وفي وقت مثلت وحدة الموارد اليمنية عبر السواحل والمدن التجارية الكبرى، والقيعان الزراعية المفتوحة، فرصة تاريخية لاجتماع عوامل تعزيز قدرات البلد الإنتاجية على مختلف السلع الأساسية والكمالية وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، عمد النظام إلى جعل الدولة معتمدة على الدعم الخارجي، مفرغاً المجال لحكوماته المتعاقبة نحو صندوق النقد الدولي للقيام ببرنامج دمج هيكلي وتمويل مشاريع إنمائية لمواكبة السياسات النيوليبرالية وفق التعليمات الدولية، التي تكشف فيما بعد أن أكثر من 50% من كتل المنح المالية الخارجية والقروض وجِّهت خارج مسار التنمية.
النظام السابق، لم يكتفِ بتلك الممارسات بل أوغل- وفق الخبراء- في انتهاج سياسات اقتصادية قاتلة تمثلت في المصادقة والتوقيع على اتفاقيات دولية تحظر على الدولة التوجه نحو زراعة القمح وغيره من المحاصيل ذات الضرورة الحياتية، ليظل اعتماد الدولة إجبارياً على الواردات، وتوجيه مليارات الدولارات لهذا الغرض، معتبرين ذلك خطأً استراتيجياً قصم ظهر الوحدة، وأفرز الفقر بشكل كارثي في كل المحافظات، وقتل في المجتمع همة العمل والزراعة والإنتاج، مفوتاً على اليمن فرصة بناء الشخصية الاعتبارية لدولة الوحدة اليمنية المستقلة سياسياً واقتصادياً.
خلاصة القول: إن تلك العوامل والممارسات السياسية والاقتصادية هي ما أفضى بالبلد إلى الضعف والفقر والتبعية للخارج، وقاد إلى النتائج الكارثية التي يعاني منها البلد اليوم، للعام السابع على التوالي، وإن الأوضاع التي تمر بها اليمن حالياً، في حال توقفت الحرب، يمكن أن تمثِّل فرصة تاريخية في الخلاص من التبعية الاقتصادية والخروج من مربع كينونتها كسوق استهلاكية لدول الجوار، وأنظمتها القائمة على نزعة التوسع والإلغاء لهويات دول كانت قائمة في الخليج، إلى مجتمع إنتاجي يستعيد دولته وموقعه الحضاري بين دول المنطقة زراعياً وتجارياً وثقافياً.