تقرير خاص
أكد مراقبون أن استمرار اعتماد الخارج على تقييم أمن اليمن الغذائي والوضع الإنساني والاقتصادي على المؤشرات التي تقدمها حكومة هادي، حول الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرتها، يشكل المعادلة الحقيقية للسير إلى هاوية المجاعة الحتمية، كون تقييم مؤشرات أمن البلاد الغذائي يأتي من خارج الواقع نفسه، بحكم عزلة الحكومة في فنادق الرياض، وبصرفيات ونفقات هائلة وكما لو أن البلاد في وضعها الطبيعي.. لافتين إلى ما يترتب على ذلك التقييم من بيانات تسير على أساسها الأعمال الاغاثية والإنسانية أو مساعدات دعم برامج الحصول على الغذاء.
وفيما تشهد مناطق حكومة صنعاء استقرارا في أسعار الغذاء المتوفر بحكم ثبات قيمة الريال من سنوات، تعيش مناطق سيطرة التحالف أزمات متفاقمة، خصوصا على صعيد الغذاء، بعد وصول قيمة الريال اليمني إلى قاع تاريخي غير مسبوق متخطيا حاجز الـ 1500 ريال للدولار الواحد، وسط خروج قدرات المواطنين اليمني الشرائية عن حدود الحصول على المواد الغذائية الأساسية، فيما لا تزال حكومة هادي متمسكة بمطالبة المنظمات الإنسانية والأممية بنقل مقراتها إلى عدن، ليس بهدف تقديم الخدمات الإغاثية، بل بهدف تحويل أموال الدعم والإغاثة إلى حسابات في البنك المركزي بعدن، الذي شهد فسادا ماليا ونقديا غير مسبوق، بعد أن تحول إلى وسيط لنقل الإيرادات اليمنية إلى بنوك خليجية، وفشل في توفير السلع الأساسية والضرورية، والحفاظ على القيمة النقدية لمدخرات المواطنين من الريال اليمني.
الأخطر في اليمن بصفة عامة، أن الاستجابات التشغيلية لانعدام الأمن الغذائي الحاد بعد عام 2015م صُنفت –حسب ورقة اقتصادية صادرة عن مركز صنعاء للدراسات (غير حكومي) – على أنها “واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم”، مع وجود 10.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي. فبعد أشهر فقط من بدء هجوم التحالف الذي تقوده السعودية ازداد خطر المجاعة بسبب عوامل معقدة ناتجة عن الحرب والحصار، في مناطق حكومة صنعاء، وانهيار قيمة العملة والقدرة الشرائية مناطق سيطرة التحالف، في حين لا تزال تركز على الأمن الغذائي من خلال توفير السلال الغذائية، وبدرجة أقل، قسائم الطعام والتحويلات النقدية، مع تقديم دعم محدود لسبل كسب العيش المستدام.
وأفضت الورقة –التي اعتمدت على مصادر ثانوية وبيانات أولية جُمعت من مقابلات أجريت مع مقدمي معلومات رئيسيين من العاملين الباحثين الدوليين والمحليين في مجال الإغاثة أواخر 2020 وأوائل 2021م- إلى مقاربات هامة حيال تلازمية غياب البيانات والمؤشرات، وحدوث ما أسمتها بالمجاعة الجديدة أو (غير المعلنة) التي تنشأ عن إخفاقات منهجية متعددة ومتعمدة في كثير من الأحيان، ما يؤدي إلى استشراء الجوع والأمراض والوفيات.. لافتة إلى حتمية المجاعة رغم حجم المساعدات الإنسانية والإغاثية للمجتمعات التي تعيش أوضاعا اقتصادية مقرونة بانهيار القيمة النقدية لمدخراتها، وانهيار قدراتها الشرائية للمواد الغذائية في المقام الأول، كأهم عوامل الأمن الغذائي للأسرة.
وفي إشارة إلى اعتماد الجهات المانحة والمعنية بتقديم المساعدات أو الدعم المخصص لأسعار الغذاء، على حكومة هادي المنفية خارج الواقع المعيشي المنهار، أكدت الورقة الاقتصادية أن الافتقار الدائم إلى البيانات في اليمن حال دون إعلان المجاعة، رغم وجودها الحتمي داخل المجتمعات التي انهارت قدرتها الشرائية بالنسبة لأبسط المواد الأساسية والغذائية، مقترحة وضع تصور جديد للمجاعة يتجاوز معايير التصنيف المرحلي المتكامل.
وفيما تؤكد نظرية “المجاعة الجديدة” ضرورة تحليل ظروف المجاعة دون التركيز على نقص الغذاء أو التركيز حصراً على الوصول الفعلي والاقتصادي إلى الغذاء، أفادت الورقة الاقتصادية بأن التركيز على الأطراف الفاعلة، التي تعمل بلا هوادة على خلق ظروف المجاعة في اليمن، والتي تنشأ عبر الحرب الاقتصادية والحرمان من الموارد، وهو الحال نفسه القائم في منطقة سيطرة التحالف، حيث تذهب عائدات النفط والغاز اليمنيين إلى حسابات وأرصدة في البنوك السعودية، تتصرف بها حكومة هادي كما تشاء، وهي تطالب اليوم بصب كل المساعدات والمنح إلى تلك الحسابات، فيما اليمنيين في مناطق سيطرة التحالف يموتون جوعا إما بانعدام الغذاء، أو بتضاؤل قدرتهم الشرائية وعجزهم عن شراء الخبر والزيت والسكر وغيرها من المواد الغذائية.
ورغم تشديد الدراسات المهتمة بمواجهة الفقر وانعدام الغذاء في الأوضاع الطبيعية على ضرورة إقامة روابط بين العمل الإنساني والتنمية طويلة الأجل، إلا أن استراتيجيات الأمن الغذائي في إطار الاستجابات الإنسانية باليمن، عكست في العقود الماضية تركيز السياسات الإنمائية الحكومية -التي تحركها جهات دولية- على حصول الأسر على الغذاء، حيث تضمنت خطة الاستجابة الإنسانية الأولى التي قادتها الأمم المتحدة عام 2010 استراتيجية لمجموعة الأمن الغذائي والزراعة (FSAC) التي أعطت بدورها أولوية منح سلال الأغذية للنازحين داخليّاً، مع التركيز بشكل محدود للغاية على أهداف دعم المزارعين بالماشية والبذور.
فيما ركزت استراتيجيات مجموعة الأمن الغذائي والزراعة الخاصة بالاستجابة الإنسانية في اليمن بعد مارس 2015م على الأمن الغذائي من خلال توفير السلال الغذائية، ولم تلتف مطلقاً لقضية توفير الغذاء وفق مشاريع معيشية مستدامة، لتعلو خلال العام 2017م تحذيرات من حدوث مجاعة حادة وقاتلة تفاقم معاناة اليمنيين عامة، وبحكم نجاح سياسية حكومة صنعاء الاقتصادية والمالية التي حافظت على قيمة العملة وقدرة المواطن الشرائية، ركزت تحذيرات العام 2021م على حدوث مجاعة لا مفر منها في مناطق سيطرة التحالف، كاستتباع حتمي لانهيار قيمة الريال، وما يعنيه ذلك من انهيار قدرة المواطن الشرائية.