تقرير خاص-يمن ايكو
كيف يواجه مئات ملايين الأشخاص من ذوي الإعاقة في اليمن تكاليف احتياجاتهم الأساسية في ظل انهيار منظومة الدعم المالي “غير الكافي” الذي كانوا يتلقونه إلى ما قبل الحرب في مارس 2015، وضعف مستويات استيعاب احتياجاتهم ضمن نشاطات برامج الاستجابة الإنسانية الدولية والأممية في البلاد؟
ومنذ حوالي سبع سنوات، يفرض التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات حرباً عسكرية وحصاراً اقتصادياً على الموانئ والمنافذ البحرية والجوية اليمنية، مما أدى إلى أوضاع إنسانية أكثر سوءاً على المستوى العالمي في الوقت الراهن.
وأثرت الحرب بأبعادها الاقتصادية الخطيرة، على قطاعات وشرائح واسعة، من بينها ذوو الاحتياجات الخاصة، أو ما يطلق عليهم بالأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تزايدت مظاهر معاناتهم مع توقف المساعدات الحكومية وغيرها عنهم، واضطرار الكثير منهم إلى النزوح، ما أدى بأعداد كبيرة منهم إلى التسول كوسيلة أخيرة لمواجهة أدنى الاحتياجات الأساسية.
وفي الواقع، فاقمت الآثار المدمرة للحرب والحصار على الوضع الاقتصادي العام من معاناة الفئات الفقيرة والأشد فقراً في اليمن، من بينها ذوو الإعاقة الذين تصل نسبة الواقعين منهم تحت خط الفقر إلى 90 في المئة، وفق دراسة سابقة عن الاتحاد الوطني لجمعيات رعاية المعاقين.
ويؤثر الفقر بشكل غير متناسب على الأشخاص ذوي الإعاقة. وفي اليمن حيث يعاني الاقتصاد من الانهيار، ازداد الأشخاص فقراً على فقر.
ونقلت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2019، عن أشخاص التقتهم، أنهم يتكبدون مشقة تحمل التكاليف المتعلقة بالإعاقة وتغطية النفقات التي لا غنى عنها مثل الأغذية الخاصة. وفي إحدى الحالات التي وثقتها المنظمة، فقد دفعت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بعائلة شخص من ذوي الإعاقة إلى جعله يتسول على أحد الطرق السريعة لكي تزيد دخلها، وهو أمر لم يكن يفعله قبل الحرب.
وإلى ما قبل الحرب، كانت أكثر من 300 منظمة تقدم خدماتها للمعاقين، إلى جانب “صندوق رعاية وتأهيل المعاقين”. لكن إلى عام 2019 قالت منظمة العفو لم يتبقَ من كل هذه المنظمات سوى 26منظمة، كلها ذات قدرات وبرامج محدودة بسبب نقص التمويل وإمكانيات مزاولة العمل.
ومنذ مارس 2015 توقف “صندوق رعاية وتأهيل المعاقين ” عن صرف المعونات المالية للأشخاص ذوي الإعاقة في المناطق التي تسيطر عليها حكومة هادي، قبل أن يتوقف صرف المعونات في المناطق تحت سيطرة سلطة صنعاء، التي تأثرت بإجراءات نقل البنك إلى عدن في سبتمبر 2016، وكان من أبرز نتائجه الكارثية توقف الرواتب عن ما يقارب مليون موظف عمومي.
وقال “عبد الله أحمد بنيان” رئيس الإقليم العربي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومدير عام مركز ذوي الاحتياجات الخاصة بالعاصمة صنعاء، في تصريحات صحافية، إن “هناك 185 منظمة ومؤسسة أغلقت أبوابها أمام ذوي الاحتياجات الخاصة، في مختلف المحافظات اليمنية، لعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاههم، إضافة إلى ما تسببت به الحرب من إيقاف موارد صندوق رعاية وتأهيل المعاقين”.
ونقلت وسائل إعلامية عن أمين عام جمعية المعاقين حركيّاً، قوله إن الصندوق اليمني للمعاقين كان يقدم معونات بنسبة 80 في المئة لذوي الاحتياجات الخاصة، لكن الحرب جففت موارد الصندوق بشكل كبير، حيث يعتمد الصندوق في عائداته على مؤسسات حكومية وخاصة، منها: نسبة من مصنع التبغ والكبريت “كمران”، ومصانع الإسمنت، ونسبة من تذاكر الطيران، وأيضاً نسبة من عائدات المخالفات المرورية، وجهات أخرى، لكن معظم الجهات توقفت أو انخفضت نسبة ما تقدمه للمركز بسبب تراجع مستوى الواردات”.
ووفقاً لأخصائيين، يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة إلى أجهزة تعويضية، مثل السيقان والأيادي الإلكترونية التعويضية، وأجهزة مساعدة، مثل السماعات والنظارات والعربات، بالإضافة إلى أجهزة تعليمية”، لكن ما هو مؤكد أن هناك صعوبة في الحصول عليها بسبب الحصار والحرب، والتدهور الاقتصادي.
لقد أدى الانقسام المؤسسي ومنع الإيرادات من الوصول إلى صنعاء، إلى توقف صرف هذه المعونات في الفترة ما بين عامي 2015و2017 واستأنف صرفها في 2018 ولكن بطريقة غير منتظمة، بحسب مسؤولين في صندوق رعاية ودعم المعاقين.
ولا يزال الأشخاص ذوو الإعاقة يعانون التمييز من طرف المنظمات العاملة في النشاط الإغاثي والإنساني، وانتقدت منظمة العفو الدولية أداء المنظمات وتعاطيها مع احتياجات ذوي الإعاقة في اليمن، وقالت بالضرورة أن تعلم الحكومات المانحة، حجم التجاهل والاستبعاد الذي تمارسه المنظمات بحق الملايين من الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، وأنه ينبغي على المانحين ضمان قيام المنظمات الإنسانية بإشراك هؤلاء الأشخاص في تنفيذ عمليات المساعدات.
وطالبت العفو الدولية الأممَ المتحدة والمنظمات الإنسانية أن “تبذل مزيداً من الجهد، للتغلب على المحددات التي تحول دون حصول الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة حتى على أبسط احتياجاتهم الأساسية”.
إذا كانت الحرب قد عطلت مصادر الدخل لذوي الاحتياجات الخاصة، وأدّت إلى نزوحهم من منازلهم، فإنها قد أدت إلى ارتفاع أعداد المعاقين التي تصل إلى (4,5) مليون معاق، وفق تقدير منظمة الصحة العالمية. وخلّفت الأعمال العسكرية للحرب ما يقرب من (92) ألف معاق، وفقاً لإحصاءات الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين.
إلى ذلك يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة في اليمن من عدم توفر فرص العمل لهم على قدم المساواة مع الآخرين.
فالقوانين التي تنص على تخصيص حصص معينة من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة لا تنفذ في الواقع، وفي الحرب لا توجد أجهزة إدارية تعمل لتنفيذها.
ومع أن اليمن من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة “إلا أنها إلى اليوم لم تفِ بالتزاماتها في تقديم الدعم الضروري، بما في ذلك الاعتمادات المالية المهمة للغاية للأشخاص ذوي الإعاقة وللمنظمات التي تقدم لهم بعض الخدمات”.