تقرير خاص – يمن إيكو
للعام الثامن على التوالي تواصل قوى النفوذ المتعددة التابعة للتحالف عمليات النهب للمخزون النفطي، والتدمير المتعمد بالنفايات النفطية للموارد الطبيعية والبيئية في محافظة شبوة، وفق صفقات تجارية غير مشروعة تعقدها تلك القوى مع الشركات الأمريكية والغربية، التي تشتري ما في باطن الأرض، وتدمِّر سُبـُل الحياة على ظاهرها.
وتتركز في محافظة شبوة أهم القطاعات النفطية في البلاد، ففيها قطاع S2- العقلة الذي كان ينتج 20 ألف برميل يومياً وتديره شركة OMV النمساوية، وقطاع S1-بيحان الذي كان ينتج 10 آلاف برميل يومياً، وتديره شركة أوكسيدنتال Oxy الكندية، وقطاع 5- جنة هنت- عسيلان الذي كان ينتج 30 ألف برميل يومياً، وكانت تديره شركة هنت جنة الأمريكية، وقطاعا: 10 و4 الأول مشترك (حكومي/خاص) وتديره شركة توتال الفرنسية، وكان ينتج 50 ألف برميل يومياً، والثاني تديره الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية الحكومية.
لتمثل شبوة بتلك القطاعات ثاني المحافظات اليمنية إنتاجاً للنفط بعد حضرموت، بإنتاج يومي يصل إلى 60 ألف برميل، وثاني المحافظات إنتاجاً للغاز بعد مأرب، فيما تُعد الأولى من حيث احتياطي الغاز، إلى جانب مقوماتها الاستراتيجية الموصولة بإنتاج النفط والغاز والمتمثلة فيما تملكه من موانئ نفطية ونظام “بيب لاين” الذي يسمح للشركات الدولية بضخ النفط من خزانات ضخمة إلى الموانئ لتزويد السفن والبيع.
تلك القطاعات وتلك المقومات الإنتاجية التي كانت تمثل عمود الاقتصاد اليمني قبل الحرب والحصار، أصبحت بعد 26 مارس 2015م مسرحاً مفتوحاً لنهب الكميات الكبيرة من النفط الخام اليمني، إما من خلال السرقات المتواصلة من فتحات الأنبوب المتهالك الممتد على أراضي مديريات الروضة ورضوم وعزان بشبوة، أو عبر القاطرات العملاقة التي كانت تأتي إلى ميناء النشيمة لنقل ملايين الأطنان إلى خارج البلاد ويتم توريد عائداته إلى أرصدة وحسابات مفتوحة في الرياض.
وتؤكد التقارير والإحصائيات أن النصف الأول من العام الجاري، شهد مسلسلاً من النهب المنظم عبر نقل ملايين الأطنان من النفط الخام المنتج من محافظة شبوة، إلى سفن عملاقة تأتي إلى ميناء النشيمة، كان آخرها، وصول سفينة النفط الإماراتية lSABAELL في الـ29 من يونيو المنصرم، لنقل مليون برميل، بقيمة إجمالية تصل لـ114 مليون دولار، ما يساوي 68.4 مليار ريال يمني، سبقها وصول السفينة SEAVELVET إلى الميناء نفسه في 25 إبريل الماضي، نقلت مليون برميل، بقيمة إجمالية بلغت 106 ملايين دولار ما يساوي 63.6 مليار ريال يمني، وفي الـ5 من فبراير الماضي وصلت الميناء السفينة Pantanassa لنقل مليوني برميل بقيمة إجمالية تقارب 200 مليون دولار.
تلك السفن العملاقة على سبيل المثال لا الحصر، وفي نصف عام فقط، أما الأعوام الماضية خلال 2017-2021م فقد شهدت صفقات مشبوهة تم على أساسها بيع آبار ومناقلة حصص شركات لأخرى وبدون علم فرع وزارة النفط في المحافظة، إضافة إلى سلسلة متصلة من الناقلات العملاقة التي تأتي إلى ميناء النشيمة، ناهيك عن استمرار السرقات المتواصلة من فتحات الأنبوب التي أحالت أراضي واسعة إلى قاحلة وملوثة ماءً وهواءً وتراباً، وسط تحذيرات بيئية سمع بأصدائها العالم، لكن لا مجيب لإيقاف التسرب النفطي- الذي بات يجتاح الأراضي الصالحة للزراعة وعلى امتداد البصر- منذ اكتشافه في يونيو 2017م.
ومع استمرار التسرب من يومها، لم تكتفِ الحكومة بالتجاهل بل ساهم عجزها وربما تغابيها في تفجير الأنبوب في يونيو 2019م على أيدي مسلحين، لتصاب البيئة والطبيعة بكارثة تلوث جديدة في الهواء والمياه والتربة التي تسرب إليها النفط، وبانتشار كفيل بأن يقضي على صلاحية الأراضي الزراعية في كافة الأودية التي يمر بها الأنبوب.. ومع ذلك لم تكترث الحكومة المعترف بها دولياً ولم تكلف نفسها إلزام الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية مسؤولية الكارثة البيئية التي شملت المراعي والأحياء الحضرية والأراضي الزراعية.
رئيس نقابة الهيئة العامة لاستكشاف وإنتاج النفط والأمين العام للنقابات العامة للنفط والمعادن، محمود سعيد، حمل الحكومة المعترف بها دولياً مسؤولية ما وصفه بـ”فساد الشركات الدولية”.. مؤكداً أن تغييب دور الهيئة من قبل الحكومة ووزارة النفط تحديداً قد غيَّب جميع التفاصيل الهامة لما ترتكبه تلك الشركات من فساد بيئي واقتصادي غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وأوضح أن معظم الشركات الدولية التي تم ويتم إنشاؤها لا تعود واردات مبيعاتها من خام النفط إلى وزارة المالية أو بنك عدن المركزي أو خزينة الدولة، وإنما تتبع شخصيات عليا تمثل قوى النفوذ في الحكومة المعترف بها دولياً.. مضيفاً: ما يزيد الأوضاع سوءاً، هو أن الشركات الدولية تعمل وفقاً لـ”قانون القوة القاهرة” الوارد في اللائحة التنظيمية لوزارة النفط والمعادن، والذي يسمح للشركات بإيقاف أنشطتها في القطاعات النفطية عند حدوث حرب أو كوارث طبيعية، وهو ما عملت عليه الشركات بتعطيلها قطاعات إنتاجية لسنوات بدون تشغيل القطاع أو التنازل عن حصتها لشركات إنتاجية أخرى.
خلاصة القول: تلك الصفقات جرت ولا تزال تجري بين قوى النفوذ والشركات، وسط فوضى كبيرة من غياب الرقابة على أنشطة الشركات التي تمارس إفساد البيئة وغسل العائدات جهاراً نهاراً وخارج اللوائح والقوانين وقيم المسؤولية الاجتماعية الناظمة للعلاقة القانونية بين الشركات الاستثمارية النفطية والمجتمعات المحيطة بأعمالها الاستكشافية والإنتاجية للنفط الخام.. وبتواطؤٍ كان ذلك الفساد والعبث أو بعجزٍ واضح من الحكومة المعترف بها دولياً، لا فرق بينهما، فالأثر الظاهر على الأرض يؤكد أن الحكومة ساهمت بكل الطرق في تحويل مقدرات محافظة الشبوة النفطية إلى ثروة سائبة ينطبق عليها المثل الشعبي القائل: “المال السائب يعلم الناس السرقة”.