تقرير خاص
استبشر المواطنون في مدينة عدن وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، بما ظنوه انفراجاً لأزمة المشتقات النفطية التي تعاني منها هذه المحافظات منذ أشهر، لكن الصدمة التي واجهها المواطنون هي الزيادة السعرية التي تأتي بالتزامن مع الانهيار الاقتصادي والمعاناة المعيشية التي تعصف بسكان هذه المحافظات على كافة المستويات.
وبدأت بعض من محطات الوقود في عدن، الأحد، توفير كميات من البنزين، لتتشكل الطوابير الطويلة من السيارات أمامها، لتواجه بالزيادة السعرية غير المعلن عنها، حيث تبيع المحطات صفيحة البنزين سعة 20 لتراً بمبلغ يتراوح بين 18500 ريال و19000 ريال.
وفي محافظة لحج وصل سعر صفيحة البنزين اليوم إلى ٢٠ ألف ريال في المحطات التجارية، وبزيادة تعادل 400%، عما كانت عليه مطلع العام الجاري.
وتُعدّ الزيادة السعرية الجديدة هي السابعة منذ مطلع العام، وفي كل مرة تضع حكومة هادي تبريرات لهذه الزيادات المتلاحقة، وسط تجاهل لما تتسبب به من انعكاسات على الحياة اليومية للمواطنين.
وتأتي الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، بعد أقل من شهر على جرعة سابقة، حيث وصل سعر صفيحة البنزين منتصف سبتمبر الماضي إلى 15 ألف ريال، بزيادة 2800 ريال عن ما كانت عليه منتصف أغسطس الماضي، ما دفع بناشطين إلى التعليق بأن حكومة هادي باتت تعتمد جرعات شهرية في أسعار الوقود.
وفيما شهدت وتشهد تلك المحافظات الجنوبية من احتجاجات واسعة ومستمرة، تنديداً بتردي الخدمات والأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ورفضاً لمسلسل الجرع والزيادات السعرية، شن ناشطون ومراقبون هجوماً لاذعاً على حكومة هادي، معتبرين أي مبررات تسوقها شركة النفط للزيادة السعرية ستكون نوعاً من المغالطة، حيث أن السبب الرئيس هو فساد مشترك بين حكومة هادي والتجار المستوردين للمشتقات النفطية، مضيفين أن أي مبررات أخرى يجري تسويقها ستكون عبارة عن مغالطة واضحة للمواطنين، الذين تتسع معاناتهم نتيجة إجراءات حكومة هادي، والتي تهدد المواطن في لقمة عيشه، سيما في ظل الانهيار الاقتصادي الحاصل وانهيار العملة، وما قابلها من ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ويتزامن قرار رفع أسعار المشتقات مع وضع اقتصادي صعب، مقرون باستحكام حلقات الأزمات المعيشية التي تعددت واختلفت أشكالها، لكن الضحية هو المواطن البسيط والموظف المتعب وجميع شرائح المجتمع الرازح تحت وطأة أزمات المياه، الكهرباء، ونقص الإمدادات من السلع الغذائية والدواء والوقود، واشتعال الغلاء الذي لم يعد محصوراً في المحروقات بل طال السلع الأساسية وأهمها رغيف الخبز، بعد أن انهارت قيمة الريال لأدنى مستوى لها في التاريخ، وانهارت معها القدرة الشرائية للمواطن، وتوقف رواتب موظفي المؤسسات والجهات الرسمية الإيرادية لأشهر.
من جهتهم توقع اقتصاديون تفاقم الأزمات والزيادات السعرية في سوق المشتقات النفطية خلال الأشهر المقبلة في المحافظات الجنوبية، وذلك نتيجة الانهيار الاقتصادي الحاصل في هذه المحافظات، واستمرار تهاوي سعر صرف العملة المحلية، بما يرتبط به من تضاؤل القيمة الشرائية للريال، يضاف إلى ذلك السياسة التي اتبعتها حكومة هادي بتعويم سوق النفط، وإتاحة المجال للتجار، وتعطيل دور شركة النفط اليمنية وشركة مصافي عدن.
وتوقع الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي، أن تشهد سوق المشتقات النفطية خلال الأيام والأشهر القليلة القادمة وضعاً صعباً للغاية، خاصة في ظل التوقعات باستمرار ارتفاع أسعار النفط عالمياً خلال الفترة المقبلة، وارتفاع أسعار الصرف، في ظل عدم وجود أي إصلاحات اقتصادية حقيقية أو تحسن ملحوظ في مستوى الأداء الحكومي.
المسبحي في تصريح صحافي له، الأحد، ذكر أن قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية الذي اتخذ في مارس من عام 2018م، كان قراراً غير صائب أو مدروس، وقد تسبب في انهيار العملة المحلية، وخاصة مع استمرار ارتفاع أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي أدى إلى استنزاف العملة الصعبة من السوق، خاصة مع ازدياد عدد الموردين، لافتاً إلى أن القرار قد أتى كبديل لتشغيل مصافي عدن، الأمر الذي يتضح معه بصورة جلية، أن الهدف من القرار كان يتمثل في تعطيل عمل ومهمة كل من شركة مصافي عدن وشركة النفط، وإعاقتهما عن أداء دورهما المطلوب ووظيفتهما الأساسية المتمثلة في التكرير بالنسبة للمصافي والتسويق لشركة النفط، وتحويلهما إلى منشآت للتخزين لما يستورده التجار، وبالتالي اعتبارهما مجرد خزانات مستأجرة بنظام العمولة.
مراقبون اعتبروا ما تعرضت له شركة النفط اليمنية وشركة مصافي عدن من تعطيل نتيجة قرار حكومة هادي تحرير استيراد الوقود، ليس سوى مؤامرة حيكت لتدمير أهم قلاع الاقتصاد في البلاد لصالح تجار مقربين من هادي، وأبرزهم نائب مدير مكتبه التاجر أحمد العيسي، وفاسدون آخرون في حكومته أحالوا المصافي إلى مجرد مخازن خاصة بمستورداتهم، بموجب عقود إيجار صورية، تنص على إيداع الإيرادات والعائدات لدى مركزي عدن كرافد لخزينة الدولة، لكنهم لم يوردوا أي مبالغ تذكر إلى البنك بل هربوها عملة صعبة إلى أرصدة خارجية معظمها في السعودية وفي حسابات خاصة بالتجار.
الأسوأ في القرار، حسب المراقبين، هو ما سيترتب عليه من زيادات على أسعار الخدمات، بما فيها الكهرباء والمياه والمواصلات، وهو ما سيضاعف معاناة كافة شرائح المجتمع، ناهيك عمّا سيعكسه سعر المحروقات المرتفع من ارتفاعات سعرية على كل السلع الضرورية، بما في ذلك رغيف الخبز، حيث شهدت الفترة الماضية احتجاجات شعبية واسعة على خلفية أزمة الرغيف وإضرابات المخابز لانعدام الوقود.