يمن ايكو
تقارير

الاقتصاد اليمني وآفاق التسوية.. توقعات بالتعافي في حال انتهت الحرب

أكثر من ست سنوات من الحرب التي طاولت تأثيراتها الاقتصاد اليمني، ملحقة به تدهوراً كبيراً، انعكس- بطبيعة الحال- على الحياة المعيشية لملايين السكان، إلى الحد الذي وصفت فيه الأمم المتحدة في تقاريرها الوضع في اليمن بـ “أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم”.
الاقتصاد الهش أساساً تعرض لاستنزاف تام لموارده وثرواته ومقدراته، ونتج عن ذلك انكماش اقتصادي أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بحوالي ثلاثة أضعاف، حسب سعر الصرف بالدولار في مناطق سيطرة الحكومة المدعومة من التحالف، كما اتسعت رقعة الفقر لتشمل 80 في المائة من السكان، وتآكلت معه الطبقة المتوسطة وخاصة شريحة الموظفين المعتمدة على مرتبها الحكومي كمصدر رئيس للدخل، وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات حرجة، فضلاً عن هروب الاستثمارات إلى الخارج بحثاً عن ملاذات آمنة.

وحسب تقارير اقتصادية دولية ومحلية فقد تراجع نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 1139 دولاراً عام 2014 إلى 364 دولاراً، (بسعر الصرف الموازي)، عام 2020م، وبمعدل تغير تراكمي بلغ سالب 69.5 في المائة، ما يعني انزلاق مزيد من السكان إلى ما تحت خط الفقر وتزايد حدة الأزمة الإنسانية.
ويُعدُّ توسع هذه الخسائر الاقتصادية أمراً طبيعياً بالنظر إلى الوضعية التي تمر بها البلاد، مع انخفاض الإيرادات وتبعثرها بين الأطراف المتنازعة، وعدم سلوكها قنواتها الرسمية، إضافة إلى تراجع الصادرات واختلال الميزان التجاري.
وفيما يمضي مسار تأثيرات الحرب على الاقتصاد اليمني في تصاعد، حيث يفاقم طول أمد الحرب الأضرار ويضاعف الخسائر يوماً بعد آخر ويعمل على تعطيل أي توجه لوضع خطط تنموية، ويجفف الموارد، ويحول دون نشاطات الاستثمار، لا يزال اقتصاديون يعلقون آمالاً كبيرةً على الجهود السياسية، التي إذا ما توصلت إلى حل للأزمة اليمنية فإن ذلك سينعكس على الوضع الاقتصادي في البلاد، شأنه شأن بقية مناحي الحياة.

ويرى الاقتصاديون أن بلداً متعدد الموارد مثل اليمن، فإن إمكانيات التعافي الاقتصادي فيه ستكون ذات جدوى، إذا ما توقفت الحرب واستغلت الموارد على نحو أمثل، وسادت حالة من الاستقرار والعدالة التي يمكن أن تخلق بيئة مناسبة لعودة الاستثمارات التي هجرت البلاد منذ اندلاع الحرب 2015، واجتذاب استثمارات جديدة.
النظرة المتفائلة بتعافي الاقتصاد اليمني في حال وضعت الحرب أوزارها، يدعمها ما ذهبت إليه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في أحدث تقرير لها بشأن الاقتصاد اليمني، والصادر أواخر مايو الماضي، حيث أشارت إلى إمكانية تعافي اقتصاد البلاد في حال توقفت الحرب، التي دخلت عامها السابع في 26 مارس الماضي، مؤكدةً أن اقتصاد السوق سيكون القوة الدافعة لإعادة بناء اليمن بعد الحرب، “بفعل ارتفاع الطلب عالمياً على المنتجات اليمنية، وجاذبية السوق اليمنية للمنتجات الاستهلاكية”.

وقالت الوكالة إن اليمن تُعدُّ سادس أكبر دولة في الشرق الأوسط في استيراد المنتجات الاستهلاكية، قبل الحرب، حيث تستورد 90% من احتياجاتها من الخارج.. موضحة أنه بالرغم من أن اليمن في أزمة اقتصادية حادة جراء تبعات الحرب، إلا أنه يمتلك الموارد الاقتصادية اللازمة لإعادة البناء والاندماج مع الاقتصاد العالمي.
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن هناك حاجة للاستثمار الخاص لجلب التكنولوجيا والاتصالات والخبرة الإدارية للسوق اليمنية، للاستفادة من صادرات منتجات شهيرة مثل العسل اليمني والقهوة والمأكولات البحرية، التي يرتفع الطلب عليها في السوق العالمية.. متوقعة ظهور فرص استثمارية جذابة لتمكين الاقتصاد اليمني من زيادة دخل الأسرة والتوظيف وتقليل الحاجة إلى مساعدات المانحين.

مغادرة عدد من كبار الشركات البلاد هروباً من الحرب والحصار وطمعاً في توسيع نطاق عملياتها في بيئات أكثر استقراراً، لا تعني – من وجهة نظر اقتصاديين- الفرار النهائي من السوق اليمنية، بل ترتبط العملية بلعبة الكر والفر مع الحروب الاقتصادية عبر التاريخ.. مؤكدين أن المغتربين اليمنيين وشركاتهم ذات الشراكات الدولية ستعود إلى الوطن باستثمارات رأس المال الصغيرة، وتوسيع السوق الاستهلاكي الكبير، خصوصاً أن مستثمري اليمن وتجارها المغتربين عرفوا خارجياً بالمرونة والتعامل مع أسواقهم المحلية، وفق نظرية “اقتصاد السوق” التي تعرف بأنها: “نظام اقتصادي حر تستند قراراته الاقتصادية إلى مجموعة متناسقة من التفاعلات بين مواطني البلد والشركات بدون تدخل الدولة”.

ورغم ذلك، يظل التفاؤل بتعافٍ سريع للاقتصاد اليمني إذا ما توقفت الحرب، محكوماً بالوضع الذي يمكن أن تتمخض عنه أي تسوية سياسية، حيث يؤكد الخبراء أن أي تسوية سياسية لا تضع الجانب الاقتصادي في أولى أولوياتها، وتصيغ الشروط اللازمة لخلق واقع مواتٍ لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية، فإنها ستكون محفوفة بالفشل، على اعتبار أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة مثلت خلال العقد الماضي جزءاً أساسياً من الأزمة اليمنية.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً