تقرير خاص-يمن ايكو
على مدى العقود الماضية، لم تحظَ الثروة السمكية في اليمن بما كان ينبغي من الاستغلال الأمثل، وتوظيف مردوداتها في مصلحة البلاد والمواطنين، فالذي حدث لهذه الثروة السيادية هو استغلال شخصي اختص به نافذون إما مسئولون أو مقربون من النظام السابق، وحسب تقارير متواترة كانوا يبسطون نفوذهم على مساحات من المياه اليمنية ويتعاقدون مع شركات أجنبية وعربية تأتي بسفنها العملاقة للاصطياد في تلك المساحات المقسّمة بينهم، ليستحوذوا على كل العائدات بشكل شخصي، ولا يدخل منها فلس واحد إلى خزينة الدولة، وكانت عمليات الاصطياد تتم بطرق عشوائية ومحرمة دولياً، كونها تستنزف الثروة، وتؤدي إلى انقراض أنواع من الأحياء البحرية وهجرة أنواع أخرى إلى سواحل بلدان مجاورة، فطرق التفجير والجرف تؤدي حتماً إلى تلك النتائج الكارثية، ولذلك تم تجريمها دولياً.
لم يرَ المواطن اليمني طيلة العقود الماضية أي انعكاسات إيجابية في مجالات التنمية المختلفة ولا في الاقتصاد الوطني بشكل عام، ناتجة عن مردودات الثروة السمكية، فتلك الثروة السيادية اليمنية كانت من أكثر الملفات غموضاً خلال تلك المراحل، ورغم ذلك تتحدث تقارير إحصائية وبيانات حكومية عن أن اليمن كان ينتج 200 ألف طن من الأسماك، إلى ما فترة ما قبل الحرب التي بدأها التحالف عام 2015م، ومع الظروف التي أنتجتها حرب التحالف على اليمن، وخصوصاً الجانب الاقتصادي من تلك الحرب، تراجع الإنتاج السمكي إلى 60 ألف طن، أي بنسبة 65%، وأشارت تلك التقارير إلى أن اليمن خسرت ما مجموعه 300 مليون دولار مما كانت تحصده من عائدات تصدير الأسماك سنوياً، وتراجع ذلك المبلغ إلى أقل من 40 مليون دولار، حسب التقارير والبيانات الحكومية.
بعد مرحلة فساد النظام السابق وعبث متنفذيه ورموزه بالثروة السمكية، وحرمان البلاد مما كانت ستدره عليها بحارها وجزرها وسواحلها من عائدات كبيرة؛ دخلت هذه الثروة السيادية المهمة مرحلة نهب وإهدار واستغلال بشع وتدمير منذ ما يقارب سبعة أعوام من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على رأس تحالف دولي وإقليمي، حيث وضعت دول التحالف يدها على الجزر والسواحل اليمنية، مضيّقة الخناق على الصيادين في كل سواحل اليمن، ضمن مظاهر الحرب الاقتصادية التي تمضي بالتوازي مع حربٍ عسكريةٍ ضروس، حيث عانى الآلاف منهم واقع التهجير من مناطقهم، هرباً من القصف المتواصل لطيران التحالف، ومن بقي منهم في مناطقهم يتعرضون للمنع من الاصطياد نتيجة انتشار قوات التحالف في ألوية ومعسكرات استحدثتها على طول السواحل واعتبارها مناطق عسكرية محظورة، بحسب مصادر محلية في المهرة وسقطرى وحضرموت وعدد من المناطق الساحلية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف وحكومة هادي.
تقارير رسمية نقلت عن خبراء يمنيين أن تدمير البيئة البحرية اليمنية استراتيجية تعتمدها دول التحالف، السعودية والإمارات تحديداً، بطرق وأساليب كثيرة، منها جرف الحيود البحرية والشعب المرجانية من أجل الحصول على كميات مهولة من الأسماك، وهي إحدى طرق الاصطياد الجائر المحرمة في قوانين الصيد الدولية والتي تستخدمها سفن صيد عملاقة، تأتي بضوء أخضر من الإمارات إلى جزيرة سقطرى اليمنية، التي أغلقت أبوظبي مساحة 80% من سواحلها وحظرت الصيد التقليدي فيها، وكذلك سفن الصيد التي تمد مصنعاً لتعليب الأسماك- أنشأته أبوظبي في الجزيرة عام 2018م- بآلاف الأطنان ومن ثم ترحيل ما يتم تعليبه من الأسماك لبيعه في الأسواق الإماراتية والخليجية بشكل عام، وهي الطريقة نفسها التي تستخدمها السعودية في المياه البحرية بالمهرة وحضرموت، وفي كل سواحل وجزر اليمن، وحسب الخبراء فإن تلك الطرق الجائرة والمحرمة تؤدي إلى انقراض أنواع كثيرة من الأحياء البحرية وهروب أنواع أخرى، وكذلك تلويث البيئة البحرية برمي نفايات سامة ومواد كيماوية تؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك والأحياء البحرية، وتعد تلك الأساليب أحد مظاهر التصعيد في حرب التحالف الاقتصادية على اليمن، إذ تعتبر الثروة السمكية من أهم مصادر الدخل على مستوى الأفراد والدولة.
على المدى البعيد، سوف تؤدي ممارسات التحالف وتعاملاته مع البيئة البحرية اليمنية في المناطق التي يسيطر عليها؛ إلى حرمان اليمنيين من أهم الثروات الاقتصادية السيادية، التي ستعتمد عليها أجيال قادمة، وعلى المدى اللحظي أصبحت نسبة كبيرة من اليمنيين- خصوصاً في المحافظات الساحلية- محرومة من أهم مصادر الغذاء، بعد ما عجزوا عن شراء حتى أرخص أنواع الأسماك، حيث أن تهريبها إلى السعودية والإمارات عبر تجار وسماسرة محليين، واصطيادها بطرق جائرة عبر سفن عملاقة، أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل لم يسبق له مثيل، الأمر الذي تسبب في موجة غضب عارمة وسخط كبير في أوساط المواطنين في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، إذ يعد السمك وجبتهم الغذائية الرئيسة، لكن تهريبه إلى السعودية ودول الخليج جعل أسعاره تفوق قدرتهم الشرائية.