تقرير خاص- يمن إيكو
في ظل المسار المتصاعد لمؤشر الأسعار العالمية رغم تراجع تكاليف الإنتاج بسبب انخفاض كلفة المواد الخام خلال السنوات الأخيرة التي شهدت نكسة اقتصادات العالم بسبب جائحة كوفيد 19، اتهم اقتصاديون الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها النقدية الجائرة ورفعها للفائدة وافتعال الأزمات والحروب والعقوبات الاقتصادية في مناطق مختلفة من العالم.
ويرى الاقتصاديون أن التضخم الذي دائماً ما يسبق ارتفاع الأسعار هو “الجشع” لدى الشركات العالمية والكبرى التي تتحكم بالأسواق، فيما تحركها السياسة النقدية الأمريكية التي تعتمد على رفع سعر الفائدة، فاتحة الباب لما أسماه الاقتصاديون.. «تضخم الجشع» الذي يعني أن الشركات تتذرع بمعدلات التضخم المرتفعة كي ترفع الأسعار على عملائها، محققة هوامش ربح قياسية.
ورفعت كبرى البنوك المركزية في عام 2022 أسعار الفائدة، بذريعة معالجة ارتفاع التضخم الذي وصل في معظم الاقتصادات العالمية، ومنها الأوروبية والأميركية، إلى مستويات قياسية لم يشهدها العالم منذ أكثر من 40 عاماً، لكن رفع الفائدة انعكس على تعاطي الشركات الكبرى مع الأمر كفرصة ذهبية لرفع الأسعار على كل السلع.
موقع (سي إن إن عربية) في تقرير نشره نهاية مارس المنصرم تحت عنوان “كيف يرفع جشع الشركات الأسعار؟”، ربط ظاهرة ارتفاع الأسعار برفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة، في مسعىً خاطئ لكبح جماح التضخم بدون مراعاة أثر ذلك السلبي على إضعاف القدرة الشرائية للمستهلكين.
وحذر التقرير من أن رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة على نحو مؤلم قد يدفع بالاقتصاد إلى الركود، وفي الوقت نفسه، تستمر أرباح الشركات في الارتفاع، إذ وصلت هوامش الربح في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
ونقل موقع “السي إن إن” عن ألبرت إدواردز (خبير الاقتصاد في بنك «سوسيتيه جنرال» في مذكرة الأسبوع الماضي) قوله: إن «المحرك الأساسي» للتضخم المرتفع هو استغلال الشركات لعملائها من خلال رفع الأسعار لتحقيق المزيد من الأرباح.. موضحاً أنها استغلت الإعلام لتعزيز مخاوف العملاء الذين يتوقعون ارتفاع الأسعار لأنهم تابعوا أخبار توقعات الخبراء الذين يعملون لصالح تلك الشركات وقلقهم إزاء ارتفاع التضخم في وسائل الإعلام، فتستغل الشركات تلك التوقعات رافعة أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية رغم استقرار تكاليف الإنتاج والتسويق.
وتعتمد أمريكا في سياساتها على مراكز بحثية عملاقة، وعلى مؤسسات مالية عالمية، أهمها مجموعة مؤسسات البنك الدولي الذي تخرج من عباءتها تصريحات أولئك الخبراء وقلقهم الدائم، فقد توقع صندوق النقد الدولي في فبراير الماضي أن 84% من البلدان حول العالم سيكون لديها تضخم أقل من العام الماضي، وبحلول عام 2024، مرجحاً أن يظل التضخم الرئيسي والأساسي أعلى من مستويات ما قبل الجائحة عند 4.1%.
وأشار إدواردز إلى تهرب البنوك المركزية وعلى رأسها البنك المركزي الأمريكي من حقيقة كون السياسات النقدية الأمريكية الخاطئة تقف خلف تضخم الجشع لدى الشركات وسبباً رئيساً لارتفاع الأسعار، جعلها ترجع أسباب التضخم إلى زيادة الأجور الاسمية، المعروفة اقتصادياً بـ(دوامة الأجور والأسعار)، “كلّما ارتفعت الأسعار ارتفعت الأجور، وكلّما ارتفعت الأجور زادت الأسعار».
وحسب تقرير الـ “سي إن إن عربي” زادت رواتب الموظفين في البنوك والشركات الكبرى بنسبة 14% خلال الفترة من نهاية عام 2020 والربع الثالث من عام 2022، ليكون ذلك ذريعة أمام الشركات لتصعيد أرباحها وبنسبة قياسية تجاوزت 28% خلال الفترة المذكورة، وهي زيادة اعتبرتها دراسة أكاديمية حديثة للخبيرة الاقتصادية في جامعة ماساتشوستس أمهيرست الأمريكية إيزابيلا ويبر، قفزة أكبر بأضعاف مضاعفة من نسبة زيادة تكاليف الإنتاج، فضلاً عن كونها خارج القوة الشرائية للمستهلكين.
الأخطر من وجهة نظر الاقتصاديين يتمثل في أن الشركات تواصل رفع هوامش أرباحها عبر الاعتماد على سياسة رفع الأسعار حتى في ظل انخفاض تكاليف المواد الخام، وهو ما اعترفت به ضمنياً “لايل برينارد” النائب السابق لرئيس الاحتياطي الفيدرالي والمدير الحالي للمجلس الاقتصادي الوطني للولايات المتحدة، في يناير/ كانون الثاني الماضي..
محذرة من أن «دوامة السعر والسعر» قد تضر الاقتصاد في النهاية، إذ إنها تمنع المستهلكين من الإنفاق.
وحسب مركز الاستشارات البريطاني، فإن هذه السياسات التي أججت الجشع لدى الشركات الكبرى وضاعفت هوامش أرباحها إلى أرقام قياسية ساهمت خلال الأعوام الأخيرة في رفع حجم الاقتصاد العالمي 100 تريليون دولار لأول مرة في عام 2022م، فيما يراهن خبراء اقتصاديون على أن هذا الزخم سيتراجع في عام 2023 مع استمرار معركة صانعي السياسات ضد ارتفاع الأسعار بذرائع التضخم.