يمن ايكو
تقارير

في ذكراها الـ 32 كيف تقاسمت قوى النفوذ ثرواتها.. الوحدة اليمنية من منظور اقتصادي  

تقرير خاص – يمن إيكو 
في سياق الحديث عن الوحدة اليمنية- التي يحتفل اليمن بالذكرى الـ32 لتحقيقها- وبمفهومها الاقتصادي والاجتماعي، يرى خبراء السياسات الاقتصادية أن النظام السياسي السابق همّش مقدرات البلد الإنتاجية في الشمال والجنوب، واتكأ على الثروات النفطية كأساس لدولته ونفقاته الكبيرة، موجهاً الكتل المالية الناتجة عن النفط، لصالح حفنة من قوى النفوذ الحامية لأركان دولته، ولشراء الولاءات السياسية داخلياً وخارجياً.. مؤكدين أن تغييب ملف الاقتصاد والثروات وتقاسم المصالح الخادمة لكل شرائح المجتمع، في الترجمة الإجرائية لاتفاقيات إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة مثَّل خطأ فادحاً، أفضى إلى كمٍّ كبير من المشكلات الاقتصادية التي أساءت للوحدة اليمنية كمسكب تاريخي واستحقاق وطني عظيم.

المراقب السياسي عبدالله سلام الحكيمي، قال من لندن في حوار صحافي: “من يرجع إلى أدبيات المفاوضات بين الشطرين سيجد أن المسار الاقتصادي في تفاصيل الاتفاقيات التي تمت عقب جولات الحروب بين الشطرين، والتي كانت نتاج عمل لجان الوحدة المشتركة، لا غبار عليها، وهي جهد جيد وصادرة عن قامات وطنية مخلصة، رأت إلى الوحدة من منظور اقتصادي معيشي ينعم الجميع في ظله بالمساواة في الحكم والثروة والفرص، لكن تلك البنود لم تطبق على الأرض، واكتفى النظامان بوحدة اندماجية قيادية فقط، وأجّلا توحيد العملة والبنك المركزي والجيش والأمن ودمج المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية.. إلخ، وحلحلة مشاكل المستفيدين منها شمالاً وجنوباً إلى ما بعد الوحدة”.

وأكد الحكيمي أن ذلك الخطأ الاستراتيجي شكل سبباً رئيساً في بروز الخلافات المريرة بين الطرفين، واندلاع حرب صيف ١٩٩٤م التي خلَّفت كارثة اقتصادية كبرى، بما أفرزته من مئات الآلاف من المسرَّحين من وظائفهم والمنقطعة معاشاتهم على المستويات العسكرية والأمنية والمدنية.

ومن المؤكد أن تنامي الشعور بالغبن في الشارع الجنوبي، بعد حرب صيف 94 قوبل بلا مبالاة ولا اكتراث، بل بالقمع والاقصاء، استناداً إلى مصدر قوة النظام الثلاثية: الجناح السياسي (صالح ومن معه) والجناح العسكري والديني (محسن والزنداني زعيم حزب الإصلاح ومن معهما)، والجناح القبلي (الشيخ عبدالله الأحمر ومن معه)- التي تحكمت بالثروات والموارد وحركة التجارة ومداخيل النفط والمناصب والحقائب الوزارية، مجيّرة تحقيق الوحدة اليمنية لصالح النظام، ومعتبرة إياها أحد أهم مكتسباته التاريخية، في كذبة لم يصدقها سوى النظام نفسه بتعاميه وتصاميه عن كل الدعوات المطلبية والمعيشية في الشارع الجنوبي، وعن كل الكوارث التي خلفتها قوى النفوذ من سيطرتها على المقدرات، بما في ذلك تغاضي النظام عن نتائج تقرير أراضي الجنوب الصادر عن لجنة الشهيد الراحل عبدالقادر هلال والدكتور صالح علي باصرة- رحمهما الله- الذي تضمن جرائم فساد قوى النفوذ التابعة للنظام في المحافظات من احتلال البيوت ومصادرة الحقوق العامة والخاصة والسيطرة الجبرية على أراضي الدولة وأراضي المواطنين.

الأكبر كارثية في تلك المآلات القاسية على الذاكرة اليمنية- من وجهة نظر المراقبين- حدث في ما بعد حرب صيف 94 التي اعتبرتها تلك القوى الثلاثية المشار إليها سابقاً، مكسباً خاصاً بالنظام وأركانه العائلية؛ وتمثل في تفويت فرصة الطفرة النفطية التي حققتها البلاد من عائدات مالية هائلة من صادرات النفط، على التنمية وبناء اقتصاد البلاد، لتذهب تلك الإيرادات والكتل النقدية سدى وفساداً تتقاسمه قوى النفوذ، وفي وقت كان مذهبه الطبيعي والمنطقي في نهضة الإنتاج الزراعي والغذائي والصناعي.

ويرى خبراء الاقتصاد أن أهم الأخطاء الاستراتيجية التي ضربت اقتصاد الوحدة اليمنية، تمثلت في تهميش مؤسسات الاقتصاد الإنتاجية عبر تغييب مخصصاتها المتعارف عليها في قوانين الموارد النفطية، بنسبة مئوية في فائض الإيرادات تساعدها على النهوض والصمود في وجه الأزمات، لكن ذلك لم يحصل، فمصانع الغزل والنسيج التي كانت تتميز بها دولة نظام الجنوب، ومصانع مؤسسة الغزل والنسيج في الشمال، وغيرها من المصانع والمعامل هُمِّشت ودُمِّرت رغم أنه كان يمكن تعزيز وجودها ودورها في الاقتصاد وتشغيل القوى العاملة. لكن تلك المقومات تحولت بفعل الممارسات السياسية الخاطئة، إلى مشكلات اقتصادية مزمنة، حيث ولدت غبناً اجتماعياً كبيراً بما خلقه تدميرها من عشرات الآلاف من الأيادي العاملة التي وجدت نفسها على أرصفة البطالة باحثة عن قوت أُسَرها.

وفي وقت مثلت وحدة الموارد اليمنية عبر السواحل والمدن التجارية الكبرى، والقيعان الزراعية المفتوحة، فرصة تاريخية لاجتماع عوامل تعزيز قدرات البلد الإنتاجية على مختلف السلع الأساسية والكمالية وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، عمد النظام إلى جعل الدولة معتمدة على الدعم الخارجي، مفرغاً المجال لحكوماته المتعاقبة نحو صندوق النقد الدولي للقيام ببرنامج دمج هيكلي وتمويل مشاريع إنمائية لمواكبة السياسات النيوليبرالية وفق التعليمات الدولية، التي تكشف فيما بعد أن أكثر من 50% من كتل المنح المالية الخارجية والقروض وجِّهت خارج مسار التنمية.

النظام السابق، لم يكتفِ بتلك الممارسات بل أوغل- وفق الخبراء- في انتهاج سياسات اقتصادية قاتلة تمثلت في المصادقة والتوقيع على اتفاقيات دولية تحظر على الدولة التوجه نحو زراعة القمح وغيره من المحاصيل ذات الضرورة الحياتية، ليظل اعتماد الدولة إجبارياً على الواردات، وتوجيه مليارات الدولارات لهذا الغرض، معتبرين ذلك خطأً استراتيجياً قصم ظهر الوحدة، وأفرز الفقر بشكل كارثي في كل المحافظات، وقتل في المجتمع همة العمل والزراعة والإنتاج، مفوتاً على اليمن فرصة بناء الشخصية الاعتبارية لدولة الوحدة اليمنية المستقلة سياسياً واقتصادياً.

خلاصة القول: إن تلك العوامل والممارسات السياسية والاقتصادية هي ما أفضى بالبلد إلى الضعف والفقر والتبعية للخارج، وقاد إلى النتائج الكارثية التي يعاني منها البلد اليوم، للعام السابع على التوالي، وإن الأوضاع التي تمر بها اليمن حالياً، في حال توقفت الحرب، يمكن أن تمثِّل فرصة تاريخية في الخلاص من التبعية الاقتصادية والخروج من مربع كينونتها كسوق استهلاكية لدول الجوار، وأنظمتها القائمة على نزعة التوسع والإلغاء لهويات دول كانت قائمة في الخليج، إلى مجتمع إنتاجي يستعيد دولته وموقعه الحضاري بين دول المنطقة زراعياً وتجارياً وثقافياً.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً