأحمر إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، وخاصة في خليج العقبة، مستخدماً، وفي 18 يوليو 2024، أفادت وسائل الإعلام بإفلاس ميناء إيلات”.
وذكر التقرير أن “هجمات الحوثيين على الأهداف البحرية ليست جديدة، فخلال الفترة المكثفة من الحرب في اليمن التي بدأت في عام 2015، ووسط حظر وحصار شديد فرضه السعوديون وحلفاؤهم، نفذ الحوثيون هجمات ناجحة على فرقاطة سعودية بصاروخ قبالة الحديدة في 31 يناير 2017، وعلى فرقاطة سعودية أخرى بقارب انتحاري في 5 فبراير 2017، وعلى ناقلة سعودية بذخائر موجهة في 2 أبريل 2018، في المنطقة نفسها. وفي 12 يونيو 2018، كاد هجوم صاروخي للحوثيين أن يغرق سفينة دعم عالية السرعة تابعة للإمارات، والتي كانت تنقل جنوداً وذخيرة إلى الحديدة، وعلاوة على ذلك، من يونيو 2017 إلى نهاية عام 2018، نفذ الحوثيون أربع هجمات منفصلة على سفن حربية تابعة للتحالف السعودي باستخدام قوارب يتم التحكم فيها عن بعد، وفي 27 يوليو 2018، أعلنت السعودية تعليق مرور ناقلات النفط السعودية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مشيرة إلى مخاطر تتعلق بسلامة الأفراد والبيئة. وعلى الرغم من تخصيص 10٪ من دخلها الوطني للإنفاق الدفاعي، مما يجعلها ثالث أكبر دولة في العالم بميزانية دفاعية بلغت 56 مليار دولار في عام 2018، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تتمكن من إخضاع الحوثيين أو قدراتهم البحرية، وعلى الرغم من حصولها على دعم ثماني دول عربية سنية والقوات الجوية السعودية في الحصار البحري ضد اليمن الذي بدأ في مارس 2015، إلا أن البحرية السعودية لم تتمكن من الانتصار على الحوثيين.. وعلى الرغم من كونهم أضعف بكثير وأكثر محدودية في القوى العاملة والموارد مقارنة بالسعوديين، إلا أن الحوثيين تمكنوا من إذلال البحرية السعودية أمام العالم”.
وقال التقرير إن “التفوق الأخلاقي الكامن وراء هجمات السفن التي شنت ضد إسرائيل منذ 19 نوفمبر 2023، ينبع من هذا النجاح ضد السعوديين في عام 2018”.
وأضاف: “بالنظر إلى السيناريوهات التي قد تغلق فيها إيران مضيق هرمز، الذي يمر عبره 15 مليون برميل من النفط يومياً، فإن تحويل البحر الأحمر إلى منطقة خطيرة من قبل الحوثيين يمثل بالفعل ضربة كبيرة للجغرافيا السياسية البحرية الأمريكية، فقد زاد الحوثيون من نفوذهم على الأرض بالتأثير الأخلاقي لهذه النجاحات والتكتيكات والتقنيات الجديدة التي طوروها. وكما تم التأكيد مراراً وتكراراً، فمن دون غزو بري، من غير الممكن القضاء على قدرة الحرب البحرية غير المتكافئة التي طورها الحوثيون على مدى السنوات العشرين الماضية، والسؤال هو: هل تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها المتلازمون، إسرائيل والمملكة المتحدة، شن غزو عسكري في اليمن؟ وهل يمكن إقناع المملكة العربية السعودية ودول الخليج بالانخراط في حرب أخرى بالوكالة؟”
وبحسب التقرير فإن “إسرائيل، التي لا تتمتع بعمق جيواستراتيجي وتعتمد 90٪ من تجارتها الخارجية على النقل البحري، تجد صعوبة متزايدة في الحفاظ على اقتصادها الحربي، وهذا الوضع حاسم أيضاً بالنسبة للدعم الأمريكي لأن إسرائيل، الفقيرة والمنفرة للمستثمرين، لا يمكنها تمديد الحرب بدون المساعدات المالية والذخيرة الأمريكية”.
وأضاف: “من ناحية أخرى، يمكن القول إن الولايات المتحدة لن تترك إسرائيل في مأزق كما فعلت مع أوكرانيا، فإسرائيل المتمركزة في الولايات المتحدة أقوى وأكثر تعداداً سكانياً من إسرائيل في بلاد الشام، وقد ظهر هذا بوضوح في عرض نتنياهو الذي حظي بإشادة الكونجرس الأسبوع الماضي، وبالتالي، ستواصل الولايات المتحدة حماية إسرائيل”.
واعتبر التقرير أن التطورات التي قد تحدث في معركة البحر مستقبلاً “ستؤدي إلى فقدان قوة وهيبة الولايات المتحدة، التي ادعت أنها تهيمن على المحيطات منذ عام 1945، وسيستمر الحوثيون في تقويض سمعة القوة البحرية الأمريكية.. إن منع هذا أمر شاق وصعب بالنسبة للولايات المتحدة”.
واختتم بالقول إنه “إذا استمرت الولايات المتحدة في التصفيق لإسرائيل في الكونجرس، فإن الاضطرابات الجيوسياسية التي تواجهها ستنمو، والقضية هي: من سيقرر الأولويات الجيوسياسية لأمريكا طالما أن الديمقراطية الأمريكية وعملية الانتخابات مدفوعة بالتمويل اليهودي، فمن الواضح من سيقرر هذه الأولويات”.